حالات قبول شهادة من يجر لنفسه نفعاً؟


حالات قبول شهادة من يجر لنفسه نفعاً؟

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

ذهب الفقه الإسلامي ومن بعده قانون الإثبات اليمني إلى عدم قبول شهادة الشخص الذي يجر بشهادته لنفسه نفعاً أو يدفع عن نفسه ضراً لمظنة التهمة في شهادته، وانه في هذه الحالة لا يؤديها حسبة لله تعالى  تطبيقا لقوله تعالى {واقيموا الشهادة لله} وإنما بغرض تحقيق النفع لنفسه أو دفع الضرر عن نفسه، لكن إذا دلت الأدلة الأخرى على صحة شهادة الشخص في هذه الحالة وإن شهادته مطابقة للأدلة الأخرى فلا تثريب إذا قبلها القاضي، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-2-2015م في الطعن رقم (56624)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث ان محكمة الاستئناف قد ناقشت مناعي الطاعن وذكرت في أسباب حكمها: وبما ان البائع  للمنزل قد حقق في شهادته أمام محكمة أول درجة بأنه بنى على أرضيته ولم يترك حمى بالجهة الغربية وأنه فتح شاقوصاً من الجهة الغربية بإذن صاحب البيت المجاور، لذلك لا جدوى من تقول الطاعن على شهادة البائع للمنزل كون البصيرة التي تحكي شرائه وكذا تقرير المساحة قد أكدت صحة أقوال الشاهد وعدم صحة دعوى المستأنف ان الشاهد المشار إليه يدفع عن نفسه ضرراً كونه البائع للمنزل وأنه ضامن إلى آخر ما جاء في حيثيات حكم الشعبة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: شهادة من يجر بشهادته لنفسه نفعاً أو يدفع عن نفسه ضرراً في قانون الإثبات:

نصت المادة (27) إثبات على أن: (يشترط في الشاهد ما يأتي: -د- ان لا يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً)، ويندرج ضمن هذا النص أنواع عدة من الشهادات منها: شهادات الأقارب لبعضهم على الغير وشهادات الخصوم على بعضهم، وكل من يجر بشهادة نفعاً لنفسه أو يدفع عنها ضرراً، لأن الشاهد في هذه الحالة لا يؤدي الشهادة حسبة لله تعالى عملاً بقوله تعالى {واقيموا الشهادة لله}، فاشتراط (ان لا يجر الشاهد لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً) يستند على فرضية مفادها :ان غالب الأشخاص يؤثرون مصالحهم وحقوقهم ومصالح وحقوق اقاربهم فيدافعوا عنها بأقوالهم  وشهاداتهم وافعالهم، كما ان العداوة لخصومهم تدفعهم في غالب الأحيان على الشهادة على خصومهم بغير الحق، وتبعاً لذلك تكون هناك تهمة أو مظنة في شهاداتهم لاقاربهم أو على خصومهم ، وخلاصة القول: ان  الشرع والقانون قد افترضا المظنة أو التهمة في شهادة من يجر لنفسه أو يدفع ضرراً عنها ، مع أنه قد يصادف ان يكون من بين الناس من يقول الحق ولو على نفسه او أقاربه إعمالاً لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين}.

الوجه الثاني: قبول شهادة من يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً إذا صادقت شهادته أدلة أخرى:

عندما اشترط القانون في الشاهد أن لا يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عن نفسه ضرراً بشهادته كان هذا الشرط خشية تغليب الشاهد مصالحه وحقوقه واقاربه على قول الحق أو ان تدفعه عداوته للشهادة بغير الحق على عدوه، غير ان ذلك لا يعني تجريد شهادة الشاهد في هذه الحالة من أية حجية أو دلالة، فقد تدل الأدلة والقرائن على صحة شهادة الشاهد في هذه الحالة، فقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد اخذ بشهادة البائع للمنزل في أنه بنى المنزل على كامل مساحته من الجهة الغربية وانه لم يترك حمى أو مساحة زائدة بعد جدار المنزل، وان الشاقوص (فتحة صغيرة للهواء) كان ذلك بناءً على موافقة وإذن جاره، وإن فتح الشاقوص لا يعني أن للشاقوص حمى في أرض جاره من جهة الغرب، كما ان بصيرة بيع المنزل قد دلت على صحة شهادة البائع للمنزل، وكذا تقرير المعاينة بالإضافة إلى أنه كان من الضروري استماع محكمة الموضوع إلى أقوال البائع المالك السابق للمنزل لمعرفة سبب وخلفيات فتح (الشاقوص) وما إذا كان له حمى .

الوجه الثالث: أحوال قبول شهادة من يجر لنفسه نفعاً أو يدفع ضرراً:

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أنه أخذ بشهادة الشاهد مع أنه البائع للمنزل محل النزاع وضامن ضمان الدرك الشرعي للمنزل المبيع أي أنه يجلب لنفسه نفعاً ويدفع عن نفسه ضرراً، وقد قبل الحكم شهادة البائع للمنزل، لأن شهادة البائع كانت مطابقة لتقرير المعاينة وبصيرة بيع المنزل المحررة في وقت سابق على النزاع بشأن (حمى الشاقوص)، كما أنه من المقرر قبول شهادة الشاهد الذي يجر لنفسه نفعاً إذا قبلها الطرفان المتنازعان، وكذا إذا لم يتم الإعتراض عليها، والله اعلم.