آثار نقض الحكم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من المتابعة والدراسة المستمرة يظهر ان هناك
قصور في فهم آثار نقض الحكم بصفة عامة سواء أكان النقض للحكم جزئياً ام كليا،
فيفهم البعض انه يترتب على النقض إبطال كل الأدلة للحكم المنقوض وتجريد الخصوم من كافة الأدلة التي تمت إثارتها قبل نقض الحكم كليا أو جزئيا، في
حين ان الابطال يتعلق بالقرارات والأحكام والإجراءات الصادرة من المحكمة السابقة
التي كانت سببا لنقض الحكم وكذا الإجراءات والقرارات اللاحقة المستندة للحكم
المنقوض ، ومؤدى ذلك أنه يجوز للخصوم ان يعيدوا تقديم الأدلة التي سبق لهم تقديمها
ولم يقض حكم النقض ببطلانها أو لم يستند إليها في تقريره نقض الحكم، وقد أشار إلى تأثيرنقض
الحكم ، الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-2-2017م في الطعن رقم
(58777) الذي ورد ضمن أسبابه : ((فقد نعى الطاعن على الحكم الاستئنافي أنه خالف
المادة (300) مرافعات، فقال الطاعن بأن ما تقوم به محكمة الإعادة لا يقتصر عند
الشق المنقوض من الحكم السابق محل الطعن بالنقض بل يجب ان يتعدى ذلك إلى الشق الذي
لم يتم نقضه بحجة ان الشق المنقوض من المحكمة العليا يرتبط إرتباطاً كلياً لا يقبل
التجزئة مع الشق الذي اقرته المحكمة العليا فلم تنقضه، وعليه فأن الدائرة لا توافق
محامي الطاعن في جدله هذا، ذلك أن المادة (300) مرافعات تنص
على أنه: (إذا رأت المحكمة ان منطوق الحكم المطعون فيه موافق من حيث النتيجة للشرع والقانون رفضت الطعن، وان لم يكن كذلك نقضت
الحكم المطعون فيه كله أو بعضه...إلخ، إضافة إلى أن المادة (301) مرافعات تنص على أنه: يترتب على
نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام والأعمال اللاحقة له متى كان الحكم المنقوض اساساً
لها أياً كانت الجهة التي أصدرتها ، فاذا كان النقض في جزء من الحكم بقى نافذاً
فيما يتعلق ببقية الأجزاء إذا لم تكن مترتبة
على الجزء المنقوض، وحيث ان المحكمة العليا في حكمها السابق نقضت الحكم الاستئنافي
فيما عدا الفقرة المتعلقة بقيام الشراكة أي أن الشراكة لا غبار عليها تأسيساً على
ما ورد بالحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي، فان الإعادة إلى محكمة الاستئناف
اقتصر على بحث ما يتعلق بنشاط الشراكة وحساباتها ، أي أنه لا رابط بين الجزئين
معاً، لأن هذا القول يخالف النصوص القانونية سالفة الذكر، ومن جهة أخرى يجعلها
مضطربة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: النقض الكلي للحكم:
يمتد النقض الكلي إلى كل ما ارتبط بالحكم أو سبقه
من أجزاء الحكم الأخرى ولو لم يذكرها حكم النقض على وجه التخصيص، وبناءً على ذلك
فأنه يترتب على نقض الحكم كلياً وإحالة الأوراق إلى محكمة الاستئناف عودة الخصومة
والخصوم إلى مراكزهم الأولى أمام محكمة الاستئناف سواء صرح حكم النقض بذلك أو لم
يصرح به، فيكون للخصوم ابداء ما كان يحق لهم ابداؤه من طلبات وأوجه دفاع ودفوع لم
يكن قد سبق لهم طرحها على محكمة الموضوع بشرط إلا يكون قد سقط الحق فيها، ويكون
للمحكمة إقامة حكمها على فهم جديد لواقع الدعوى وأسس قانونية أخرى خلاف تلك التي
استوجبت نقض الحكم بشرط ان لا تخالف قاعدة قانونية قررها حكم النقض، وفي هذا
المعنى نصت المادة (300) مرافعات على أنه: ( يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع
الأحكام والأعمال اللاحقة له متى كان أساساً لها أياً كانت الجهة التي أصدرتها).
