إستقلال الابن عن أبيه في النشاط التجاري
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
لأن
الابن ينشأ في جحر ابيه، وغالباً ما يتأثر بنشاط ابيه، ومن ذلك النشاط التجاري حيث
يبدأ الابن بمساعدة ابيه في نشاطه التجاري، ولكن عندما يبلغ الابن ويتزوج فتكون له
اسرته الخاصة ينزع الابن إلى الإستقلال في نشاطه التجاري، ويحاول الإستقلال عن
نشاط ابيه، وهناك مشقة كبيرة في تلمس مظاهر الإستقلال في النشاط التجاري غير المنظم،
وهو الغالب في اليمن، ولذلك تقع الخلافات والنزاعات التي تسمم العلاقات بين الآباء
والأبناء وبين الأخوة ، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى هذه المسألة المهمة، حسبما
ورد في الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 17-9-2017م في الطعن رقم (59009)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وبرجوع الدائرة
إلى ملف النزاع وجدت ان مؤرث الطاعنين بتاريخ.... قام بالتوقيع على كشف الحساب
فيما بينه وبين محلات.... المملوكة لأبيه واخوانه بماله وما يملكه واقفل حسابه في
التاريخ المذكور، وجاء في شهادة محاسب المحلات التي ادلى بها أمام المحكمة
الابتدائية ان مؤرث المدعين (الطاعنين حالياً) خرج من الشراكة واستلم نصيبه من
والده، وانه أي مؤرث الطاعنين في عام... كان يدير محلاً خاصاً به، كما أنه لم يظهر
اسمه بعد ذلك في سجلات وحسابات المحلات، وانه كان كل من يخرج من الشراكة لا يتم
ذكر اسمه في الميزانية منذ خروجه...إلخ ما ورد في أسباب الحكمين الابتدائي
والاستئنافي، وعليه فأن ما توصلت إليه المحكمة الابتدائية وايدتها الشعبة التجارية
في حكمها المطعون فيه ليس فيه أية مخالفة للقانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم
حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الوضعية القانونية للابن قبل بلوغه الأهلية التجارية (18 سنة):
من
المعتاد في اليمن ان يقوم الابن منذ صغره بخدمة ابيه ومساعدته في النشاط الذي يباشره
الاب، ومن المؤكد ان الصبي لا يكون مؤهلاً لمباشرة أعمال التجارة حتى يبلغ الأهلية
الخاصة لذلك وهي (18 عاماً)، وعلى هذا الأساس فأن الابن إذا قام بمباشرة أي عمل
قبل هذا التاريخ مع ابيه فأنه لا يستطيع الإدعاء بشراكته لابيه في نشاطه التجاري.
الوجه الثاني: الوضعية القانونية لعمل الأبن مع ابيه بعد بلوغ الابن الأهلية التجارية (18 سنة):
في
سن 18 سنة يكون الابن قد بلغ الاهلية التجارية، وجاز بموجب ذلك للابن ان يباشر
النشاط التجاري باسمه الشخصي وحسابه، حيث يقبل من الابن عندئذ الإدعاء بأنه قد
باشر النشاط التجاري، وعلى هذا الأساس فاذا عمل الابن مع ابيه بعد بلوغه سن
الاهلية التجارية لا يخلو الأمر من حالتين : الحالة الأولى: ان يقوم الأب بالتعامل
مع الابن كعامل حيث يمنحه اجره المنتظم في كل شهر مثل الابن في ذلك مثل بقية
العمال، فيظهر اسم الأبن بين العمال ولا يعطي الأب لأبنه نسبة من الأرباح المحققة،
ففي هذه الحالة يكون الأبن في وضع العامل، علماً بأن قانون العمل قد نص صراحة في
المادة (3) على ان قانون العمل لا يسري على الأقارب الذين يعولهم صاحب العمل، حيث
نصت هذه المادة على أنه: (ب- لا يسري هذا القانون على الفئات الآتية: -8- الأشخاص
التابعين لصاحب العمل العاملين معه والذين يعولهم فعلاً بصورة كاملة أية كانت درجة
القرابة)، فهذا النص يفيد ان الابن إذا لم يبلغ يكون عالة على ابيه فلا يسري عليه
قانون العمل، كذلك إذا كان الابن بالغاً الأهلية التجارية ولكنه مقيم مع ابيه في دار
ابيه يعيله فيبيت ويؤكل في دار ابيه فان قانون العمل لا يسري على العلاقة القائمة
فيما بين الأبن وابيه ، اما الحالة الثانية: فهي ان يعمل الأبن البالغ مع ابيه من
غير ان يتقاضى من ابيه اجراً منتظماً وإنما يدفع له ابوه مصاريف كلما احتاج الأبن،
فالابن في هذه الحالة يكون شريكاً لأبيه فيما يسمى بالشركة العرفية بحسب الفائدة
المحققة من عمل الابن، حيث يستحق الابن العامل مع ابيه في هذه الحالة ما يسمى في
اليمن (الشقية)، وهي نسبة من النماء أو نسبة من الأموال المستفادة من التاريخ
اللاحق لمشاركة الابن في العمل.
الوجه الثالث: مظاهر إستقلال الأبن عن ابيه في نشاطه التجاري:
في
الشركات التجارية والأعمال التجارية النظامية لا تظهر هذه الإشكالية، لأن
المستندات الرسمية المعدة قانوناً للإثبات تحسم أي إدعاء أو خلاف بين الأبن وابيه،
غير أن الأعمال التجارية غير المنظمة تظهر فيها إشكالية البحث عن المظاهر التي تدل
على أن الابن يعمل في النشاط التجاري بصفة مستقلة عن ابيه والعكس صحيح أي إثبات ان
الأب يعمل بمعزل عن ابنه، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى بعض مظاهر إستقلالية
الأبن عن أبيه والأب عن ابنه في نشاطهما التجاري، ويمكن تلخيص هذه المظاهر كما
يأتي: