اليمين الحاسمة لا تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع

 

اليمين الحاسمة لا تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لمحكمة الموضوع السلطة التقديرية في الموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة امامها من الخصوم، إلا أن اليمين الحاسمة وإن كانت من الأدلة التي يستند إليها الحكم القضائي فانها لا تخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، لأن الخصم حينما يطلب اليمين الحاسمة من خصمه يكون قد احتكم إلى دين وضمير واخلاق خصمه المطلوب منه ان يؤدي اليمين الحاسمة،  فلم يحتكم الخصم طالب اليمين إلى سلطة قاضي الموضوع وتقديره، فضلا عن ان القيم المستقرة في ضمير الخصم  الذي يحلف اليمين لا يستطيع القاضي الوقوف عليها ومناقشتها  والترجيح بشأنها، ولذلك فإن اليمين الحاسمة تنفرد عن بقية الأدلة في عدم خضوعها للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع ، ولا ريب أنه يترتب على عدم خضوع اليمين الحاسمة للسلطة التقديرية عدة آثار منها: عدم جواز الطعن في الحكم من الخصم الذي طلب اليمين متى  قام الحكم على إاليمين الحاسمة إضافة إلى أن أسباب الحكم الذي يقوم على اليمين الحاسمة يكون مختصرا لايركز الا على  اليمين الحاسمة ، وقد تناول هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-1-2015م في الطعن رقم (56343)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي : (( لأن طلب اليمين الحاسمة بطبيعته قد نقل النزاع من دائرة الأدلة التي تخضع لتقدير القاضي وأحكام القانون إلى دائرة الإحتكام إلى ذمة الخصم))، ولهذا السبب ايدت الشعبة الاستئنافية الحكم الابتدائي، وكذا أقرت المحكمة العليا  الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم  المحكمة العليا:( فقد تبين ان الطاعن قد ضمن طعنه المناعي ذاتها التي سبق له إثارتها أمام محكمتى الموضوع، فناقشت ذلك حسبما ظاهر في أسباب الحكم الابتدائي و الاستئنافي، فالنزاع قد تم حسمه عن طريق اليمين الحاسمة )، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع في الموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة من الخصوم:

يستدل الخصوم أمام محكمة الموضوع بأدلة عدة على صحة ما ورد في دعاويهم في حين يستدل خصومهم أيضاً بأدلة عدة على نفي تلك الإدعاءات، ويتناول الخصوم جميعاً امام القاضي مناقشة تلك الأدلة وتفنيدها وبيان مالها وما عليها اثناء سير إجراءات المحاكمة، وبعد ان يقرر القاضي حجز القضية للحكم يقوم القاضي بمناقشة أدلة الخصوم سواء أدلة الإثبات المقدمة من المدعي وأدلة النفي المقدمة من المدعى عليه، ويستفيد القاضي اثناء تسبيبه للحكم من مناقشات الخصوم للأدلة اثناء المرافعة وجلسات المحاكمة، حيث يناقش قاضي الموضوع اثناء تسبيبه أدلة الخصوم مبيناً أسباب اخذه ببعض الأدلة وطرحه لبعضها الآخر، وتخضع عملية الموازنة والترجيح بين أدلة الطرفين للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع الذي يقوم بتسبيب الحكم، ولا تمتد رقابة المحكمة العليا للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع في هذا الشأن طالما ان القاضي قد التزم بضوابط ومقتضيات السلطة التقديرية.

الوجه الثاني: خضوع الأدلة كافة للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع عدا اليمين الحاسمة:

تخضع جميع الأدلة عدا اليمين الحاسمة للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، لأن هذه الأدلة ظاهرية حسية يستطيع القاضي الإحاطة بماهيتها وما لها وما عليها من خلال البحث والنقاش سواء من قبل الخصوم انفسهم او من قبل القاضي، فهذه الأدلة الظاهرة قابلة للقياس والادراك والتقدير، إضافة إلى أن الخصم في هذه الحالة قد احتكم إلى السلطة التقديرية  المقررة قانوناً لقاضي الموضوع ، اما في حالة اليمين الحاسمة فإن الخصم طالب اليمين يكون قد عزم على حسم طلبه عليها مخاطباً دين وضمير وذمة المطلوب منه اليمين  محتكما لدين وضمير خصمه الذي يحلف اليمين، فطالب اليمين يكون قد احتكم لدين وضمير المطلوب منه اليمين معولاً على عدالة وتقوى خصمه المطلوب منه حلف اليمين، فلم يحتكم الخصم طالب اليمين في هذه  الحالة إلى عدالة القاضي الذي ينظر القضية أو سلطته التقديرية، لأن يمين الخصم هي التي تحسم النزاع، وعلى هذا الأساس لا يحق للخصم الطالب لليمين ان يتراجع عن طلب اليمين إذا قبلها خصمه إضافة إلى أنه لا يحق الطعن في الحكم الذي يستند أو يعتمد أو يبنى على اليمين الحاسمة، ولذلك فإن القاضي لا يملك  إلا ان يحكم بموجب اليمين الحاسمة، فليس لقاضي الموضوع سلطة تقديرية بشأنها، والله اعلم .