الإثبات بصور المحررات
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
اشار
قانون الإثبات بأن الحجية في الإثبات تكون لأصول المحررات، وعلى هذا الأساس يفهم
البعض من ذلك ان القانون قد جرد صور المحررات من الحجية مطلقا ، في حين أن صور
المحررات تكون قرينة من القرائن التي يستند إليها الحكم القضائي حسبما قضى الحكم
الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-11-2014م
في الطعن رقم (55605)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وكان الثابت من الحكم الابتدائي
المؤيد بالحكم الاستئنافي المطعون فيه أنه قد قضى بأن المدعي قد اثبت صدق وصحة
دعواه حتى وإن كان ما قدمه لإثباتها صور فوتوغرافية لمستندات الملك للأرض والعقار،
لما ثبت أمام المحكمة الابتدائية بأن المدعي قد اثبت صحة ما جاء في محتوى تلك
المستندات المكتوبة المشتركة بينه وبين المدعى عليه الأول وفقاً لنص المادة (116)
من قانون الإثبات، كما بينت ذلك تفصيلاً المحكمة الابتدائية في حيثيات حكمها، وأضاف
الحكم المطعون فيه في حيثياته بأن :تلك الصور لها ما يؤيدها لوجود الإقرار في باطن
البصيرة التي لا تناكر بشأنها، والمحررات الرسمية المقدمة من مكتب الأشغال العامة(رخصة
البناء )، وثبوت المدعي على العين لمدة طويلة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم
حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: حجية صور المستندات الرسمية إذا كان اصلها موجوداً:
المحررات الرسمية هي تلك الصادرة عن الموظفين العمومين
المختصين، وقد بينت حجية صور المحررات
الرسمية المادة (101) من قانون الإثبات التي نصت على أنه (إذا كان أصل المحرر
الرسمي موجودا فإن صورته الرسمية خطية كانت أو فوتوغرافية تكون حجة بالقدر الذي
تكون فيه مطابقة للأصل وتعتبر الصورة الرسمية مطابقة للأصل ما لم ينازع في ذلك أحد
الطرفين ، وفي هذه الحالة تراجع الصور على الأصل ولكي تكون الصورة رسمية يجب أن
يوقع عليها من الموظف المختص بالمراجعة وأن تختم بالختم الرسمي للجهة التي أصدرتها
وأن يبين فيها أنها مطابقة للأصل)، ومن خلال استقراء هذا النص يظهر ان صورة المحرر
الرسمي تكون له حجيته إذا لم ينازع في ذلك الخصم فإذا نازع الخصم فتتم المطابقة والمضاهاة بين الأصل والصورة،
ولكي تكون لصورة المحرر الرسمي الحجية فيجب ان يتم التوقيع عليها من قبل الجهة
التي أصدرتها بعبارة (صورة طبق الأصل) أو يقوم بمراجعتها الموظف المختص ويكتب
عليها عبارة:( تمت مطابقتها على الأصل ) ويقوم بالتوقيع على هذه الإفادة.
الوجه الثاني: حجية صور المستندات الرسمية إذا لم يكن أصلها موجوداً:
بينت
حجية صور المحررات في هذه الحالة المادة (102) من قانون الإثبات التي نصت على أنه
(إذا لم يوجد أصل المحرر الرسمي كانت الصورة الرسمية المعمدة المصرح فيها بأنها
مطابقة للأصل بحجة على الوجه الآتي: تكون للصورة الأصلية المصدقة (المعمدة)
المنقولة من الأصل مباشرة والمقابلة عليه تنفيذية كانت أو غير تنفيذية حكم أصلها
متى ما كان مظهرها الخارجي لا يسمح بالشك في مطابقتها للأصل. يكون للصورة الرسمية
المصدقة (المعمدة) المنقولة من الصورة الأصلية الحجية ذاتها ولكن يجوز في هذه
الحالة لكل من الطرفين أن يطلب مراجعتها على الصورة الأصلية التي أخذت منها. -ج-
ما يؤخذ من صور رسمية للصورة المأخوذة من الصور الأصلية فلا يعتد به إلا لمجرد
الاستئناس تبعا للظروف)، ومن خلال استقراء ما ورد في هذا النص يظهر أن الصورة إذا
كانت طبق الأصل أو مذكور فيها بأنه قد قام بمطابقتها الموظف المختص فأنها في هذه
الحالة تكون حجة مثلها في ذلك مثل الأصل، اما إذا لم يذكر في الصورة انها طبق
الأصل أو انه تمت مطابقتها على أصلها فهذه الصورة لا تكون لها الحجية القانونية
المقررة للأصل وإنما تكون مجرد قرينة ولا تصلح ان تكون دليلاً لوحدها فلا يؤخذ بها
إلا إذا عاضدتها قرائن
أخرى.
الوجه الثالث: حجية صور المحررات العرفية:
المحررات
العرفية هي المحررات التي لم تصدر عن موظف عام اوجهة رسمية مختصة والتي لم يتم
توثيقها في قلم التوثيق أو تسجيلها في السجل العقاري، وصور المحررات العرفية لا
تكون حجة إلا إذا لم ينكرها الخصم أو اقر بها أو كان مكتوباً فيها أنها طبق الأصل
أو أنه تمت مطابقتها على اصلها من قبل المختصين، إلا أن صورة المحرر العرفي لا
تكون مجردة من الحجية تماماً، فتكون لها حجيتها في بعض الحالات :مثل حالة سبق
تسجيل أصلها لدى السجل العقاري، فصورة المحرر المسجل تكون لها حجيتها، لأن مكتب السجل العقاري لا يسجل العقار إلا من واقع
أصل المحرر، ومن المعلوم أن المحرر العرفي بعد تسجيله يصير محرراً رسمياً له
الحجية الكاملة في مواجهة الكافة، ولذلك فإن صورة المحرر العرفي الذي يسبق تسجيل أصله
تستمد حجيتها من حجية تسجيل اصلها، وكذلك الحال بالنسبة للمحرر العرفي الذي سبق توثيق أصله لدى قلم التوثيق المختص، وكذلك
تكون لصورة المحرر الحجية إذا كانت بخط المدين أو الملتزم حيث يتم التعامل في هذه
الحالة مع الصورة كما لو أنها نسخة أخرى
من الإلتزام الصادر عن المدين، وكذا تعد صورة المحرر العرفي حجة إذا رفض الخصم تقديم أصل
المحرر المشترك رغم تكليفه بذلك، فإذا رفض الخصم ذلك فإن الصورة تكون لها حجية
مثلما قضى الحكم محل تعليقنا، كذلك يكون لصورة المحرر حجية إذا ايدتها قرائن أخرى
مثل صدور رخصة البناء من الجهة الرسمية المختصة
بعد الإطلاع على أصل المحرر، وكذا تعد قرينة
حيازة المحتج بالصورة للمال المذكور في
صورة المحرر، وقد اعتمد الحكم محل تعليقنا صورة المحرر لأنها قرينة قد عاضدتها
القرائن الأخرى السابق ذكرها، والله اعلم.