شهادة القريب على قريبه
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
ذهب غالبية الفقه الإسلامي إلى عدم قبول شهادة القريب لصالح قريبه لما
للقرابة من تأثير عاطفي، ولان القريب يدفع بشهادة الضرر عن نفسه ويجلب بها النفع
لنفسه حسبما يقرر الفقهاء، وبالمقابل فقد ذهب غالبية الفقه الإسلامي إلى جواز شهادة القريب
على قريبه لانتفاء التهمة في شهادة القريب على قريبه بخلاف شهادة القريب لقريبه ،
ودليل الفقهاء في قبول شهادة القريب لقريبه هو قوله تعالى {وشهد شاهد من أهلها}، فهذه
الآية الكريمة تجيز شهادة القريب على قريبه، كذا استدل الفقهاء بقوله تعالى ( ياايها الذين ٱمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو
على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين )،
حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 7-3-2017م في الطعن رقم (58620)، حيث ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (كما
ان قيام القاضي بالإنتقال إلى بيت المدعى عليه لسماع شهادة والدته واخته قد كان وفقا
للمادة (59) إثبات، فقد كان ذلك بناءً على طلب المدعى عليه، فيعتبر طلب المدعى
عليه إنتقال القاضي تعديلاً لشهادة أمه واخته قبل الأداء وعدم اعتراضه بعد أداء
الشهادة)، وقد اقر حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم
المحكمة العليا: (فما ذكره الطاعن عبارة عن جدل في الشهادات التي استند إليها
الحكمان الابتدائي والاستئنافي ومنها شهادتا أم المدعى عليه (الطاعن حالياً) واخته،
وفي كل الأحوال فإنما اثاره الطاعن عبارة عن خوض في تقدير الأدلة الذي يخضع للسلطة
التقديرية لمحكمة الموضوع))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في
الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية شهادة القريب على قريبه :
القرابة
مانعة لشهادة القريب لقريبه عند غالبية الفقهاء، لأنه من المرجح ان الشاهد القريب
يجر النفع لنفسه بشهادته لصالح قريبه كما أنه
يدفع بشهادته الضرر عن نفسه، حسبما ورد في
الفقرة (د) من المادة (27) إثبات، اما شهادة القريب على قريبه، فهي تكون ضد القريب
وليس لصالحه، فلا يكون في هذه الحالة القريب الذي يشهد على قريبه متهماً في شهادته
بأنه يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً حيث تنتفي عنه التهمة في شهادته.
الوجه الثاني: شهادة القريب على قريبه في خصومته مع الغير:
إذا
كان النزاع بين الأقارب انفسهم فأن شهاداتهم تكون مقبولة على بعضهم لإنعدام
التهمة، وكذا إذا كانت الخصومة فيما بين القريب والغير، فتقبل شهادة القريب على قريبه
تطبيقا لقوله تعالى( ياايها الذين ٱمنوا كونوا
قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو
الوالدين أو الأقربين )، وتطبيقاً لذلك فقد قبل الحكم محل تعليقنا شهادة الأم
والأخت على المدعى عليه، لأن القريب في شهادته على قريبه لا يكون متهماً في شهادته
في هذه الحالة، كما ان الشاهد في هذه الحالة لا يجر بشهادته لنفسه نفعاً أو يدفع
عنها ضرراً، ولأن شهادة الأم والأخت لم تكملا النصاب فقد كلفت محكمة الموضوع
المدعية بحلف اليمين المتممة لشهادة الواحد، لان شهادتي الأم والأخت تعدلا شهادة
الواحد، إضافة إلى أن الحكم محل تعليقنا قد اعتبر طلب المدعى عليه من القاضي
الانتقال إلى منزله لسماع شهادتي امه واخته اعتبر الحكم ذلك تعديلا من المدعى عليه
لوالدته واخته حسبما ورد في الحكم، والله اعلم .