معنى تجاوز المحكم لصلاحياته


معنى تجاوز المحكم لصلاحياته

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من خلال المطالعة المستمرة لمجموعة كبيرة من الأحكام نلاحظ ان معنى تجاوز المحكم لصلاحياته من أكثر حالات دعاوى بطلان حكم التحكيم التي يتم رفعها أمام محاكم الاستئناف، بسبب عدم الفهم الدقيق لمعنى تجاوز المحكم لصلاحياته، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-11-2016م في الطعن رقم (57081)، الذي ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((فقد تبين للدائرة ان نعي الطاعنين في غير محله، لأن المحكم قد تجاوز موضوع التحكيم حينما قضى بقسمة موضع آخر بالاضافة الى الموضع المذكور في إتفاق التحكيم، حتى لو كان كلام الطاعنين صحيحاً بأن الموضع المذكور في إتفاق التحكيم يشمل الموضع الآخر، لما في ذلك من الجهالة، ولذلك فإن الحكم الاستئنافي قد جاء موافقاً للشرع والقانون لما علل به))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: ولاية المحكم وموضوع التحكيم واجراءاته:

هناك تلازم فيما بين ولاية المحكم التي يستمدها من إتفاق التحكيم وبين موضوع التحكيم الذي أوجب القانون تحديده أيضاً في إتفاق التحكيم، حيث يقترن تعيين المحكم مع تحديد موضوع النزاع المطلوب من المحكم الفصل فيه، إضافة إلى أن إلى أن القانون اجاز للخصوم اطراف التحكيم ان يتفقوا في إتفاق التحكيم على تحديد الإجراءات التي ينبغي على المحكم اتباعها عند الفصل في الخصومة التحكيمية ، وفي هذا المعنى نصت المادة (15) تحكيم على أنه (لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا بالكتابة سواء قبل قيام الخلاف أو النزاع أو بعد ذلك وحتى لو كان طرفي التحكيم قد أقاما الدعوى أمام المحكمة، ويكون الاتفاق باطلاً إذا لم يكن مكتوباً ومحدداً به موضوع التحكيم ويكون الاتفاق مكتوباً إذا تضمنته وثيقة تحكيم أو برقيات أو خطابات أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة ذات الطابع التوثيقي)، وهذا يعني أنه يجب على المحكم ان لا يتجاوز حدود موضوع التحكيم أو الإجراءات المحددة في إتفاق التحكيم.

الوجه الثاني: بطلان حكم التحكيم لتجاوز المحكم موضوع التحكيم وإجراءاته :

سبق القول ان القانون أوجب على المحكم إحترام إرادة الخصوم الذين عينوه في إتفاق التحكيم للفصل في موضوع الخلاف وفقا للإجراءات المحددة في  متن إتفاق التحكيم، لأن ولاية المحكم تتأسس على أساس إرادة الخصوم المحتكمين المبينة في إتفاق التحكيم، فإذا تجاوز المحكم حدود موضوع التحكيم أو خالف الإجراءات المحددة في إتفاق التحكيم فإن حكمه يستحق البطلان، ولذلك فقد نصت المادة (53) تحكيم على أنه (لا يجوز طلب إبطال حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية: -د- إذا تجاوزت لجنة التحكيم صلاحياتها).

الوجه الثالث: تجاوز المحكم لصلاحياته :

نصت المادة (29) تحكيم على أنه (على لجنة التحكيم الإلتزام بإتفاق التحكيم ولا يجوز لها ان تحكم بما لم يشمله الإتفاق أو بما لم يطلبه طرفا التحكيم )، وفي السياق ذاته نصت المادة (53) تحكيم على بطلان التحكيم (-د- إذا تجاوزت لجنة التحكيم صلاحياتها)، والمقصود بتجاوز لجنة التحكيم لصلاحياتها هو تجاوزها لإتفاق التحكيم الذي حدد صلاحيات المحكم المتمثلة في موضوع التحكيم والإجراءات الواجب على المحكم اتباعها، ومن خلال إستقراء النصين السابقين نجد أن من أهم تطبيقات تجاوز المحكم لصلاحياته هو الفصل في نزاع لم يشمله إتفاق التحكيم، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بإبطال حكم التحكيم، لأن حكم التحكيم قد فصل في قسمة موضع (ص) بالإضافة إلى موضع (س)، في حين ان إتفاق التحكيم قد حدد صلاحية المحكم في تسوية الخلاف وقسمة موضع (ص) فقط، كما ان من تطبيقات تجاوز المحكم لصلاحياته تضمين حكم التحكيم  الحكم على من لم يكن طرفاً في الخصومة التحكيمية، وكذا يحدث التجاوز إذا لم يتقيد المحكم بالضوابط والإجراءات المحددة في إتفاق التحكيم.

الوجه الرابع: عدم جواز تصحيح محكمة الاستئناف للتجاوز في حكم التحكيم عند رفع دعوى بطلان حكم التحكيم :

في حالات كثيرة يحدث التجاوز عندما يفصل المحكم في مسألة لا تدخل ضمن صلاحياته مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ، وفي الوقت ذاته يفصل المحكم في مسألة داخلة ضمن اختصاصه، ففي هذه الحالة لايجوز لمحكمة الاستئناف  تصحيح حكم التحكيم، لان محكمة الاستئناف تكون بالنسبة لدعوى البطلان محكمة قانون لا تملك تصحيح الإجراءات الباطلة التي وقع فيها حكم التحكيم أو إلغاء الفقرات الباطلة من منطوق حكم التحكيم التي تضمنت تجاوز المحكم لصلاحياته، فمحكمة الاستئناف لا تملك إلا قبول دعوى بطلان  حكم التحكيم كاملة أو رفض الدعوى كاملة، ولذلك فإن دور محكمة الاستئناف بالنسبة لدعاوي بطلان  أحكام التحكيم يختلف عن دورها بالنسبة للاحكام الصادرة من المحاكم الابتدائية، حيث تملك محكمة الاستئناف تصحيح الاخطاء والتجاوزات التي تشوب الأحكام الابتدائية، والله اعلم .