العامل الأجنبي المتعاقد مع الدولة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
اشترط
قانون الخدمة المدنية في الموظف الذي يعين في إحدى دوائر الدولة ان يكون يمني
الجنسية، واجاز القانون ذاته للجهات الحكومية ان تتعاقد مع اجانب اذا لم تتوفر
كوادر يمنية في بعض الوظائف، والزم القانون الجهات الحكومية بإعداد نماذج عقود عمل
لاستعمالها عند التعاقد مع الاجانب ، وعلى هذا الأساس فان العامل الأجنبي الذي
يتعاقد مع إحدى دوائر الدولة لا يكون موظفاً يسري عليه قانون الخدمة المدنية بل يكون عاملاً
تسري عليه أحكام قانون العمل، فقانون العمل لا يستثني العامل الأجنبي المتعاقد من
الخضوع لقانون العمل، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-1-2015م في الطعن رقم (55980)، الذي ورد ضمن
أسبابه: ((وحيث تبين ان الحكم الاستئنافي قد استند في قضائه بعدم اختصاص اللجنة
العمالية بنظر النزاع وقضى بإن الاختصاص ينعقد للمحكمة الإدارية، استند الحكم إلى
ورود عبارة (واستناداً إلى قانون الخدمة المدنية) التي تضمنها عقد العمل فيما بين
الوزارة والعاملة الأجنبية المدعية، فورود هذه العبارة في عقد العمل لا يعني سوى
ان الوزارة المطعون ضدها تبرم عقد العمل استناداً إلى ما قرره قانون الخدمة من
جواز التعاقد مع غير اليمنيين حسبما ورد في المادة (35) من قانون الخدمة المدنية،
فمن نافلة القول: ان علاقة العامل بصاحب العمل علاقة عقدية ورابطة الموظف بالسلطة
العامة ليست عقدية بل علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح التي تملك السلطة
إصدارها في أي وقت تحقيقاً للمصلحة العامة، فالمادة (230) من قانون الخدمة المدنية
اشترطت في الترشيح للوظائف العامة ان يكون المرشح يمنياً والطاعنة ليست يمنية،
لذلك يفهم لماذا نصت المادة (35) من قانون الخدمة المدنية على جواز التعاقد مع غير
اليمنيين إذا ثبت بعد الإعلان عن الوظيفة عدم توفر موظف يمني، لذلك فإن اعتبار
الحكم للطاعنة موظفة عامة وتأسيساً عليه
عدم اختصاص اللجنة التحكيمية خطاً قانونياً يستوجب نقض الحكم، الأمر الذي يتعين
معه إعادة القضية إلى محكمة الاستئناف المرفوع إليها حكم اللجنة التحكيمية
العمالية))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الوضعية القانونية للعامل الأجنبي في قانون الخدمة المدنية:
حدد قانون الخدمة المدنية وضعية العامل الأجنبي
المتعاقد مع الجهات الحكومية في المواد (35 و 36 و37) حيث اجازت المادة (35)
للجهات الحكومية ان تتعاقد مع اجانب لشغل الوظائف التي لا يتوفر لدى اليمنيين الحد
الأدنى من المؤهلات والخبرات اللازمة لشغلها ، في حين صرحت المادة (36) بأنه: يجب على الجهة الحكومية ان تعد نماذج
موحدة لعقود العمل لحالات التعاقد مع غير اليمنيين، وحالات التعاقد مع غير اليمنين
تكون مؤقتة ريثما تتوفر الكفاءات والخبرات
اليمنية، وفي السياق ذاته نصت المادة (2) من قانون الخدمة المدنية على ان: القانون
يسري على موظفي وحدات الجهاز الإداري للدولة ولم يرد في هذا النص ذكر المتعاقدين
الأجانب مع الدولة، وعلى هذا الأساس فأنه من المؤكد ان قانون الخدمة المدنية لا
يسري على العمال الأجانب المتعاقدين مع الدولة علاوة على ان المتعاقد الأجنبي لا
يشمله تعريف الموظف المذكور في المادة (2) من قانون الخدمة المدنية التي عرفت
الموظف بأنه: (الشخص المعين بقرار من السلطة المختصة للقيام بعمل ذهني أو مهني أو
حرفي أو غيره تنظمه وظيفة مصنفة ومعتمدة في الموازنة العامة للدولة والذي يعتبر
بمجرد تعيينه في مركز نظامي سواء اكانت الوظيفة العامة دائمة أو مؤقتة بموجب هذا
القانون واللوائح المنفذة له والقوانين والقرارات الأخرى النافذة)، فالعامل
الأجنبي تقوم الجهة الحكومية بالتعاقد معه ولا تصدر قراراً بتعيينه، إضافة إلى أن
المادة (22) من قانون الخدمة المدنية قد اشترطت في التعيين في الوظيفة ان يكون
الموظف يمنياً، حيث نصت هذه المادة على أنه: (يشترط في المرشح للتعيين في الوظائف
العامة ما يلي: -1- ان يكون يمنياً)، ونخلص من هذا الوجه إلى القول: ان المتعاقد
الأجنبي مع جهات أو دوائر الدولة ليس موظفاً ولا يسري عليه قانون الخدمة المدنية.
الوجه الثاني: الوضعية القانونية للعامل الأجنبي المتعاقد مع الجهات الحكومية في قانون العمل:
صرح قانون العمل في المادة (2) بأنه: (لا تسري
أحكام قانون العمل على الفئات الآتية: -4- الأجانب المعارون للعمل مع الدولة -5-
الأجانب العاملون في الجمهورية بموجب اتفاقيات دولية تكون الجمهورية طرفاً فيها
ويكون الاعفاء في حدود الاتفاقية -6- الأجانب من حاملي جوازات السفر الدبلوماسية
والخاصة من الحاصلين على تأشيرات ويعملون في الجمهورية في حدود التأشيرات السياسية
الممنوحة لهم) فاصناف الأجانب المذكورين في هذه المادة لا يسري عليهم قانون العمل
إلا أن المادة السابقة لم تتعرض للعمال المتعاقدين مع الدولة، علماً بأن أحكام
الاعارة تختلف عن التعاقد، وبناءً على ذلك فإن قانون العمل لم يستثن العامل
الأجنبي المتعاقد مع الدولة من الخضوع لقانون العمل.
الوجه الثالث: سريان قانون العمل على العامل الاجنبي المتعاقد مع الجهات الحكومية:
مع أنه من المسلم به ان الدولة ليست (رب عمل أو
صاحب عمل) إلا أنه طالما وان قانون الخدمة المدنية لا يسري على العامل الأجنبي
المتعاقد مع جهات الدولة وانه لا ينطبق عليه وصف الموظف المقرر في قانون الخدمة
المدنية ، وحتى تكون حقوق ومصالح العامل الأجنبي مكفولة فان قانون العمل اليمني يكون
هو الواجب التطبيق على العامل الأجنبي المتعاقد مع دوائر الدولة، لأن قانون العمل
لم يستثن العامل الأجنبي المتعاقد مع الدولة من الخضوع له، والله اعلم.