الوجه الثاني:ماهية النقض الجزئي
للحكم:
نصت المادة (300) مرافعات على أنه: (يترتب على
نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام والأعمال اللاحقة له متى كان أساساً لها أياً كانت
الجهة التي أصدرتها)، وهذا النص قاصر قياسا
بالنصوص العربية النظيرة له، فقد اقتصر
على بيان أثر النقض الكلي للحكم وتجاهل أثر النقض الجزئي، فلم يشر هذا النص إلى
أثر النقض الجزئي، فمثلا نصت المادة ( 271) مرافعات عراقي على أنه (يترتب على نقض
الحكم إلغاء جميع الأحكام أيا كانت الجهة التي أصدرتها والأعمال اللاحقة للحكم
المنقوض متى كان الحكم أساسا لها، وإذا كان الحكم لم ينقض إلا في جزء منه بقي
نافذا فيما يتعلق بالأجزاء الأخرى مالم تكن مترتبة على الجزء المنقوض)، حيث يظهر
بجلاء تام ان هذا النص قد بين أثر النقض
الجزئي بخلاف النص اليمني القاصر ، ويقصد بالنقض الجزئي ألا يترتب على صدور حكم المحكمة
العليا بنقض الحكم المطعون فيه سوى زوال جزء أو أجزاء منه مع بقاء باقي الأجزاء
حائزة لقوة الأمر المقضي بحيث تتقيد بها محكمة الإحالة، و يكون النقض جزئيا اذا
قضت المحكمة العليا بنقض فقرات أو فقرة أو
بعض فقرة من فقرات منطوق الحكم، و معنى
ذلك انه أذا كان الحكم لم ينقض ألا في جزء منه بقى نافذا فيما يتعلق بالأجزاء
الأخرى مالم تكن مترتبة على الجزء المنقوض،
وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن (العبرة في كون
النقض كليا او جزئيا أنما هي يتعلق بما قبل من أوجه الطعن بالحكم المنقوض ككل او
بأجزاء منه ضمن الأخر إذا كانت متعددة الأجزاء) (طعن 48 سنة 54 قضائية) وقضت بأنه
(إذا كان الحكم قد قضى قطعيا في عدة مسائل ثم طعن فيه بالنقض وكانت اسباب الطعن منصبة
كلها على مسألة بعينها من تلك المسائل ثم نقض الحكم فإن نقضه يكون مقصورا على هذه
المسألة وحدها فيبقى قائما فيما قضى به في سواها من المسائل، وبذلك يمتنع على
محكمة الاستئناف عند أعادته إليها أن تعود إلى تلك المسائل فتنظر فيها من جديد فان
فعلت كان حكمها مخالفا للقانون) (طعن 101 سنة 16 قضائية)،
و إذا كان النزاع الذى فصل فيه الحكم قابلا
للتجزئة في شق منه و غير قابل للتجزئة في شق أخر فأن الطعن المرفوع من أحد المحكوم
عليهم عن الشق القابل للتجزئة لا يفيد منه زملاؤه الذين فوتوا ميعاد الطعن أو
قبلوا الحكم، و في ذلك تقول محكمة النقض (عدم التجزئة الذى تعنيه المادة 384\2 من
قانون المرافعات هو عدم التجزئة المطلق الذى يكون من شأنه أن الفصل في النزاع لا
يحتمل غير حل واحد بعينه و إذا كان النزاع الذى فصل الحكم فيه قابلا للتجزئة في شق
منه و غير قابل في شقه الأخر فأن الطعن المرفوع من أحد المحكوم عليهم عن الشق
القابل للتجزئة لا يفيد منه زملاؤه الذين فوتوا ميعاد الطعن أو قبلوا الحكم) (طعن 225 سنة 27 قضائية) وإذا لم يفصح حكم النقض في منطوقه عما قضى بنقضه من الحكم المطعون فيه
فإنه للوقوف على ما إذا كان النقض كليا او جزئيا يتعين الرجوع إلى الحكم المطعون فيه
وأسباب الطعن وحكم النقض ومقارنتها سويا،
فاذا لم تكن المقارنة كافية للكشف عن طبيعة الحكم
فإنه يمكن الرجوع إلى محكمة النقض عن طريق طلب تفسير يتم رفعه إليها بالطريق المقررة
قانونا وإلا فإن الأصل هو اعتبار النقض كليا(النقض الجزئي، الأستاذة بسنت الحلو،
ص5).
