لا ينفرد الخبير بإجراء المعاينة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
اثناء
المعاينة تتداخل الخبرة مع شهادات التروية مع المعاينة، فالخبرة تجعل المعاينة
منتجة في الإثبات، لأن القاضي يحتاج اثناء المعاينة إلى الخبير العدل الذي يحدد المسافات
والقياسات والابعاد والاتجاهات واسقاط وتطبيق المستندات على الطبيعة في محل النزاع
بنظر القاضي ، وفي غالب المعاينات يحتاج القاضي إلى شهود تروية لاتصح شهادتهم الا
أمام القاضي المنتدب للمعاينة ، حيث يستمع القاضي اثناء المعاينة إلى شهود التروية
الذين يشهدوا مبينين اسم الأرض محل النزاع وحدودها والحائز لها ومظاهر الحيازة وأسماء
الملاك المجاورين للأرض المتنازع عليها وغير ذلك من الوقائع التي يتم إثباتها عن
طريق شهود التروية، ومع ان هناك في الواقع
العملي تداخل واضح بين المعاينة التي يباشرها القاضي والخبراء العدول المستعان بهم
في المعاينة وشهود التروية المستعان بهم
أيضا اثناء المعاينة، مع هذا وذاك فمن الموكد ان الخبير العدل في المعاينة يختلف تماما
عن شاهد التروية اثناء المعاينة، وتخريجا من ذلك يظهر جليا ان المعاينة إجراء
قضائي لايقوم به الا القاضي، فلايجوز لغير
القاضي ان يقوم بالمعاينة، فمن خلال استعانة القاضي اثناء المعاينة بالخبراء العدول وشهود التروية تكون
نتائج المعاينة مثمرة، فيستطيع القاضي تحديد المساحات والابعاد والحدود بين
الأراضي المتنازع بشأنها كما يظهر للقاضي الحائز والمنتفع الفعلي بالعقار محل النزاع، فمن خلال المعاينة يقف القاضي على كافة البيانات
والمعلومات ذات الصلة بمحل النزاع، وعلى هذا
المعنى فإن المعاينة وسيلة من وسائل إحاطة القاضي والمامه بمحل النزاع ، وعلى هذا
الأساس ومن هذا المنطلق لا يجوز للخبير العدل ان ينفرد بإجراء المعاينة وتطبيق
مستندات الخصوم على محل الخلاف مهما بلغت خبرته ومعرفته، لأن المعاينة طريقة من
طرق الإثبات يباشرها القاضي بنفسه مستعيناً في ذلك بالخبراء العدول والشهود العارفين بالبيانات اللازمة عن محل
الخلاف حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 7/1/2015م في الطعن رقم (56207)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد تبين
للدائرة ان نعي الطاعن وارد وفي محله، ذلك ان الثابت من الحكم الابتدائي ان محكمة
أول درجة قد اعتمدت في قضائها على ما اسمته تقرير خبير الدعوى الذي اوكلت إليه
المحكمة مهمة إجراء المعاينة وتطبيق المستندات على أرض الواقع، ولما كانت المعاينة
من أدلة الإثبات التي تقوم المحكمة بإجرائها بنفسها أو من تنتدبه من
قضاتها أو من قضاة المحاكم الأخرى وفقاً لما نصت عليه المادة (160) إثبات، كما ان
تطبيق المستندات على محل النزاع لا يكون إلا من قبل المحكمة وبتروية عدول من ذوي
الخبرة مختارين من قبل الطرفين، ومن ثم فإن محكمة أول درجة تكون قد احالت ما
يلزمها القيام بها إلى من اسمته بخبير الدعوى الذي لا يمكن الاعتماد عليه في إجراء
المعاينة لوحده، وهو ما نعاه الطاعن أمام الشعبة الاستئنافية غير أنها لم تلتفت
إلى ذلك النعي وأيدت الحكم الابتدائي على علاته، فقد كان من اللازم على الشعبة
القيام بتلك المهمة بإعتبارها محكمة موضوع، فعدم قيامها بذلك يجعل حكمها معيباً
يستوجب نقضه لورود الطعن عليه وإعادة القضية إليها للفصل فيها مجدداً بعد إجراء
المعاينة وتطبيق المستندات بمعرفة عدول من ذوي الخبرة يختارهما طرفا النزاع))، وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية الخبير العدل في المعاينة ومهامه وشروطه:
اشار الحكم محل تعليقنا إلى وجوب إجراء المعاينة
من قبل المحكمة وبحضور الخصوم وخبراء عدول مختارين من قبل اطراف الخصومة، والخبير
العدل المختار في المعاينة في النزاعات العقارية هو الذي ينطبق عليه مفهوم الخبير المحدد في
قانون الإثبات الذي يقدم للقاضي رأيه الفني في المسائل الفنية كمسائل القياس
والمساحة والابعاد والمسافات، ويشترط في الخبير العدل ان يكون عدلاً محافظاً على الشعائر
الإسلامية، وان يكون مستقيماً لم يرتكب الكبائر ولا يصر على الصغائر.
