تقادم المخالفات المكتشفة المنسوبة للعامل


 تقادم المخالفات  المكتشفة المنسوبة للعامل

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

صرح قانون العمل بأنه لايجوز لصاحب العمل التحقيق مع العامل أو فصله او توقيع أية عقوبة على العامل اذا انقضت مدة 15 يوما من تاريخ إكتشاف المخالفة المنسوبة للعامل، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بتاريخ 19-8-2015م في الطعن رقم (56932)، فقد ورد في قرار اللجنة التحكيمية العمالية أنه: ((اما قول محامي المدعى عليها بأن العامل قد ارتكب جريمة خيانة الأمانة، فبرجوع اللجنة إلى الأوراق المفيدة لذلك فقد تبين ان تلك المخالفات قد وقعت بتواريخ سابقة على فصل العامل ، وقد كان على المدعى عليه ان يحدد آخر مخالفة تم اكتشافها  ثم يقوم باتخاذ الإجراءات القانونية حيالها، وان يقدم الادلة التي تدل على أنه  قد قام بفصل العامل على اثر ذلك))، وقد ايدت الشعبة الاستئنافية قرار اللجنة العمالية، وكذا اقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ((لأن المحكمة الاستئنافية قد اخذت بأسباب قرار اللجنة التحكيمية وعوّلت عليها، حيث قام الحكمان على ما يحملهما من أسباب، كما ان الحكم الاستئنافي مسبب وموافق للقانون، وإن الطاعن لم يأت بشيء جديد))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: تقادم المخالفات  المكتشفة التي يرتكبها العامل:

نصت الفقرة (3) من المادة (95) من قانون العمل على أنه (لا يجوز لصاحب العمل ان يوقع بحق العامل أية عقوبة في الحالات الآتية: -أ- انقضاء خمسة عشر يوماً على اكتشاف المخالفة –ب- إذا لم تثبت ادانة العامل بالتهم المنسوبة له جنائياً او إدارياً –ع- إذا لم تكن المخالفة واردة ضمن القواعد التفصيلية للعقوبات)، فهذه المادة صريحة في عدم جواز معاقبة العامل المخالف بأية عقوبة بما فيها عقوبة الفصل أو غيرها بعد انقضاء مدة(15 ) يوما من تاريخ إكتشاف  المخالفة المسندة للعامل، وفي السياق ذاته تنص المادة (97) من قانون  العمل على أنه (1- على صاحب العمل عند التحقيق في المخالفة إتخاذ ما يلي: -أ- القيام بالتحقيق خلال فترة اقصاها خمسة عشر يوماً من تاريخ اكتشاف المخالفة)، ومن خلال استقراء هذا النص السابق نجد انه قد صرح بأنه لا يحق لصاحب العمل ان يباشر التحقيق في المخالفات المسندة للعامل إذا انقضت مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ اكتشاف المخالفة، وتحتسب مدة ال 15 يوماً في الحالتين من  اليوم التالي ليوم اكتشاف المخالفة، وبموجب المادة(93 و96) من قانون العمل لايجوز لصاحب العمل توقيع عقوبتي فصل العامل  او الخصم من الأجر بما لايزيد عن 20٪ من الأجر الأساسي الا بعد إجراء تحقيق عادل مع العامل المخالف بشان المخالفة المنسوبة للعامل، وقد عبر قانون العمل عن تقادم مخالفات العامل المكتشفة عن طريق منع التحقيق مع العامل أو معاقبته إذا انقضت مدة (15 يوماً) من تاريخ اكتشاف المخالفة المنسوبة للعامل، مع التأكيد على ان التقادم لايكون الا بشأن المخالفات التي يتم اكتشافها اما تلك التي لم يتم إكتشافها فلا يسري عليها التقادم المشار إليه الا من بعد إكتشافها وفقا للنصين السابق ذكرهما .

