إثبات الخطأ الطبي لا يتم إلا من قبل المجلس الطبي (في القانون اليمني)
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
قضى
الحكم محل تعليقنا بأن المجلس الطبي هو المختص قانوناً بإثبات الخطأ الطبي وأنه لا
يحق للخصم أن يطلب إثبات الخطأ الطبي عن طريق جهة أخرى غير المجلس، حسبما قضى
الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
16-8-2016م في الطعن رقم (57636)، حيث ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي: (وحيث ان
الدعوى تضمنت طلب التعويض عن الخطأ الطبي المدعى به، وحيث ان المحكمة لكي تفصل في
إستحقاق ذلك التعويض لابد من إثبات وجود خطأ أدى إلى الضرر المفصل في الدعوى يستلزم
التعويض عنه، وحيث ان واقعة إثبات وجود الخطأ الطبي تعتبر من الأمور الفنية البحتة
التي تستلزم الاستعانة بأهل الخبرة إعمالاً لنص المادة (165) إثبات، وحيث ان
المادة (10) من القانون رقم (28) لسنة 2000م بشأن انشاء المجلس الطبي نصت على أن:
المجلس يقدم التقارير الفنية التي يطلبها القضاء أو جهات التحقيق حول الاخطاء
والمخالفات المهنية التي قد تحدث من مزاولي المهنة، والمادة (21) من القانون ذاته
فقرة (أ) التي تنص على أنه: على أية جهة تتولى التحقيق في شكاوى مهنية ضد مزاولي
المهنة ان تستطلع رأي المجلس فنياً وعلمياً قبل السير في إجراءات التحقيق، لذلك
فان المحكمة على هدى نصوص المواد القانونية تلك استعانت برأي المجلس الطبي الوارد
في مذكرة المجلس الموجهة إلى المحكمة المرفق بملف القضية التي خلص فيها المجلس إلى
أن :العملية الجراحية التي أجريت للمريض المدعي لإصلاح الفتاق في الحجاب الحاجز
تمت بحسب الأسس والأصول الجراحية والمهنية المتعارف عليها في طب الجراحة العامة،
وليس هناك أية اخطاء طبية جراحية قام بها الجراح أو إهمال أو تقصير في بذل العناية
اللازمة للمريض من قبل الطبيب الجراح أو المستشفى، وبأن المجلس يوصي المستشفى
بالتعاون في إجراء عملية جراحية تجميلية للمريض المدعي لمعالجة تلك المضاعفات، على
تتم هذه العملية في المستشفى ذاته من قبل اختصاصيين إذا كانت حالة المريض الصحية
تسمح بذلك، وبناءً على ذلك التقرير فليس أمام المحكمة إلا أن تحكم بموجب ذلك
التقرير، كما أن المحكمة ترفض طلب المدعي بإحالة حالته إلى لجنة طبية في مستشفى
الثورة العام لتقدير الخطأ الطبي المدعى
به لعدم قانونية ذلك الطلب ومخالفته لنص قانون المجلس الطبي الذي أوجب على المحكمة
وغيرها من جهات التحقيق الاستعانة برأي المجلس بشأن المخالفات والاخطاء الطبية)، وقد
قضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي السابق ذكره ، وقد تضمنت أسباب الحكم
الاستئنافي: (ان الحكم الابتدائي قد استند في قضائه إلى رأي المجلس الطبي الذي
افاد بأن العملية تمت بحسب الأسس والأصول الجراحية والمهنية المتعارف عليها في طب
الجراحة العامة، وأنه ليس هناك أية اخطاء طبية أو جراحية)، وعند الطعن في الحكم
الاستئنافي قضت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بإقرار الحكم الاستئنافي، وقد ورد
ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وحيث ان الطاعن قد نعى في طعنه على الحكم
الاستئنافي أنه لم يبين سبب عدم الاستجابة لطلبه بتشكيل لجنة طبية أخرى للكشف عن
حالته، وحيث أن ما اثاره الطاعن في غير محله ولا يجد سنده من الأوراق والقانون،
فالثابت من الأوراق ان دعوى الطاعن قد تضمنت طلبه التعويض عن الخطأ الطبي المدعى
به، حيث نظرت محكمة أول درجة في الدعوى وفصلت فيها، إستناداً إلى المادة (165)
إثبات، والمادتين (10 و21) من قانون المجلس الطبي وإلى التقرير الفني الصادر عن
المجلس الطبي ورفضت طلب إحالته إلى لجنة طبية في مستشفى الثورة العام لتحديد الخطأ
الطبي المدعى به، وقد رفضت محكمة أول درجة طلب الطاعن لعدم قانونية ذلك الطلب
ومخالفته لقانون المجلس الطبي، وقد أيد ذلك الحكم الاستئنافي الذي اصاب في قضائه ))،
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الطابع الفني الدقيق لإثبات الخطأ الطبي:
لا ريب ان تحديد الخطأ الطبي وإثباته مسألة فنية
دقيقة لا يدركها إلا أصحاب الخبرة والإختصاص من كبار الأطباء المشهود لهم بالكفاءة
والعدالة، فالخطأ الطبي لا تدركه أو تشاهده الأعين، ولذلك فإن إثباته يتم عن طريق
أعمال الخبرة الفنية وفقاً للمادة (165) إثبات التي نصت على أنه: (على المحكمة في المسائل الفنية كمسائل الطب
والهندسة والحساب وغيرها مما يدق فهمه أن تعين خبيرا (عدلا) أو أكثر من المؤهلين علميا
وفنيا أو ممن لهم خبرة خاصة المشهورين بذلك لتستعين بهم في كشف الغامض من هذه المسائل
مما يفيد إثبات الواقعة المراد إثباتها ويجب على المحكمة أن تذكر في قرارها بيانا دقيقا
لمأمورية الخبير والأجل المضروب لإيداع تقريره فيه ويكلف الخبير بتقديم تقرير بما أدت
إليه أبحاثه في الموعد المحدد، ويجوز أن يتفق
الخصوم على خبير(عدل مرجحا) أو أكثر تعينهم المحكمة بناء على طلبهم كما يجوز أن يختار
كل من الخصمين خبير (عدلا) مرجحاً على أن تختار المحكمة خبيرا عدلا مرجحا.)، ولتعذر
إثبات الخطأ الطبي بغير أعمال الخبرة الطبية فقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد
استند إلى هذه المادة في استعانته بالمجلس الطبي في دراسة المسألة الطبية التي
كانت معروضة أمام محكمة الموضوع حتى يقوم المجلس
بابداء الرأي فيها، وبيان ما إذا كان في المسألة خطأ طبي ام لا.
