ركن الخطأ في حادث الصعق الكهربائي

 

 ركن الخطأ في حادث الصعق الكهربائي

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

حوادث التماس الكهربائي  تحدث بسبب اخطأ مختلفة بعضها يرجع إلى مؤسسة أو شركة الكهرباء وبعضها يرجع للمضرور نفسه وبعضها الاخر يرجع لغير المؤسسة  والمضرور، فالخطأ وتحديد مصدره في حوادث الصعق الكهربائي هو الأساس في تحديد المسئول عن حادث الصعق ، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28-1/2014م في الطعن رقم (52869)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((والدائرة بعد الرجوع إلى مشتملات الملف فقد تبين لها عدم صحة أسباب الطعن، لأن الضرر الذي اصاب الطفل المضرور بسبب اللمس الكهربائي كان بسبب الطفل المضرور نفسه الذي تسلق الجدار ومسك بالسلك الكهربائي المكشوف الذي تم رفعه من الأرض إلى اعلى الجدار بعد ان تسببت الرياح الشديدة في سقوطه من عمود الكهرباء إلى الأرض، وتم رفعه إلى اعلى جدار المطعون ضدهم إلى حين حضور المختصين في طوارئ مؤسسة الكهرباء الذين تم ابلاغهم فور سقوط السلك المكشوف إلى الأرض، فسبب الضرر الذي لحق بالطفل لا يرجع لخطأ صاحب جدار المنزل أو مؤسسة الكهرباء، لأن سلك الكهرباء قد سقط بسبب الظرف الطارئ وهو الرياح العاصفة الشديدة، بيد ان الحكم المطعون فيه لم يكن موفقاً في وصفه للواقعة بأنها القوة القاهرة، لأن الوصف الصحيح للواقعة هو الظرف الطارئ الذي تبين انه لا يد للمطعون ضدهم فيه، و بناء على ذلك لا تنطبق أحكام المسئولية التقصيرية  بالنسبة للمطعون ضدهم لإنتفاء عنصر الخطأ وهو أساس المسئولية وركنها، إذ أن الثابت من الأوراق ان الطفل المصاب هو الذي تسلق الجدار وسحب السلك الكهربائي المكشوف  الذي سقط بفعل الرياح والامطار العاتية والذي تم رفعه بعيداً فوق الجدار بعيداً عن متناول المارة  الا ان الطفل صعد إليه، حسبما هو ثابت في الأوراق إضافة إلى أن المطعون ضدهم قاموا بإبلاغ مسئولي طوارئ الكهرباء في الوقت المناسب، وكانت المؤسسة بصدد إرسال فريق إصلاح السلك))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: المسئولية التقصيرية في حادث الصعق بأسلاك الكهرباء:

لسنا بصدد التفسير الفني لحوادث الصعق بأسلاك الكهرباء، ولكن من المعلوم ان اسلاك الكهرباء تنقل الطاقة الكهربائية من محطات توليد الطاقة إلى المستهلكين، ولذلك فإن الاسلاك الكهربائية المكشوفة تصعق كل من يلمسها، ولذلك يتم نصب اسلاك الكهرباء في اعمدة مرتفعة لا تلامسها ايادي الأفراد او السيارات والشاحنات، وقد ذكرنا في تعليق سابق ان الجهة التي تولد الطاقة الكهربائية وتنقلها عن طريق  اسلاك الكهرباء المثبتة في الاعمدة  تكون مسئولة اذا خالفت قواعد الحماية والاحتياطات اللازمة في هذا الشأن كما لو لم تضع هذه الأسلاك في اعمدة مرتفعة بحسب المواصفات والشروط المقررة في القوانين واللوائح والأنظمة، ويتحقق ركن الخطأ في هذه الحالة في ان شركة الكهرباء خالفت النصوص والنظم وتسبب هذا الخطأ في حدوث ضرر بالإنسان أو المال، اما إذا لم يتحقق الخطأ من جانب شركة الكهرباء كسقوط السلك الكهربائي بسبب عاصفة عاتية، فذلك ظرف طارئ لا تكون شركة الكهرباء مسئولة عن حدوثه طالما قد وضعت في حسبانها حدوث هذه العواصف، وطالما انها لم تقصر في رفع السلك بعد سقوطه مباشرة علاوة على أن مؤسسة الكهرباء لاتكون مسئولة  إذا ثبت ان حادث الصعق يرجع  إلى فعل المضرور نفسه مثلما قضى الحكم محل تعليقنا حينما تسلق الطفل الجدار الذي تم رفع السلك فوقه مؤقتاً حتى وصول طاقم طوارئ الكهرباء لإعادة السلك إلى موضعه في أعلى العمود ، كذلك ينتفي الخطأ من قبل مؤسسة الكهرباء إذا قام الطفل أو غيره بتسلق عمود الكهرباء وملامسة السلك الذي يصعقه، فالخطأ هو الركن الركين في المسئولية التقصيرية عامة، ومن ذلك حوادث الصعق بالتيار الكهربائي عن طريق لمس السلك الكهربائي.

