كتابة القاضي لرأيه في اسفل نسخة الحكم الأصلية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
عند المداولة بين القضاة المتعددين يحدث إختلاف
في وجهات نظرهم، وقد حدد قانون المرافعات كيفية تداول الآراء وتبادلها بين القضاة اثناء
المداولة وطريقة واجراءات حسم الآراء عند المداولة السرية بين القضاة، حتي يستقر القضاة بعد
المداولة على رأي واحد فقط حاسم للخصومة
تنتهي به المداولة يتم الحكم بموجبه القضاة في نهاية المداولة التي اشترط القانون
ان تكون سرية ، ومع ذلك فقد يقوم أحد القضاة المشتركين في المداولة بكتابة رأيه المخالف للقضاة الآخرين في نهاية الصفحة الأخيرة
من نسخة الحكم الأصلية ثم يقوم القاضي بالتوقيع، فهذه الكتابة تعد إفشاءً لسر
المداولة بين القضاة إذا تعددوا حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-1-2008م في الطعن رقم (29215)، الذي
ورد ضمن أسبابه: ((إلا أنه لا يجوز للقاضي ان يحرر رأيه في اسفل نسخة الحكم
الأصلية، لأن ذلك يعتبر إفشاءا لسر المداولة يخالف المادة (222) مرافعات، علماً
بأن الأحكام تصدر بالأغلبية وإذا تشعبت الآراء وجب على الفريق الأقل عدداً أو الذي
يضم احدث القضاة ان ينضم إلى احد الرأيين أو الأكثر عدداً عند أخذ الرأي للمرة
الثانية وفقاً للمادة (226) مرافعات، وبناءً عليه يجب على القاضي ان ينضم إلى رأي
الأغلبية))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: إختلاف وجهات الرأي لدى القضاة في المداولة عند تعددهم:
المداولة
هي المرحلة السابقة للنطق بالحكم، والمداولة تعني تبادل وجهات الرأي بين القضاة المتعددين،
فعند المداولة تختلف وجهات رأي القضاة
بسبب عمومية النصوص القانونية وتجريدها، حيث يختلف القضاة عند تعددهم في
فهم وتفسير وتطبيق النصوص القانونية العامة والمجردة على الوقائع محل النزاع
المنظورة أمام القضاة، ولذلك تتعدد آراء القضاة المتعددين عند المداولة مثلما حصل
في القضية التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني: وجوب إنتهاء المداولة بحسم إختلاف آراء القضاة المتعددين في المداولة:
إختلاف آراء القضاة اثناء المداولة محمود، ولذلك
اشترط القانون المداولة قبل النطق بالحكم حتى يتبادل القضاة الآراء ووجهات الفهم
والرأي المختلفة ، فيتم تقليب ومناقشة أوجه الرأي المختلفة واسانيدهم حتى تستقر
المداولة في نهايتها على رأي واحد فقط من
الآراء التي تم تداولها حيث يتم التصويت لاختيار الرأي المناسب عند الاختلاف ،
لأنه من الواجب ان تنتهي المداولة إلى رأي واحد فقط يتم الحكم بموجبه، لأن الحكم
يجب ان يكون حاسماً فاصلاً للنزاع، لذلك يجب ان يتم حسم تعدد آراء القضاة قبل
إنتهاء المداولة عن طريق التصويت ، وعلى هذا الأساس فقد حددت المادة (226) مرافعات
طريقة وإجراءات حسم تعدد آراء القضاة قبل إنتهاء المداولة، فقد نصت هذه المادة على
أن (تصدر الأحكام بأغلبية الآراء فإذا تشعبت الآراء وجب على الفريق الأقل عدداً أو
الذي يضم احدث القضاة ان ينضم إلى أحد الرأيين الصادرين أو الأكثر وذلك عند أخذ
الرأي مرة ثانية).
الوجه الثالث: كتابة القاضي لرأيه الشخصي في ادنى مدونة نسخة الحكم الأصلية:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن كتابة القاضي لرأيه في
مدونة نسخة الحكم الأصلية محظور، لأن ذلك يفشي سر المداولة خلافاً لقانون
المرافعات الذي اشترط في المادة( 222) مرافعات ان تكون المداولة سرية، فقد نصت
المادة (222)
على أنه( بعد أن تحجز المحكمة القضية للحكم تتناولها بالبحث والمداولة وتكون
المداولـة في الأحكام سراً بين القضاة مجتمعين ، ولا يجوز أن يشترك فيها غير
القضاة الذين سمعوا المرافعة وإلا كان الحكم باطلاً ولا يجوز للقضاة إفشاء سر
المداولة)، فكتابة
القاضي لرأيه الشخصي المخالف لغيره في مدونة الحكم يعد إفصاحاً منه عن رأيه الذي ابداه
اثناء المداولة، على خلاف رأي القضاة الأخرين الذي تم الحكم بموجبه، إضافة إلى أن كتابة
القاضي لرايه الشخصي يخل بقاعدة الحكم عنوان الحقيقة التي اتفق بشأنها القضاة عند
تعددهم، علاوة على أن كتابة الرأي المخالف للقاضي في مدونة الحكم يزعزع ثقة الخصوم
اطراف الحكم بالحكم ذاته، بل ان ذلك يخل بثقة المتقاضين في الاحكام، ولذلك فقد
لاحظنا أن المادة( ٢٢٣) مرافعات السابق ذكرها قد رتبت بطلان الحكم اذا تم الافشاء
بالاراء التي تم تداولها في المداولة ، والله اعلم .