حكم استثمار المال نظير مبلغ ثابت
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
تنتشر
في اليمن معاملات مشبوهة من الناحية الشرعية والقانونية ، حيث يقوم بعض الأشخاص
بتوظيف أموالهم لدى تجار نظير مبالغ ثابتة شهرية أو سنوية يدفعها التاجر المستثمر إلى صاحب المال بصرف النظر عن
مقدار الربح المحقق أو الخسارة في نشاط المستثمر، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن
هذا التصرف مخالف للشريعة والقانون والمدني الذي يحرم هذه المعاملة، ويقرر يجب إنهاء
هذه المعاملة الربوية وإلزام التاجر المستثمر برد راس المال، وهو المبلغ المدفوع
له لاستثماره ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 17/12/2015م في الطعن رقم (55960)، فقد ورد ضمن أسباب هذا
الحكم: ((والدائرة بعد رجوعها إلى اوليات القضية مشتملات الملف، وجدت ان ما ينعي
به الطاعن على الحكم موضوع الطعن من مناعٍ في غير محلها، إذ أن محكمة أول درجة قد
ردت على ما يدندن به الطاعن بأن العلاقة كانت تعاقدية وشراكة حسبما هو محرر في الاتفاقيات
بينهما، كما ان محكمة الدرجة الثانية قد انهت هذه الرابطة العقدية، وحددت ما
يستحقه المدعي على المدعى عليه في هذه الشراكة وهو مادفعه من رأس مال وقدره....
ريالاً حسب الاتفاقية واسقطت المحكمة الارباح اللاحقة، وهذا اتجاه سليم من الشعبة
الاستئنافية بإنهاء هذه الرابطة العقدية، ولما كان الأمر كذلك فإن الطعن لا تأثير
له على الحكم المطعون فيه مما يقتضي رفض الطعن موضوعاً))، وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: مفهوم الاستثمار نظير مبلغ ثابت:
يقوم بعض التجار بإستقطاب بعض الأموال
لاستثمارها في انشطتهم التجارية ونظير ذلك يقوم المستثمرون للاموال بمنح اصحاب هذه
الأموال عائدات ثابتة يقوم المستثمر للمال بدفعها بصفة منتظمة شهرية أو سنوية، على
أساس ان هذه المبالغ المدفوعة عائدات توظيف أو استثمار الأموال المستثمرة في
النشاط التجاري، ويقوم التاجر المستثمر بدفع هذه المبالغ الثابتة بصرف النظر عن
مقدار الربج المحقق من استثمار الأموال، حتى لوكانت نتيجة الاستثمار خسارة،
فالمستثمر ملزم في كل الأحوال بدفع المبلغ الثابت السابق الإتفاق عليه .
الوجه الثاني: تحريم الشريعة الإسلامية لهذه المعاملة المالية:
المباح
في الشريعة الإسلامية المضاربة الشرعية التي تتم عن طريق إتفاق صاحب المال مع صاحب
العمل على ان يقوم صاحب المال بدفع المال إلى صاحب العمل وهو صاحب دراية وخبرة في
النشاط التجاري يقوم حيث ذلك ، ويتفق الطرفان مسبقاً على النسبة المستحقة
لكل طرف من الأرباح المستحقة فعلاً، ومثلما يتقاسما الارباح المحققة فعلاً فأنهما
يتقاسما الخسارة المحققة فعلاً، اما
المعاملة التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا فهي صورة من صور الربا المحرم في
الشريعة الإسلامية والقانون المدني اليمني، لأن المبلغ المقطوع الثابت الذي يتم دفعه
لصاحب المال ماهو إلا عبارة عن كراء أو اجرة المال المستثمر، وذلك صورة من صور
الربا المحرم شرعا وقانونا، ولأن هذه الصورة محرمة فقد قضى الحكم محل تعليقنا ببطلان
الإتفاق بين صاحب المال وصاحب النشاط التجاري وقضى الحكم باسقاط المبالغ الثابتة التي كان التاجر صاحب العمل بدفعها لصاحب المال،
وإلزام صاحب النشاط التجاري بإعادة مبلغ راس المال الذي دفعه إليه صاحب المال
عملاً بقوله تعالى {..وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ
أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}[آل
عمران(279)]،
والله اعلم .