إثبات إستلام البائع لثمن المبيع بغير وثيقة عقد البيع


إثبات إستلام البائع لثمن المبيع بغير وثيقة عقد البيع

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات العملية في البيوع التي تتم كتابة عقودها، كالبيوع العقارية عدم تضمين وثيقة عقد البيع ان البائع قد تسلم ثمن المبيع  في مجلس العقد حين إبرام العقد بإعتبار الثمن والمبيع هما محل عقد البيع ، ومحل العقد هو ركن من اركان العقد، إذ يجب أن يتم إثبات كل أركان عقد البيع في وثيقة واحدة وهي الوثيقة المعدة قانونا لإثبات عقد  البيع العقاري بكافة أركانه وشروطه، ومع ذلك ففي حالات كثيرة يتم ذكر الثمن في وثيقة العقد دون الإشارة في  وثيقة العقد  ذاتها  إلى ان البائع قد استلم الثمن في مجلس العقد، ففي هذه الحالة تثور بعض الإشكاليات ، حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-5-2015م في الطعن رقم (57090)، الذي ورد ضمن اسبابه: ((فقد تبين ان الطعن وارد ومؤثر في الحكم الاستئنافي المطعون فيه الذي قضى بتأييد الحكم الابتدائي على علاته مع ان الطاعن كان قد تمسك بعقد البيع، وهو عقد نافذ ولازم ملزم للطرفين وفقاً للمادة (200) مدني، وهذا العقد هو البصيرة الحاكية شراء الطاعن لعشر قصب ودفع الطاعن للثمن كاملاً، ومع ان الطاعن قد ابرز استلاماً يثبت تسليمه للثمن إلى البائع، غير ان البائع ذكر أنه لم يوقع على ذلك الإستلام وأنه لم يستلم من المبلغ المذكور في سند الإستلام غير مبلغ ... ريالاً، وقد كان كاتب الإستلام قد شهد بصحة ما ورد في سند الإستلام،  ولذلك فإن ما عللت به الشعبة حول ذلك الإستلام وكاتبه وشهوده يعد ضرباً من العبث، فهو يخالف الشرع والقانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: التوقيع على وثيقة العقد من قبل البائع والمشتري دليل على تمام ما ورد في العقد:

الأصل في عقد البيع أنه ينعقد ناجزا يفيد تملك البائع للثمن وتملك المشتري للمبيع بإعتبار المبيع والثمن ركن من اركان عقد البيع( ركن محل العقد )، حسبما ورد في المادة (521) مدني، التي نصت على أنه (إذا انعقد البيع مستوفياً اركانه وشروط صحته كان صحيحاً ولازماً، ويترتب عليه في الحال تملك المشتري للمبيع وتملك البائع للثمن)، وعلى هذا الأساس إذا تضمنت وثيقة عقد البيع مقدار الثمن وكان البيع حالاً ناجزاً فإن التوقيع على وثيقة عقد البيع المثبتة في دفتر الأمين تكون دليلا على إستلام البائع للثمن، ولذلك يجب أن تتضمن  وثيقة البيع ان المشتري قد استلم الثمن مشاهدة ومعاينة في مجلس العقد وان المشتري قد استلم من البائع وثائق ملكية المبيع ، فيتم إثبات  ذلك بحضور الأمين الشرعي كاتب العقد وشهود العقد، فيتم عد النقود ثمن المبيع وبيان نوعها أمامهم، ولذلك فقد كان الأمناء الشرعيون حتى فترة وجيزة يذكروا في عقد البيع( البصيرة )ان البائع قد استلم الثمن في مجلس العقد مشاهدة ومعاينة وهو مبلغ كذا من عملة كذا والنصف من ذلك مبلغ كذا حفظاً للأصل، ففي هذه الحالة يكون إستلام البائع للثمن واضحاً وصريحاً وثابتا في وثيقة العقد، ومقابل ذلك يتم التصريح في وثيقة العقد بأن البائع قد سلم كافة الوثائق والمستندات المتعلقة بالمبيع إلى المشتري وان أية وثيقة لم يتم تسليمها تكون عاطلة لايحتج بها، وهذه هي الطريقة الصحيحة والمناسبة الخالية من النزاع التي تثبت إستلام البائع للثمن المبيع وتتفق مع مبدأ العقد، غير أنه إذا لم تتضمن وثيقة عقد البيع  الإشارة إلى أن  البائع قد استلم  ثمن المبيع فأن توقيع البائع على الوثيقة يدل على استلامه للثمن طالما ان ثمن المبيع مذكور في العقد ، لأن التوقيع على عقد البيع الناجز يدل على تمام البيع بكافة أركانه وشرائطه بما في ذلك ركن محل العقد وهوإستلام البائع للثمن واستلام المشتري لوثائق ملكية المبيع ،  إلا أن الطريقة الآمنة والخالية من النزاع والموافقة لمبدأ وحدة العقد هي  التصريح في وثيقة العقد بأن البائع قد استلم الثمن المذكور في وثيقة  العقد بمشاهدة ومعاينة الأمين الشرعي وشهود العقد، حتى يتحقق في وثيقة عقد البيع مبدأ وحدة العقد وكفاية وثيقة العقد في الإثبات والإحتجاج، فتكون وثيقة البيع كافية في إثبات إنعقاد العقد وإستلام البائع للثمن وإستلام المشتري للمبيع ومستندات ملكيته بإعتبار ذلك من أركان عقد البيع وشرائطه، وعندئذ تكفي وثيقة عقد البيع في إثبات إستلام  البائع ثمن المبيع وكذا  إثبات انعقاد عقد البيع بكافة اركانه وشروطه(فقه المعاملات المالية المعاصرة، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص112).

الوجه الثاني: إثبات إستلام البائع لثمن المبيع في وثيقة أخرى غير وثيقة عقد البيع:

كان سبب الخلاف في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا هو إثبات إستلام البائع لثمن المبيع عن طريق سند إستلام خاص بمبلغ الثمن، فلم يتم التصريح في وثيقة عقد البيع ان البائع قد استلم الثمن في مجلس العقد مشاهدة ومعاينة، فبدلا من ذلك فقد تم تحرير إستلام مشهود عليه تضمن إستلام  البائع ثمن المبيع، اي أنه تم إثبات إستلام البائع للثمن بسند أو وثيقة مستقلة عن وثيقة عقد البيع، فقد تم إستعمال هذه الوثيقة  المستقلة لإثبات إستلام ثمن المبيع، وهذا الثمن ماهو الا جزء من محل العقد (المبيع + الثمن)، وهذا يعني أنه قد تم بعثرت أركان عقد البيع في أكثر من وثيقة ربما تختلف تواريخها أو يختلف كتابها أو شهودها أو يختلف مكان وقوعها، وذلك يخل بمبدأ وحدة العقد ، ولذلك نخلص من هذا التعليق الموجز إلى القول :أن  الطريقة السليمة والصحيحة وبالمناسبة هي إثبات إستلام ثمن المبيع في وثيقة عقد البيع  ذاتها على النحو السابق بيانه، فتلك الطريقة هي التي تكفل وحدة العقد وعدم تجزئته ووحدة الوثيقة التي تثبت وقوع العقد بكافة أركانه وشرائطه (عدم تجزئة العقد في الشريعة الإسلامية والقانون، د. سليم عصام أنور، ص176)، والله اعلم .