الوجه الثاني: الفرق بين القوة القاهرة والظرف الطارئ حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا:

اشار الحكم محل تعليقنا إلى ان الوصف الصحيح لحادث  سقوط السلك الكهربائي إلى الأرض هو الظرف الطارئ وليس القوة القاهرة حسبما ورد في الحكم الاستئنافي، وقد اخذ الحكم محل تعليقنا في هذه المسألة بما ذهب إليه الفقه العربي الذي يفرق بين القوة القاهرة والظرف الطارئ، فالفقه العربي يذهب إلى التفرقة بين نظرية الظروف الطارئة ونظرية القوة القاهرة كما يأتي :

أولاً :  القوة القاهرة أو الحادث الفجائي:-

تقوم القوة القاهرة على وجود عوامل أو ظروف مادية  تعجز  الإرادة عن توقع حدوثها  أو منع حدوثها أو دفعها، وحتى تتحقق القوة القاهرة ، فإنه لا بد من توفر ما يلي:-

1- ألا يكون الخطأ أو الحادث أو الفعل صادراً عن الشخص كمؤسسة الكهرباء .

2- أن يكون الحادث أمراً لا يمكن توقعه مطلقاً عند قيام مؤسسة الكهرباء  بتثبيت الأسلاك في عمود الكهرباء

وعرفت محكمة النقض المصرية القوة القاهرة بأنها:(القوة القاهرة بالمعنى الوارد في المادة 165 من القانون المدني تكون حربًا أو زلزالا أو حريقًا، كما قد تكون أمر إداريًا واجب التنفيذ، بشرط أن يتوافر فيها استحالة التوقع واستحالة الدفع). (الطعن رقم 14696 لسنة 83 جلسة 15/12/2014)

ويعرف الفقة القوة القاهرة بأنها حادث شاذ عادي، ولم يتوقعه المرء، ولا كان في امكانه أن يتوقعه، ولم يكن في وسعه درؤه لو توقعه، ويكون من نتيجته أنه ليس فقط يجعل الوفاء بالتعهد عسيراً بل مستحيلاً كلية.

ثانيا : الظروف الطارئة أو الحوادث الإستثنائية:-

يُقصد بها ما يلحق التصرف أو الفعل بعد وجوده من ظروف مادية مغايرة لتلك التي كانت في الحسبان وقت نشوئه، ويحدث ذلك غالباً في العقود  والالتزامات التي يستغرق تنفيذها مدة زمنية في المستقبل ، حيث يتراخى تنفيذ الإلتزامات  لفترة زمنية، يكون من المحتمل أن يجد خلالها بعض الأحداث التي لم تكن في الحسبان وقت إبرامها، مما يجعل تنفيذ الإلتزام الناشئ عنها مرهقاً  وليس مستحيلاً، ولتطبيق هذه الظروف الطارئة فإنه لا بد من توفر الشروط التالية:-

1-  استثنائي عام ومفاجئ طبقا للخصائص السابق بيانها.

2- أن يصير تنفيذ إلتزام  مرهقا دون أن يصبح مستحيلاً.

3- أن يؤدي التنفيذ إلى خسارة فادحة تتجاوز المعقول..

تفترض الظروف الطارئة ان يتراخى تنفيذ الإلتزام إلى أجل، فيختل التوازن في هذا العقد بتغير الظروف عند مرحلة التنفيذ عما كانت عليه في مرحلة الإنعقاد، وذلك بتقلب الظروف الإقتصادية فجأة نتيجة حادث لم يكن في الحسبان، ففي عقد التوريد مثلاً لو ارتفعت الأسعار لظرف الحرب وأصبح السعر الذي يحصل به المدين على السلعة الملزم بتوريدها أكبر من السعر الذي يبيع به وفق هذا العقد بحيث يصبح تنفيذ المدين لإلتزاماته في عقد التوريد يهدده بخسارة فادحة تخرج عن الحد المألوف في العرف التجاري، وهو ما عبر عنه الفقه بإختلال التوازن الإقتصادي للعقد إخلالاً خطيراً.

وعليه يتمثل الظرف الطارئ في حادث استثنائي غير مألوف يتسم بالعمومية أي لا يكون خاصاً بالملتزم وحده ويجب أن يكون ذلك الحادث غير متوقع الحدوث وقت إبرام العقد، فلو أمكن دفعه فلا سبيل لإعمال مبادئ نظرية الظروف الطارئة فالحكمة منها هي عنصر المفاجأة والغبن اللاحق لإبرام العقد، لأن المتعاقد إن كان بإمكانه توقع الحادث عند التعاقد يسقط حقه في طلب تعديل الإلتزام استناداً إليه لأنه يكون قد ارتضى الإلتزام بوجود هذا الحادث، وأخيراً يشترط أن يؤدي ذلك الحادث لجعل تنفيذ الإلتزام مرهقاً دون أن يصل الأمر إلى حد استحالة تنفيذه.، والله اعلم .