مشاهدة الشاهد للتعاقد - في القانون اليمني

 

مشاهدة الشاهد للتعاقد

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يتم إبرام العقد بين المتعاقدين عن طريق الإيجاب والقبول بحضور المتعاقدين والشهود في مجلس العقد وذلك يستدعي ان يشاهد الشاهد المتعاقدين في مجلس العقد وهما يتلفظان بالإيجاب والقبول ويقوما بالتوقيع على وثيقة العقد، وهذا هو الأصل في التعاقد، عندما يحضر المتعاقدان والشهود أمام الأمين الشرعي غير أنه في بعض الحالات لايتم التعاقد  في مجلس واحد حيث يكون يقوم كل طرف بالتوقيع في مكان آخر، ففي هذه الحالة ينبغي على الشهود مشاهدة كل طرف عند توقيعه على العقد، هذا الأمر بالنسبة للعقود  التي اشترط الشرع والقانون إثباتها عن طريق شهادة الشهود، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2/12/2014م في الطعن رقم (55763)، حيث ورد في أسباب الحكم الاستئنافي (فالواقعة المدعى بها وهي التصرف في المنزل غير ثابتة، لأن الشاهد لم يشاهد المرأة المتصرفة تقوم بالتوقيع على العقد، لأنه تم إدخال ورقة العقد للمرأة إلى الغرفة وأنه لم يشاهدها عند توقيعها على الورقة)، وقد اقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وحيث أنه قد ثبت لدى الشعبة عدم صحة عقد البيع لعدم قيام الدليل على صحة وقوعه، ولذلك فأن ما قضت به محكمة ثاني درجة قد وافق صحيح القانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: معنى شاهد العقد:

شاهد العقد: هو الذي يستمع صيغتي الإيجاب والقبول الصادرتين من المتعاقدين، وينبغي ان يسمع الشاهد ويفهم الشيء المتعاقد عليه وان يشاهد المتعاقدين يقوما بالتوقيع على العقد بما يفيد تمام العقد وموافقتهما على ذلك ، ويجب تلاوة العقد أمام الشاهد حتى يسمع مضمون العقد، ولذلك فقد اشترط قانون التوثيق على الشخص الذي يتولى تحرير العقد أو كتابته ان يقوم بتلاوته على اسماع المتعاقدين والشهود، ويجب على كاتب العقد أن يفهم المتعاقدين بالآثار والتبعات والمسؤوليات المترتبة على العقد.

الوجه الثاني: اركان العقد وشروطه ووجوب إحاطة الشاهد بها:

للعقد اركان وشروط لا يتم العقد إذا لم تتوفر اركانه وشروطه مثل صدور الإيجاب من المملك وصدور القبول من المستملك وتطابق الإيجاب والقبول وان يكون محل العقد موجوداً ومعلوماً علماً نافياً للجهالة (محل العقد الشيء المتعاقد عليه والثمن...الخ)، وعلى هذا الأساس يجب ان تتم إحاطة الشاهد بأركان العقد وشروطه بإعتباره شاهداً على العقد أي شاهد على إنعقاد العقد وتمامه وتوفر أركانه وشروطه.

الوجه الثالث: مجلس العقد وكيفية الشهادة عليه:

يختلف مجلس العقد بإختلاف نوع التعاقد فإذا تم التعاقد في مكان واحد (مجلس واحد) فقد سبق ان ذكرنا انه ينبغي على الشاهد مشاهدة المجلس المنعقد في مكان واحد، وهذا هو الأصل والأحوط ، حيث اشترط قانون التوثيق حضور المتعاقدين أو وكلائهم أمام الأمين أو أمام الموثق عند إنشاء المحرر والتوقيع على العقد في الدفتر المخصص لذلك، وعلى هذا الأساس فإن العقود التي تحتاج إلى توثيق ينبغي حضور المتعاقدين مع الشهود أمام الأمين الشرعي أو الموثق، وفي بعض الحالات يستدعي الأمر التوقيع على العقد في مكانين مختلفين كما لو تعذر حضور احد المتعاقدين بسبب المرض أو غيره حيث يتم الانتقال إلى مكان المعذور للتوقيع على العقد في مكانه، ففي هذه الحالة يجب أن يشاهد الشاهد عملية التوقيع على العقد  مثلما قضى الحكم محل تعليقنا،  فمن المتصور ان يقوم الموجب بإرسال إيجابه عن طريق التوقيع على عقد البيع بمكان ثم إرسال العقد إلى المشتري بمكان آخر للتوقيع عليه وعندئذ يكون القبول عندما يقوم القابل بالتوقيع على العقد،  ويتم إثبات ذلك عن طريق الشهود الذين شاهدوا البائع يقوم بالتوقيع على عقد البيع والشهود الذين شاهدوا المشتري يقوم بالتوقيع على نسخة العقد ذاتها، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بعدم صحة البيع طالما ان الشاهد لم يشاهد المرأة المريضة في غرفتها حينما قامت بالتوقيع على العقد،وهناك عقود لا يتم إنشاؤها لدى الأمناء كما لا يتم توثيقها أمام الموثق كعقود التجارة التي تتم عن طريق الهاتف أو الايميل حينما يكون البائع في مكان والمشتري في مكان آخر، ويتم إثبات هذا النوع من العقود عن طريق التوقيع الالكتروني الذي يدل على نسبة الرسالة المتضمنة الإيجاب والقبول وعلم الموجب بالقبول،والله اعلم.