الحكم بتمام القسمة الجبرية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
إجراءات
القسمة الجبرية لا تختلف عن إجراءات القسمة الرضائية إلا ان المحكمة تجبر
المتقاسمين على الإجراءات التي يرفضوا القيام بها أو المشاركة فيها أو الموافقة عليها، إضافة إلى أنه بعد تمام إجراءات القسمة الجبرية
يصدر القاضي الحكم المتضمن إجراءات القسمة التي تمت مباشرتها بنظر المحكمة، حسبما
قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
19-12-2012م في الطعن رقم (46219)، فقد باشرت المحكمة الابتدائية إجراءات القسمة
الجبرية وقامت بمخاطبة المتقاسمين بإختيار العدول لحصر التركة وبيان اوصافها
ومساحة الأراضي وحدودها وتوابعها واماكنها وتثمينها ثم كلفت المحكمة الابتدائية
الأمين الشرعي المختص بتحرير فصول المتقاسمين وقامت المحكمة بتسليم المتقاسمين فصولهم وعندها رفض بعض
المتقاسمين ذلك وقاموا بإستئناف الحكم الابتدائي وذكروا في استئنافهم ان هناك اخطاء قد وقعت في فصول القسمة، فلم تتضمن هذه الفصول
ثلث التركة حيث تم استبعاده بذريعة ان المؤرث قد اوصى به إلى أحد الورثة
المتقاسمين ، وعند استئناف الحكم
الابتدائي صححت الشعبة الإستئنافية تلك
الاخطاء وفقاً للصلاحية المقررة لها في المادة (288) مرافعات، وعند الطعن بالنقض
في الحكم الاستئنافي أمام الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا أقرت الدائرة الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((فقد تبين
للدائرة ان نعي الطاعن على الحكم الاستئنافي بأنه قد خالف الشرع والقانون فيما قضى
به بإبطال ما جاء بمحررات القسمة المؤرخة... بنظر المحكمة الابتدائية بشأن ثلث
مخلف المؤرث الذي أوصى المؤرث لولد الطاعن مقابل غرامته، وبإمعان الدائرة النظر في
حيثيات وأسباب الحكم الاستئنافي وما تضمنته أوراق القضية، فقد تبين ان ما توصلت
إليه محكمة الاستئناف في أسباب حكمها وما
قضت به الشعبة من تصحيح القسمة الجبرية
التي اجرتها المحكمة الابتدائية وإعادة الأموال التي اخرجها المحكمة الابتدائية من
التركة كوصايا وغرامة شريعة قد كان صحيحاً وفقاً لأسباب شرعية وقانونية لما أستند
إليه الحكم وعلل به ولذلك فإن الحكم الاستئنافي جاء موافقاً للشرع والقانون))،
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو
مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية القسمة الجبرية:
هي
القسمة التي تقوم بها المحكمة بناءً على طلب أحد المتقاسمين حيث تقوم المحكمة بإجراءات القسمة جبراً حتى لو
رفض ذلك بعض المتقاسمين، وتقوم المحكمة بذلك بناءً على طلب أحد المتقاسمين،
فالقسمات الجبرية تتم بواسطة القضاء، حيث يحق للمحكمة عند مباشرتها هذه القسمة ان
تجبر الخصوم على القيام بإجراءات القسمة، ولخطورة القسمة الجبرية فأنها لا تتم إلا
بنظر القضاء ووفقاً لإجراءات المحاكمة العادلة التي تتوفر فيها الضمانات الكافية
للحيلولة دون التعسف وسوء إستعمال سلطة
الاجبار، (القسمة، د. ابراهيم عبد الحميد سلامة، ص54).
الوجه الثاني: إجراءات القسمة الجبرية:
لا تكاد
تختلف إجراءات القسمة الجبرية عن إجراءات القسمة الرضائية، فلا تتم القسمة الجبرية
إلا بحصر التركة المطلوب قسمتها والتحقق من ملكية المؤرث لها وحصر الإلتزامات
والديون القائمة على التركة وحصر مطالبات المتقاسمين المتعلقة بأموال التركة( دعاوى
الاختصاص)وتثمين أموال التركة وتحديد بياناتها وأوصافها ومساحاتها وحدودها التي
تنفي عنها الجهالة، وكذا تعيين الخبراء والعدول وإخراج الديون والإلتزامات الثابتة
من وعاء التركة ثم إعداد وثيقة القسمة المتضمنة تحديد وفرز انصبة المتقاسمين ثم تحرير
الفصول التي تتضمن تقسيم أموال التركة على المتقاسمين، حيث تكلف المحكمة
المتقاسمين بالتوافق بينهم على تعيين الخبراء العدول والمصادقة على إجراءات القسمة،
فإن رفض بعضهم قامت المحكمة بتنصيب من يقوم
بذلك بخلاف القسمة الرضائية التي لا يجوز فيها للقسام التنصيب عن المقاسم الممتنع.
الوجه الثالث: الحكم بتمام القسمة الجبرية ومكوناته:
بما
ان القسمة الجبرية تتم بنظر المحكمة، وتتم فيها جلسات محاكمة يتم خلالها إتخاذ إجراءات وقرارات ويقدم خلالها
المتقاسمون طلبات ومستندات، لذلك ينبغي أن
تنتهي إجراءات القسمة الجبرية بحكم شامل يتضمن محصلا عن سير إجراءات المحاكمة المتضمنة
الإجراءات التي اتخذتها المحكمة في سبيل إتمام القسمة الجبرية حيث يفترض ان يتضمن
الحكم كافة الإجراءات التي باشرتها المحكمة في هذا الشأن، كما ينبغي ان يتضمن
الحكم كشف حصر التركة وفصول المتقاسمين حتى يتحقق في الحكم مبدأ الوحدة والكفاية،
حيث يكون الحكم وحده كافٍ في الحجية دون
حاجة إلى الإحالة إلى أوراق القضية ولهذه
الغاية ينبغي ان يتضمن منطوق الحكم ثبوت صحة كشف حصر التركة وفصول المتقاسمين وان
يتضمن الحكم كشف الحصر ووثيقة القسمة
الشاملة المتضمنة أموال التركة القابلة للقسمة بين المتقاسمين، وكذا فصول
المتقاسمين التي تبين نصيب كل مقاسم ، علما بأن فصول المتقاسمين لاتكون نهائية
الاعندما يكون الحكم نهائيا أو باتا، والغالب في القسمة الجبرية انه يتم تحرير
فصول القسمة مرة أخرى من واقع الحكم النهائي أو البات، فبيانات الفصول قد تتغير بموجب حكم محكمة الطعن في الحكم بالقسمة الجبرية
، مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.
![]() |
الحكم بتمام القسمة الجبرية. |