الوجه الثالث :أثار
النقض الجزئي:
الأصل أنه يترتب على نقض الحكم نقض
جميع الأحكام والأعمال اللاحقة عليه متى كان ذلك الحكم أساسا لها، الأمر الذي
يتعين معه نقض الحكم الابتدائي الصادر في موضوع الدعوى وحكم الاستئناف المؤيد له
المطعون فيه بالنقض مع الحكم المنقوض وعودة الخصومة الى ما كانت عليه قبل صدور
الحكم المنقوض وعودة الخصوم الى مراكزهم الأولى ووجوب التزام محكمة الإحالة
بالمسألة القانونية التي فصل فيها حكم النقض لها إقامة حكمها على فهم جديد لواقع
الدعوى، ولكن في الأحوال التي لا يتناول أثر حكم النقض من الحكم المطعون فيه
متى كان متعدد الأجزاء سوى الجزء الذي انصب عليه الطعن وقبلت المحكمة أحد أسباب
الطعن المتعلقة به فبالنسبة للموضوع إذا كان النقض جزئيا فالأصل أنه لا يتناول إلا الجزء من الحكم الذي
كان محل الطعن متى كان مستقلا عن أجزائه الأخرى بموضوعه وأسبابه، وذلك بغض النظر
عن صيغة حكم النقض أي سواء صرح في منطوق الحكم بأن نقض الحكم المطعون فيه قاصر على
ذلك الجزء منه أم أطلق القول بنقض الحكم دون إشارة إلى الجزء الذي قصد نقضه، إذ
الأصل في كل الأحوال لا يتناول أثر حكم النقض من الحكم المطعون فيه متى كان متعدد
الأجزاء سوى الجزء الذي انصب عليه الطعن، وقبلت المحكمة أحد أسباب الطعن المتعلقة
به، واكدت ذلك محكمة النقض في (طعن 77 سنة 7 قضائية) (وطعن 13 سنة 5
قضائية) ويستثنى من القاعدة المتقدمة أنه وإن كان الاصل أن النقض متى أقتصر
على جزء من الحكم المطعون فيه فإن نطاقه يتحدد في زوال هذا الجزء وحده دون بقية
أجزاء الحكم التي لم يتناولها الطعن الا إنه متى كان هذا الجزء المنقوض اساسا
لأجزاء أخرى فإنه يترتب على نقض الحكم في الجزء المنقوض نقضه كذلك بالنسبة إلى هذه
الأجزاء ولو لم يصرح حكم النقض بذلك، وأكدت على ذلك محكمة النقض المصرية في (طعن 66 سنة 7 قضائية) و (طعن
319 سنة 37 قضائية) ويستثنى من القاعدة المتقدمة
التي تحكم أثر النقض الجزئي حالة وجود ارتباط وتبعية بين الجزء المنقوض وغيره من
أجزاء الحكم المطعون فيه، إذ في هذه الحالة يمتد نطاق أثر حكم النقض إلى الأجزاء
التي بينها وبين الجزء المنقوض ارتباط وتبعية ولو لم يطعن على هذه الأجزاء أو
يذكرها حكم النقض، وأكدت على ذلك محكمة النقض في (طعن 2564 سنة 57 قضائية)،على أنه إذا كان الحكم صادراً في
موضوع غير قابل للتجزئة أو في التزام بالتضامن أو في دعوى يوجب القانون فيها
اختصام أشخاص معينين جاز لمن فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم أو قبل الحكم أن
يطعن فيه أثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد من أحد زملائه منضما إليه في طلباته فإن
لم يفعل أمرت المحكمة الطاعن باختصامه في الطعن. وإذا رفع الطعن على أحد المحكوم
لهم في الميعاد وجب اختصام الباقين ولو بعد فواته بالنسبة إليهم.
