الصلح بعد صدور الحكم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
لم يحدد القانون وقتا معينا للتصالح بين الخصوم، فيحق لهم الصلح قبل اللجوء إلى
القضاء وأثناء نظر القضاء للخلاف، ويجوز لهم ذلك بعد حجز القضية للحكم فيها، كما يجوز الصلح
بعد صدور الحكم ، فالصلح عقد من العقود يجب ان تتحقق فيه الأركان والشروط المقررة
في الشريعة الإسلامية والقانون المدني، فإذا تم الصلح أمام المحكمة التي تنظر
النزاع فأنه يصير سنداً تنفيذياً لا يجوز الطعن فيه أو المساس بأصل الحق الذي حسمه
الصلح، اما إذا تم الصلح خارج القضاء فأنه يكون عقدا بموجب القانون المدني فإذا تخلف ركن من اركانه او شرط من شروطه فيحق
لصاحب الصفة والمصلحة ان يرفع دعوى إبطال عقد الصلح أمام المحكمة المختصة أصلاً
بنظر النزاع، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 24-2-2014م في الطعن رقم (56163)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم
الاستئنافي (ولما كانت أقوال الشهود والأدلة الأخرى قد اكدت بما لا يدع مجالاً
للشك صحة وقوع الصلح وصحة التوقيع عليه من قبل الأطراف الخصوم، ولما كان الأمر
كذلك، وكان الثابت ان الرقم قد حكى التصالح بشأن النزاع بشأن الحكم الابتدائي
المطعون فيه أمام محكمة الاستئناف مما يوجب إعتبار الحكم الابتدائي لاغياً، وحيث
ان الصلح يعد عقداً من العقود تسري عليه أحكام وتسري عليه احكامها طبقاً لنص
المادة (668) مدني وما بعدها، ومن ذلك ان الاختصاص في النظر والفصل في دعاوى
الإبطال والفسخ ينعقد للمحكمة الابتدائية المختصة مكانياً، ولذلك فإن الشعبة تحكم
بثبوت صحة رقم الصلح المبرز من المستأنف، ولزوم توقف الطرفين على ما ورد فيه)،
وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي اقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا
الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((اما من حيث الموضوع
فالدائرة بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف وجدت ان ما ينعي به الطاعنان في
عريضة طعنهما هي مناعٍ في غير محلها ولا سند لها من القانون، فقد جاء الحكم
المطعون فيه صحيحاً فيما أسس قضاءه عليه وهو الصلح المؤرخ.... الثابت بالإشهاد
عليه والتوقيع عليه، ولما كان الأمر كذلك فإن الطعن مرفوض))، وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية الصلح:
بينت
ذلك المادة (668) مدني التي نصت على ان الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم
به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً وذلك بأن يتنازل كل منهما
عن جزء من إدعائه)، فمن خلال استقراء هذا النص يظهر ان الصلح: عقد مثل غيره من
العقود يجب ان تتوفر اركانه وشروطه المبينة في القانون المدني ، كما يظهر أيضاً ان
الغرض من الصلح هو حسم النزاع القائم بين الخصوم أو المتوقع حصوله بينهما في
المستقبل.
الوجه الثاني: الصلح اثناء النزاع أمام المحكمة المختصة والصلح خارج المحكمة أو الصلح الذي يكون سنداً تنفيذياً والصلح الذي لا يكون كذلك:
الصلح
الذي يقع خارج المحكمة يكون عقداً محضاً، ولذلك يكون ملزماً لأطرافه فيجب عليهما
احترامه والإلتزام به والقنوع به غير أنه لا يكون سنداً تنفيذياً، لأنه ليس حكماً،
اما إذا تم الصلح أمام المحكمة التي تنظر
النزاع أو تم خارج المحكمة ولكن حضر الخصوم أمام المحكمة واقروا بصحته فأنه يتم
تضمينه في محضر جلسة المحكمة ويتم الحكم بإعتباره سنداً تنفيذياً وفقاً للمادة
(328) مرافعات التي نصت على أن: (تتحدد السندات التنفيذية فيما يأتي: -4- اتفاقيات
الصلح المصادق عليها من المحاكم)، اما اتفاقيات الصلح المصادق عليها من قبل أقلام
توثيق المحكمة فلا زال النقاش محتدم بشأن وضعيتها، حيث يذهب اتجاه من القضاة إلى
ان اتفاقيات الصلح المصادق عليها أمام أقلام التوثيق لا تكون سندات تنفيذية، لأن المصادقة عليها لم تكن من قبل المحاكم
(القضاة) وإنما من قبل الموظفين في أقلام التوثيق، فقانون المرافعات اشترط
لإتفاقيات الصلح حتى تكون سندات تنفيذية ان تتم المصادقة عليها من قبل المحاكم أي
القضاة المختصين، في حين يذهب اتجاه آخر إلى ان اتفاقيات الصلح المصادق عليها من
قبل أقلام التوثيق تكون سندات تنفيذية لأن المصادقة اجراء إداري وليس قضائي
فلاتختلف عملية المصادقة أمام قلم الثوثيق عنها أمام القاضي، فهي في الحالتين
التأكد من رضاء وموافقة أطراف الصلح، فعملية التوثيق هي الإجراء ذاته الذي يباشره
القاضي عند التصالح أمامه حيث تقتصر عملية المصادقة على عقد الصلح على التحقق من
رضاء وموافقة الأطراف على ما ورد في عقد الصلح.
الوجه الثالث: وقت إبرام عقد الصلح:
لم
يحدد القانون اجلاً محدداً لإبرام عقد الصلح ، فيجوز للخصوم ان يتصالحوا قبل رفع
النزاع أمام القضاء، كما يجوز ان يتم الصلح اثناء نظر المحكمة للنزاع، كما قد يتم
التصالح اثناء حجز القضية للحكم، كما قد يتم التصالح بعد صدور الحكم من المحكمة
مثلما حصل التصالح في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، فقد تم التصالح بعد
صدور الحكم الابتدائي، واثناء نظر محكمة الاستئناف للخصومة، حيث تصالح الخصوم خارج
المحكمة وبعد تمام ذلك التصالح اختلف الطرفان، فقد أنكر احد الطرفين الصلح الذي تم
خارج المحكمة، وقد ارشد الحكم محل تعليقنا الطاعن بأنه يمكنه ان يرفع دعوى إبطال
عقد الصلح أمام المحكمة الابتدائية المختصة إذا لم تتحقق في عقد الصلح أي من
اركانه وشروطه، لأن المحكمة الابتدائية المختصة مكانياً هي المختصة بنظر دعاوى إبطال
العقود ومنها دعوى إبطال عقد الصلح.
الوجه الرابع: التكييف القانوني للتصالح بعد صدور الحكم القضائي:
من
الواضح ان تصالح الخصوم بعد صدور الحكم القضائي يكون بمثابة تنازل من المحكوم له
عما قضى به الحكم كلياً أو جزئياً، وهذا التنازل ليس محظوراً في القانون، ففي
حالات كثيرة يحصل التصالح بعد صدور الحكم، فيتم إثبات الصلح أمام محكمة الطعن،
فيصير الصلح بعد المصادقة عليه أمام محكمة الطعن سنداً تنفيذياً وقد يتم خارج
محكمة الطعن فيكون ملزماً لطرفي الصلح بإعتباره عقداً، عملاً بقاعدة العقد شريعة
المتعاقدين، وقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بقنوع اطراف الصلح بما ورد
فيه مع ان ذلك الصلح وقع خارج محكمة الطعن او محكمة الاستئناف، ويترتب على الصلح
بعد صدور الحكم إلغاء الحكم اذا كانت بنود الصلح تخالف منطوق االحكم، لان الصلح عبارة
تنازل عن الحكم الصادر السابق على الصلح حسبما سبق بيانه ، والله اعلم .