الوجه الثاني: اوجه الإتفاق والإختلاف بين عدول المعاينة وشهود التروية:
هناك أوجه شبه كثيرة منها اتفاقهما في غالبية
الشروط الواجب توفرها فيهما، كالعدالة
واداء اليمين وتكليفهما من قبل المحكمة، إلا أن هناك فروق تميز خبراء المعاينة عن
شهود المعاينة أو شهود التروية، واهم هذه الفروق ان الخبير تسري عليه أحكام الخبرة
المحددة في قانون الإثبات بينما تسري على الشاهد شروط وأحكام الشهادة المحددة أيضا في قانون الإثبات، فلكل من الخبير والشاهد
احكامه الخاصة به، ومن ذلك ان شهادات شهود المعاينة تتناول وقائع معينة ليست ذات
طابع فني ويكون شهود التروية في الغالب من
المجاورين للأرض محل النزاع الذين تتوفر
لديهم البيانات والمعلومات المطلوبة في المعاينة مثل اسم الأرض وحدودها واسماء الأراضي المحادة لها أو
المجاورة لها واسماء الملاك السابقين أو المتعاقبين للأرض محل النزاع والأراضي
المجاورة لها وبيان أسباب النزاع بشأن الأرض بالإضافة إلى بيان الحائزين
المتعاقبين عليها ومظاهر حيازتهم لها ومدة الحيازة وغير ذلك من البيانات المطلوبة
للحيازة، اما الخبراء العدول فإن اعمالهم تكون
مسائل فنية كاسقاط الحدود والمساحات من واقع مستندات الأرض على الطبيعة وتحديد
المساحات والمسافات وتحديد حدود الأراضي والعقارات وتطبيق مستندات الخصوم على
الطبيعة بنظر القاضي .
الوجه الثالث: المعاينة إجراء قضائي لا يقوم بها إلا القاضي:
قضى الحكم محل تعليقنا بان المعاينة طريقة من طرق
الإثبات يباشرها القاضي نفسه الذي ينظر القضية أو قاض آخر ينيبه القاضي المختص،
كما ان المعاينة وإن كانت طريقة من طرق الإثبات إلا أنها طريقة تتعلق وترتبط بطرق
الإثبات الأخرى مثل المحررات والمستندات السابق تقديمها إلى المحكمة من قبل الخصوم
حيث يتم تطبيقها عند المعاينة، ولأن المعاينة تعتمد على التأكد من الأدلة السابق
اثارتها أمام المحكمة فإن الأولى ان يباشرها القاضي بنفسه الذي ينظر النزاع، غير
أنه يجوز للقاضي المختص ان ينيب غيره من القضاة، ومع ذلك فلا يجوز للقاضي ان ينيب
الخبراء العدول أو الموظفين لإجراء المعاينة، وإن جاز للقاضي ان يستعين بالخبراء
العدول والشهود اثناء معاينته حتى تحقق المعاينة الأغراض المرجوة منها وحتى يقف
القاضي على الحقيقة على أرض الواقع، إلا أنه من المقرر قانوناً انه لايجوز ان
ينفرد الخبير العدل بإجراء المعاينة أو تطبيق المستندات لان ذلك إختصاص حصري معقود بالقاضي.
الوجه الرابع: وجوب تحديد اغراض المعاينة في قرار القاضي إجراء المعاينة:
لأهمية المعاينة وخطورة نتائجها فأنه يجب على
القاضي حينما يقرر إجراء المعاينة ان يحدد في قراره اغراض المعاينة كتطبيق مستندات الطرفين
اوتحديد الحدود الفاصلة محل النزاع أو مساحة الأرض المتنازع عليها أو إثبات
الإستحداث في الأرض أو إثبات الحيازة وغير ذلك، حتى لا تنحرف المعاينة عن الأغراض
المتوخاة منها.
الوجه الخامس: وجوب استماع المحكمة اثناء المعاينة لإيضاحات وإعتراضات الخصوم اثناء المعاينة:
تستجد اثناء المعاينة اقوال وادلة يشاهدها
ويسمعها القاضي نفسه يكون لها التأثير في قناعة القاضي وعقيدته، ومن خلال المعاينة
يتولد لدى القاضي علم شخصي يؤثر في عقيدته، لذلك يجب على القاضي ان يمكن الخصوم
اثناء المعاينة من إبداء ايضاحاتهم أو اعتراضاتهم على الأقوال والإجراءات التي تمت
اثناء المعاينة، ولذلك فقد نصت المادة (170) إثبات على وجوب اجراء المعاينة بحضور
الخصوم أو وكلائهم واشترطت المادة ذاتها ان يطلب القاضي من الخصوم التوقيع على
محضر المعاينة، والله اعلم .