كذلك يفيد الضامن وطالب الضمان من
الطعن المرفوع من أيهما في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية إذ اتحد دفاعهما فيها،
وإذا رفع طعن على أيهما جاز اختصام الآخر فيه، ويستثنى من القاعدة المتقدمة حالة
صدور الحكم المطعون فيه في موضوع غير قابل للتجزئة إذ في هذه الحالة يترتب على نقض
الحكم بالنسبة إلى بعض الطاعنين نقضه بالنسبة إلى الباقين كما أن بطلان الطعن
بالنسبة إلى بعض المطعون عليهم يستتبع بطلان الطعن برمته بالنسبة إلى الأخرين، وتطبيقا
لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه (إذا كان الحكم المطعون فيه قد صدر في موضوع
قابل للتجزئة هو بطلان إجراءات البيع الجبري فأن نقضه بالنسبة للطاعن يستتبع نقضه
بالنسبة لباقي الخصوم دون حاجة لبحث الأسباب التي بنى عليها الطعن الأخر) (طعن
318\ 551 سنة 48 قضائية) وقضت بأنه (نقض الحكم في موضوع غير قابل للتجزئة بطلان أو صحة حكم
مرسى مزاد وإجراءاته بالنسبة لبعض الطاعنين يستتبع نقضه بالنسبة للباقين) (طعن 867
سنة 44 قضائية) ومن حيث أثر النقض بالنسبة للأشخاص فقد بينته المــادة(283) مرافعات التي نصت على أنه( لا يفيد الطعن الا من رفعه ولا يحتج به الا على من رفع
عليه فيما عدا الاحكام الخاصة بالطعون التي ترفعها النيابة العامة وطعن المدين
الاصلي الذي يستفيد الضامن منه على انه اذا كان الحكم المطعون فيه صادرا في موضوع
غير قابل للتجزئة او في التزام بالتضامن جاز لمن فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم
او قبل ان يطعن فيه اثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد ممن لم يقبل الحكم من
زملائه منضما اليه في طلباته فان لم يفعل امرت المحكمة الطاعن بادخاله في الطعن
واذا رفع الطعن على احد المحكوم لهم في الميعاد في موضوع مما ذكر في هذه المادة
وجب اختصام الباقين ولو بعد فوات الميعاد)
ويستثنى من القاعدة المتقدمة التي تحكم أثر الطعن
بالنسبة إلى الأشخاص حالة اتحاد المركز الموضوعي للخصوم وأتحاد دفاعهم كما إذا
تعدد الملتزمون وأنكروا أصل التزامهم او دافعوا دعوى المطالبة به بدفع عام موضوعي
او قانونيا وصدر الحكم عليهم جميعاً فأن الطعن الذي يرفع من بعضهم بنقض الحكم
المطعون فيه ينصرف أثره الى الباقين، ويستثنى من قاعدة نسبية أثر حكم النقض بالنسبة إلى الأشخاص كذلك إذا
كان التزام الطاعن بالتضامن مع أحد المطعون عليهم، إذ في هذه الحالة يترتب على نقض
الحكم لصالح الطاعن نقضه كذلك بالنسبة إلى المطعون عليه (طعن 2461 سنة 56 قضائية)
المادة 283 من قانون المرافعات، كما يستفيد كل من الضامن وطالب الضمان من الطعن
الذي يرفعه أيهما إذا أتحد دفاعهما في الدعوى الأصلية (طعن 2461 سنة 56 قضائية)
المادة 283من قانون المرافعات، اما بالنسبة إلى أسباب الطعن، فإذا تعددت أسباب الطعن وتداولت كافة
أجزاء الحكم وقضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه فأما أن تكون حسبما يبين من
أسباب حكم النقض قد أخذت بجميع أسباب الطعن ففي هذه الحالة يكون النقض كليا شاملا
كل أجزاء الحكم التي تناولتها أسباب الطعن بالنقض،
وأما تكون قد استندت في نقض الحكم إلى قبول بعض
أسباب الطعن فقط وفى هذه الحالة إذا كان حكم النقض قد عرض لباقي الأسباب وقضى في
أسبابه برفضها فإن أجزاء الحكم المطعون فيه المتعلقة بهذه الأسباب تبقى قائمة
