لا يجوز الوقف إلا في حدود الثلث اذا كان للواقف ورثة

 

لا يجوز الوقف إلا في حدود الثلث اذا كان للواقف ورثة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

وضعت الشريعة الإسلامية موازنة دقيقة بين حقوق الورثة في تركة مورثهم وبين حق مورثهم في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ببعض المال وقفا لله سبحانه وتعالى ، حيث غلبت الشريعة الإسلامية حقوق الورثة على حق الوقف لله تعالى فمنعت الوقف بأكثر من الثلث حتى لايضار ورثة الواقف ، وينسجم موقف قانون الوقف مع ما ذهب إليه الفقه الإسلامي، فقد صرح القانون بعدم جواز الوقف بأكثر من ثلث التركة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-2-2015م في الطعن رقم (56443)، فقد جاء ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (فبالرجوع إلى المادة (17) من قانون الوقف فلا يجوز للشخص ان يوقف أكثر من ثلث ما يملك، وذلك يعني بطلان الوقف في الثلثين، فهما من حق ورثة المستأنف ضدها، وبناءً على ذلك فإن الوقف نافذ في ثلث البيت فقط )، وقد ايدت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((فقد تبين ان ما نعاه الطاعنين لا تأثير له على صحة وسلامة الحكم المطعون فيه لبنائه على أدلة سائغة ومعتبرة، فما اثاره الطاعنون إنما هو من قبيل الجدل في الأدلة التي تختص بها محكمة الموضوع))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: لا يجوز الوقف إذا كان الغرض منه الاضرار بالورثة أو التحايل عليهم:

الوقف قربة من اهم القرب إلى الله تعالى، ولذلك ينبغي ان تكون نية الواقف خالصة لله تعالى، وان يكون  غرضه من وقفه التقرب بالمال إلى الخالق تبارك وتعالى، وبناءً على ذلك لا تجتمع نية تقرب الواقف من الله تعالى مع نية الاضرار بالورثة والاحتيال على حقوقهم الشرعية في الإرث، وفي هذا المعنى نصت المادة (16) من قانون الوقف على أنه: (لا يصح الوقف فراراً من دين أو شفعة ولا بحيلة كالتحايل على أحكام الإرث)، فالوقف في الأحوال المذكورة في المادة السابق ذكرها ينتفي فيه معنى القربة لله تعالى ، ولذلك صرح النص القانوني بعدم جواز الوقف في تلك الأحوال، ومن المؤكد ان هذا النص قد تم اخذه من معين الفقه الإسلامي.

الوجه الثاني: عدم صحة الوقف بأكثر من الثلث اذا كان للواقف ورثة :

في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كانت المرأة الواقفة ليس لها أولاد وكان ورثتها  اخوتها، ولذلك فقد قامت بوقف بيتها كاملاً لابنة اختها التي تنازعت لاحقا مع اخوالها، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن الوقف لا يجوز إلا بثلث  التركة فقط اما الثلثان المتبقيان فهما إرثاً لإخوة الواقفة، وسند الحكم محل تعليقنا في ذلك المادة (17) وقف التي تنص على أنه: (لا يصح للشخص أن يوقف أكثر من ثلث ماله إذا كان له وارث حال الوقف) وحظر الوقف باكثر من الثلث قاصر على حالة وجود ورثة للواقف حتى لايضار الورثة بالوقف بأكثر من  الثلث، اما اذا لم يكن للواقف ورثة وقت قيامه بالوقف فيجوز له في هذه الحالة أن يوقف اكثر من ثلث ماله  ، ويتأسس حظر الوقف بأكثر من الثلث على فكرة عدم جواز الاضرار بالورثة، لأن الوقف بأكثر من الثلث مضر بالورثة، مثل الوقف في ذلك مثل الوصية التي لا يجوز ان تزيد على الثلث إلا أنه تجوز الزيادة على الثلث إذا أجاز الورثة تصرف وارثهم بعد موته، علما بأن الدولة وارث من لاوراث له أي أن الدولة ترث من وارث له، فالدولة وراثة عند انعدام ورثة الشخص، حسبما هو مقرر في كتب الفقه الإسلامي وحسبما ورد في المادة(6 ) من قانون أراضي وعقارات الدولة، ولذلك يذهب جانب من الفقه إلى أنه وإن جاز الوقف بأكثر من الثلث أذا لم يوجد ورثة للواقف، الا انه لايحق للواقف ان يوقف تركته كلها ويحرم الدولة من حقها الشرعي في إرث من لاوإرث له، والله اعلم.