الوجه الثاني: عدم جواز التحقيق مع العامل أو فصله أو توقيع أية عقوبة عليه بسبب المخالفات التي مضى على اكتشافها مدة تزيد على 15 يوماً:

منع النصان القانونيان السابق ذكرهما منعا صاحب العمل من التحقيق مع العامل أو فصله أو توقيع أية عقوبة عليه إذا انقضت مدة (15 يوماً) من تاريخ اكتشاف المخالفة، وبناءً على ذلك لا يجوز لصاحب العمل إتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق مع العامل بعد انقضاء هذه المدة كإيقاف العامل عن العمل أو إصدار قرار إحالته إلى التحقيق، ومن جانب اخر لا يجوز لصاحب العمل ان يفصل العامل أو يجري على العامل أية عقوبة أخرى على بسبب تلك المخالفة  إذا مضت مدة 15 يوماً من تاريخ اكتشافها، وقد قرر القانون ذلك لحماية العامل، حتى لا تكون المخالفة التي ارتكبها العامل في السابق سيفاً مصلتاً على رقبة العامل يستخدمه صاحب العمل حينما يشاء، ولذلك فقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بأنه لا يجوز لصاحب العمل ان يفصل العامل بذريعة أنه سبق له ان ارتكب جريمة خيانة أمانة، فقد اشار الحكم محل تعليقنا بأنه كان يجب على صاحب العمل إذا اراد ان يفصل العامل بسبب تلك الجريمة ان يباشر صاحب العمل التحقيق مع العامل المخالف خلال الـ 15 يوماً التالية لإكتشاف المخالفة وان يقوم بفصل العامل في ضوء نتائج التحقيق، اما بعد ذلك فلا يجوز.

الوجه الثالث: المقصود بإكتشاف المخالفة المنسوبة للعامل:

ورد مصطلح (اكتشاف المخالفة) في النصين السابقين بصفة عامة، ولذلك يندرج في مفهوم الاكتشاف  قيام العامل نفسه بالكشف عن المخالفة، كإقرار العامل بارتكابه المخالفة أو اعترافه بإرتكابه لها أو شهادة الغير على ارتكاب العامل للمخالفة، ويدخل في هذا المعنى أيضا اكتشاف المخالفة من قبل إدارة المراجعة الداخلية أو مراقب الحسابات الخارجي او قيام الجهات المختصة كالمباحث الجنائية أو النيابة بضبط العامل  عند ارتكابه المخالفة، والعبرة حسبما ورد في النصين القانونيين السابق ذكرهما العبرة بتاريخ اكتشاف المخالفة المنسوبة للعامل وليس بتاريخ ارتكابه المخالفة، لان اكتشاف المخالفة قد لا يتم إلا بعد وقت طويل من ارتكاب العامل للمخالفة.

الوجه الرابع: الحكمة من تقادم المخالفات المكتشفة المنسوبة للعامل:

ذكرنا فيما سبق ان قانون العمل قد اسقط حق صاحب العمل في التحقيق مع العامل المخالف أو فصله أو توقيع أية عقوبة عليه بعد انقضاء 15 يوماً من تاريخ اكتشاف المخالفة حتى لا تكون المخالفة المسندة للعامل سيفاً مصلتاً على رقبة العامل يستعمله صاحب العامل متى ما يشاء، إضافة إلى ان صاحب العمل حينما يكتشف مخالفة العامل ولم يتخذ اي إجراء بشأنه يكون صاحب العمل قد التمس العذر للعامل وقدر حُسن نية العامل وعدم صحة نسبة المخالفة له او ان سبب المخالفة يرجع إلى عدم قيام صاحب العمل بتدريب العامل التدريب الكافي والمناسب أو ان سبب المخالفة يرجع إلى غير العامل، وتبعاً لذلك لا يحق لصاحب العمل بعد ذلك ان يرجع عن موقفه المتسامح مع العامل، لأنه حينئذ يكون قد اتخذ مخالفة العامل السابقة المتقادمة ذريعة لفصل العامل أو معاقبته مثلما قضى الحكم محل تعليقنا. والله اعلم .