حائزة لقوة الأمر المقضي لا يمسها الحكم الناقض أيا كانت صيغة منطوقه أي سواء صرح
بقصر النقض على جزء الحكم المطعون فيه الذي تتعلق به أسباب الطعن التي قبلها أم لم
يصرح بذلك، اما إذا كان حكم النقض لم يعرض لباقي أسباب الطعن مكتفيا بنقض الحكم
المطعون فيه للأسباب التي أخذ بها سواء صرح بأن أخذه بهذه الأسباب يغنى عن التعرض
لباقي الأسباب أو لم يصرح بذلك فأن قضاء الحكم المطعون فيه في شأن أجزاء هذا الحكم
محل أسباب الطعن التي لم تتناولها محكمة النقض لا تحوز قوة الامر المقضي وتعود
الخصومة والخصوم في شأنها إلى ما كانت وكانوا عليه قبل صدور الحكم المنقوض وأكدت
على ذلك محكمة النقض المصرية في (طعن 1557 سنة 50 قضائية) (طعن 231 سنة 38 قضائية)
اما بالنسبة إلى الأحكام والأعمال القانونية
اللاحقة للحكم المطعون فيه:فالقاعدة المقررة بصريح نص المادة 301 مرافعات انه
يترتب على نقض الحكم المطعون فيه ألغاء جميع الأحكام أيا كانت المحكمة التي
أصدرتها وكافة الأعمال اللاحقة بصدور الحكم المنقوض متى كان هذا الحكم أساسا لها
بحيث تعود الخصومة في الدعوى التي صدر فيها الحكم أللاحق إلى ما كانت عليه قبل
صدور الحكم المنقوض، وقد أكدت على ذلك محكمة النقض المصرية في (طعن 306 سنة 59 قضائية) ولكن
مناط إلغاء الحكم أللاحق أن يكون قد أتخذ الحكم السابق المنقوض أساسا له وأكدت على
ذلك محكمة النقض في (طعن 461 سنة 48 قضائية)
ومتى قضت محكمة النقض باعتبار الحكم المطعون فيه
ملغيا أي لانهيار الأساس الذي بنى عليه الحكم وفقا للقاعدة المتقدمة وجب على محكمة
الإحالة للفصل في الموضوع عملا بنص المادة 283 من قانون المرافعات الذي سبقت
الأشارة إليه و أكدت على ذلك محكمة النقض في (طعن 795 سنة 49 قضائية) ويعتبر
حكم النقض سندا تنفيذيا صالحا لأعاده الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ الجبري
الذي تم بموجب الحكم المنقوض أو الحكم أللاحق عليه والذي اتخذه اساسا له إذ يتم
الألغاء بقوة القانون ودون حاجة إلى استصدار حكم بذلك،
وأكدت على ذلك محكمة النقض في (طعن276سنة 49
قضائية) (طعن 651 سنة 51 قضائية)وترى الأستاذة
بسنت الحلو :أنه قد يثور تساؤل لدى البعض مفاده لماذا
يكن النقض جزئيا وليس نقضا كليا تنظر بموجبه محكمة الاستئناف المحالة إليها الدعوى
من نقض الدعوى مرة أخرى بأسبابها كاملة ولا تلتزم بالأسباب التي تم نقضها فقط، ولكن هذا التساؤل مردود عليه إن
المشرع أصاب في ذلك لأنه عالج مشكلة أساسية وهي عدم تطويل أمد النزاع إذا كانت
محكمة النقض لم تقبل من أسباب الطعن المرفوع عن الحكم كله ألا ما يتعلق بجزء منه
ورفضت ما عداها ورغم ذلك تنظر محكمة الاستئناف في موضوع كله وهذا الموضوع يقبل
التجزئة مما يؤدى إلى إهدار الوقت وتطويل أمد النزاع، ولذلك فأن المشرع أصاب في
تقسيم النقض إلى كلى وجزئي، كما أن الأصل ان درجات التقاضي ثلاث درجات أذا تم نظر الموضوع كله من
محكمة الاستئناف رغم أن محكمة النقض لم تقبل من أسباب الطعن المرفوع عن الحكم كله
ألا ما يتعلق بجزء منه ورفضت ما عداها فأن بذلك سوف تزيد درجات التقاضي، والمشرع أصاب أيضا حينما نص على أذا
لم تكن المقارنة كافية للكشف عن طبيعة الحكم فإنه يمكن الرجوع إلى محكمة النقض عن
طريق طلب تفسير الذي يرفع إليها بالطريق المقرر في القانون وإلا فإن الأصل هو
اعتبار النقض كليا(النقض الجزئي، الأستاذة بسنت الحلو، ص8). والله اعلم.