الوجه الثاني: حصر الخبرة الطبية في المجلس الطبي:
سبق القول: بأن دراسة الحالة الصحية للمريض لتحديد
ما إذا كان هناك خطأ طبي هذه العملية تحتاج
إلى خبرة طبية ماهرة ذات خبرة واختصاص، كما أن هذه العملية تحتاج إلى إمكانيات
فنية وإدارية تستطيع الجهة المعنية من خلالها الحصول على المعلومات والبيانات
المتعلقة بالحالة الطبية المعروضة عليها ومخاطبة
المستشفيات والمستوصفات والمراكز الطبية والزامها بتقديم المستندات والمعلومات والتقارير
التي تكشف عن حالة المريض اثناء تلقيه العلاج في المستشفى وإجراءات الفحص والأدوية
والتدخلات الطبية بشأن ألمريض. وكذا تستطيع الجهة الرسمية الرقابية المختصة الإستماع
إلى أقوال المختصين في المستشفيات بشأن حالة المدعى اثناء علاجه في المستشفى ،
وحتما لا تستطيع النهوض بهذا الأمر إلا جهة حكومية رسمية رقابية على المستشفيات
والمصحات وما في حكمها، ولذلك فقد اناط قانون المجلس الطبي هذا الأمر بالمجلس
الطبي وفقاً للقانون رقم (28) لسنة 2000م بشأن إنشاء المجلس الطبي، وفي هذا الشأن
نصت المادة (10) من هذا القانون على أنه: (للمجلس في سبيل تحقيق اهداف هذا القانون
ممارسة الإختصاصات التالية: -أ- العمل على متابعة ومراقبة تنفيذ القوانين المرتبطة
بالمهن الطبية واللوائح المنفذة لها –ع- تشكيل اللجان العلمية والرقابية المتخصصة
بما فيها لجنة التحقيق على أن تنظم اللوائح الداخلية للمجلس إجراءات سير اعمالها
ويقدم المجلس التقارير الفنية التي يطلبها القضاء أو جهات التحقيق حول الاخطاء
والمخالفات المهنية التي قد تحدث من مزاولي المهنة)، ويظهر من هذا النص أنه قد
اناط بالمجلس الطبي مراقبة اعمال مزاولي المهن الطبية كما أنه قد اناط بالمجلس
تقديم التقارير الفنية عن الاخطاء والمخالفات الطبية إلى جهات القضاء، إلا أن هذا
النص لم يصرح بوجوب إحالة الشكاوى والدعاوى المتعلقة بالأخطاء الطبية إلى المجلس،
في حين نصت المادة (21) من قانون المجلس الطبي على أنه: (أ- على أية جهة تتولى
التحقيق في شكاوى مهنية ضد مزاولي المهنة ان تستطلع رأي المجلس فنياً وعلمياً قبل
السير في إجراءات التحقيق مالم تكن الشكوى محولة أصلاً من المجلس طبقاً للفقرة (ن)
من المادة (10) من هذا القانون –ب- على المجلس أن يبت في الشكوى المرفوعة والمحالة
إليه خلال عشرة أيام)، وهذا النص يثير إشكاليات كثيرة في التطبيق العملي أهمها أنه
جعل إستطلاع رأي المجلس الطبي وجوبياً كما أنه جعل ذلك قيداً على جهات التحقيق
المختصة في مباشرة إجراءات التحقيق في القضية التي قد تكون ضرورية وعاجلة خاصة ان
المجلس الطبي لا يستطيع موافاة جهات التحقيق بالرأي الفني في المسألة المعروضة
إليه خلال العشرة الأيام المقررة في النص السابق لاسباب كثيرة ليست محل تعليقنا،
والله اعلم .