حكم الاستثناء من المبيع


حكم الاستثناء من المبيع

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يجب إحترام شروط  البائع والمشتري الجائزة شرعاً عملاً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم {المسلمون على شروطهم إلا شرطاً احل حراماً أو حرم حلالاً}، ولذلك يجب على البائع والمشتري وخلفهما الالتزام بشرط الاستثناء من المبيع حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1-1-2014م  في الطعن رقم (52417)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((والدائرة تجد أن نعي الطاعنين مردود عليه، لأن البين من الأوراق إبراز أصل مستند شراء مورثهم من مورث المطعون ضدهم المثبت فيه الشرط والاستثناء  لما بعد سقف الطابق الثاني من مبيع مؤرث  المطعون ضدهم إلى مورث الطاعنين، وقد أكدت هذا الاستثناء مسودة عقد البيع المحرر بقلم الأمين الشرعي المبرز من ولد الأمين أمام هيئة المحكمة، وهذا يبطل تمسك الطاعنين بأن من يملك المنزل يملك هواءه ومرافقه وما يتبعه شرعاً وعرفاً، وحيث إن المقرر ان الأصل في العقود والشروط الصحة وإن أثرها ينصرف إلى المتعاقدين وخلفهما الخاص، ولذلك فإن ما قضى به الحكم الابتدائي ألمؤيد  بالحكم الاستئنافي موافق للشرع والقانون، مما يتعين معه رفض الطعن ))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: ماهية الاستثناء في المبيع:

الأصل ان البيع يشمل المبيع كاملاً وملحقاته المقررة شرعاً وقانوناً وعرفاً، وتقع غالبية عقود البيع على المبيع كاملا، لكن البائع لمصالح واعتبارات عدة قد يشترط عند إبرام عقد البيع استثناء بعض أجزاء المبيع أو بعض ملحقاته التي لا يترتب على استثنائها تعطيل إنتفاع المشتري بالمبيع،  فيكون هذا الاستثناء محل إعتبار عند تقدير البائع المشتري لثمن المبيع  ، فقد يستثني البائع جزءا من المبيع كجزء من حوش المنزل، فعندئذ يكون المبيع حقيقة هو المنزل باستثناء جزء الحوش المستثنى، كما قد يقوم البائع ببيع الأرض مع الطابقين القائمين عليها حيث يشترط البائع ان يقتصر المبيع على الأرض مع الطابقين القائمين عليها، فيبقى علو مابعد الطابقين ملك للبائع، كما قد يشترط البائع على المشتري ان لا يفتح نوافذ أو مطلات إلى جهة معينة، وعندئذ ينصرف البيع إلى المبيع عدا الأشياء المستثناة بشرط البائع فلا تدخل في المبيع مع انها كانت في الأصل داخلة في المبيع قبل بيعه إلى المشتري .

الوجه الثاني: مدى جواز شرط استثناء بعض المبيع:

أجاز الفقه الإسلامي الشروط التي لا تتنافى مع المقصود من العقد إذا كان فيها مصلحة مشروعة للمشترط، ومنع الفقهاء الشروط التي تعطل المقصود من العقد أو التي لا مصلحة فيها للمشترط أو المخالفة للشريعة، وتطبيقاً لذلك فأنه يحق للبائع ان يستثني أو يشترط استثناء بعض المبيع أو ملحق من ملحقات المبيع من الدخول في المبيع طالما أنه لا يترتب على الاستثناء تعطيل منفعة المشتري بالمبيع الذي صار للمشتري، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا بصحة البيع مع شرط استثناء علو الطابق الثالث وما بعده من المبيع .

الوجه الثالث: الوضعية القانونية للاستثناء من المبيع:

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا وما تم عرضه في الوجهين السابقين ان شرط استثناء بعض المبيع شرط جائز في الشريعة الإسلامية والقانون طالما ان الاستثاء لا يصل إلى تعطيل منفعة المشتري بالمبيع الذي صار إليه ، لأن عقد البيع في هذه الحالة قد انصرف  إلى بيع جزء من العقار قابل للإنفصال عن الشيء المستثنى منه، فهو بيع مثل غيره من البيوع التي تنصرف إلى بيع العقار أو الشيء كله، وفي القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان البائع قد باع الطابق الأول مع علو الطابق الثاني وتضمن مستند البيع ان البائع قد اشترط على المشتري ان يظل علو  مابعد الطابق الثاني ملكاً للبائع فلا يشمله البيع، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بجواز ذلك مع ان المشتري قد كان يجادل بأن علو الطابق الثاني ومابعده تابع للمبيع بإعتباره هواء المبيع فلا يجوز استثناؤه من المبيع، وقد أجاز القانون المدني التصرف في العلو استقلالاً عن السفل اذا كان هناك بناء قائم على إلارض ، فقد نصت المادة (493) مدني على أنه: (لا يجوز بيع العلو (الهواء) دون السفل إلا إذا كان قائماً وإذا بيع العلو وهو قائم كان للمشتري حق القرار بحيث إذا تهدم العلو كان له ان يبني علوا آخر مثل الأول)، فهذا النص منع بيع العلو إذا لم يكن هناك بناء قائم على الأرض اما إذا كان هناك بناء قائم على الأرض فأنه يجوز بيع العلو لأنه موجود فهو سطح البناء أو المبنى، والله اعلم .



تعليقات