إشكالية شهادة إخلاء طرف العامل
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
نص
قانون العمل في المادة( 41) على ان صاحب
العمل ملزم بمنح العامل عند تركه للعمل
شهادة (قطع علاقته بالعمل)، في حين يطالب بعض العمال بدلاً عنها شهادة (إخلاء طرف)، وهناك فرق بين الوثيقتين،
وتحدث إشكاليات كثيرة بشأن هذا الموضوع، وقد تناول هذه المسألة الحكم الصادر عن
الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/1/2015م في الطعن
رقم (56257)، حيث سبق هذا الحكم ان قررت اللجنة العمالية إلزام المؤسسة التي كان
يعمل بها العامل إلزامها منح العامل (شهادة إخلاء طرف) ضمن المسائل المحكوم بها
لصالح العامل، في حين كانت المؤسسة التي كان يعمل بها العامل متمسكة بمنح العامل
(وثيقة قطع علاقته بالعمل) بحسب ماورد بنص
المادة (41) من قانون العمل، وحجة المؤسسة ان العامل كان يعمل في وظيفة تحصيل قيمة
البضائع المباعة من المؤسسة للمحلات التجارية ولأشخاص اخرين، واردفت الموسسة انه
من غير الممكن الوقوف على مدى خلو طرف أو ذمة
العامل المحصل إلا بعد فترة طويلة، فقد تظهر في المستقبل اختلاسات أو خيانة أمانة
على العامل أو مبالغ في ذمته، وعندئذ سوف يتمسك العامل في مواجهة المؤسسة بوثيقة
إخلاء الطرف، ومع ذلك فقد قررت اللجنة التحكيمية العمالية إلزام المؤسسة منح العامل وثيقة (إخلاء الطرف)، ومن
بعد ذلك قضت الشعبة الاستئنافية بتأييد قرار اللجنة التحكيمية، وعند الطعن بالنقض
في الحكم الاستئنافي اقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي المشتمل على الحكم
للعامل بمنحه وثيقة إخلاء طرف ومكافأة نهاية الخدمة وستة رواتب تعويض عن الفصل
التعسفي ومقابل الإجازة، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وحيث ان الطاعنة
قد نعت على الحكم الاستئنافي أنه تجاهل دفاعها وما ورد في استئنافها إلى آخر ما
ورد في الطعن الذي لا تأثير له على صحة وسلامة الحكم المطعون فيه كون الشعبة قد
نظرت القضية بصورة سليمة وبإجراءات صحيحة، وقد جاء حكمها من حيث النتيجة موافقاً
لأحكام الشرع والقانون، فما اثارته الطاعنة هو من قبيل الجدل في الموضوع لتعلقه
بفهم الوقائع وتقدير الأدلة التي تختص بها محكمة الموضوع))، وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: معنى وثيقة قطع علاقة العامل بالعمل:
نصت
المادة (41) من قانون العمل على أنه (على صاحب العمل ان يمنح العامل مجاناً عند
إنتهاء العقد وثيقة قطع علاقته بالعمل تتضمن بياناً بتاريخ إلتحاقه بالعمل وتاريخ
خدمته ونوع العمل الذي كان يؤديه ومقدار الأجر الذي كان يتقاضاه)، ومن خلال
المطالعة للنص السابق نجد أنه قد حدد اسم الوثيقة وهو (وثيقة قطع علاقة العامل
بالعمل) كما حدد النص القانوني السابق البيانات الواجب توفرها في هذه الوثيقة، ولم
يرد ضمن بيانات وثيقة قطع علاقة العامل مسمى إخلاء طرف العامل من أية التزامات قد
ظهرت في الماضي أم ستظهر في المستقبل.
الوجه الثاني: معنى وثيقة إخلاء طرف العامل وآثارها:
وثيقة
إخلاء طرف العامل من اسمها: هي الوثيقة التي تتضمن إقرار الجهة التي كان يعمل فيها
العامل بأنه لم يعد بذمته أو طرفه للشركة أي حق أو إلتزام أو مبلغ وأنه قد تم إخلاء مسئوليته عن أي فعل أو تصرف
متعلق بالجهة التي كان يعمل بها، فوثيقة إخلاء الطرف إقرار من جهة العمل بانه ليس
لها أية مطالبات أو إستحقاقات قبل العامل الذي منحته وثيقة إخلاء الطرف، وتعد
وثيقة إخلاء الطرف إقرار صريح من الجهة التي كان يعمل بها العامل بأنه ليس لها أي
مطالبات أو إلتزامات طرف العامل الذي منحته وثيقة إخلاء الطرف، ولذلك فقد دار جدل
واسع عند صياغة المادة (41) عمل منذ صدور اول قانون العمل في اليمن وهو القانون رقم
(5) لسنة 1970م، وظل هذا الجدل يحتدم كلما جرت تعديلات لقانون العمل، حيث كان
أصحاب العمل في كل تلك المجادلات يرفضون تحويل
وثيقة قطع علاقة العامل إلى وثيقة إخلاء طرف، لأن كثيراً من المخالفات
المالية الخطيرة التي يرتكبها العامل اثناء عمله لا يتم اكتشافها إلا بعد ترك
العامل لعمله، وهناك واقعة مشهورة ومنشورة تشهد على ذلك حدثت في( سيئول) عاصمة
كوريا الجنوبية، يتم الإستدلال بهذه الواقعة على خطورة شهادة إخلاء الطرف، ومضمون هذه
الواقعة أن احد المحاسبين العاملين في شركة كورية عملاقة،كان هذا العامل يصنف على أنه
من افضل عمال الشركة المتميزين، حيث كان حريصا على المواظبة في عمله حتى أنه كان
يعمل في اثناء إجازته السنوية، وكان يحرص ان يكون أول عامل يحضر إلى العمل وكان آخر العمال انصرافاً من عمله، وكان ينظر
إليه على أنه افضل العمال في الشركة لكنه حينما أصيب بحادث مروري في القطار السريع
(المترو) تمت مراجعة عمله، وعندها اكتشفت الشركة أنه كان يقوم بإختلاسات منتظمة
لأموال الشركة وكان يحرص على أن لا يقوم أحد غيره بعمله حتى لا يكتشف أمره، ومعنى
هذا ان تبعات ومسئوليات وتصرفات العامل المضرة بجهة عمله لا يتم اكتشافها إلا بعد تركه للعمل،
والله اعلم .