إصابة العامل بالجلطة اثناء العمل
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
عرف قانون التأمينات الاجتماعية إصابة العمل في المادة (3) بأنها: (الإصابة نتيجة حادث بسبب
العمل أو اثناء تأديته ويكون بحكم ذلك كل حادث وقع للمؤمن عليه خلال فترة ذهابه
لمباشرة العمل أو إلى أي مكان حدده له صاحب العمل أو عودته منه أياً كانت وسيلة
المواصلات غير الممنوعة بشرط ان يسلك الطريق الطبيعي ودون توقف او تخلف او إنحراف
مالم يكن ذلك بغير ارادته)وإضافة إلى ذلك فإن الأمراض المهنية تعد من إصابات
العمل وقد حصرها قانون التأمينات
الاجتماعية في جدول خاص بها ملحق بالقانون
وليس من بين هذه الامراض الجلطة، ومن خلال هذا التعريف القانوني لاصابة العمل فإن
هناك من يفهم بأن الجلطة ليست مرضا مهنيا وفي الوقت ذاته ليست حادثا، لان الحادث يرجع
إلى أمر خارجي يقع من العامل أو عليه كالحادث المروري أو اطلاق النار على العمال
أو سقوط العامل على الأرض اما الجلطة فهي مرض غير مهني تقع لأسباب لاترجع إلى العمل، في حين قضى الحكم
محل تعليقنا بأن الجلطة إذا اصابت العامل اثناء ادائه لعمله أو بسببه أو بمناسبته
فأنها تكون إصابة عمل يجب على صاحب العمل تحمل الآثار والتكاليف والتبعات المحددة في
القانون المترتبة على إصابة العامل بالجلطة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة
المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-11-2014م في الطعن رقم
(55789)، وقد كانت اللجنة التحكيمية قد قررت أنه( لا تناكر فيما بين العامل وصاحب
العمل في إصابة العامل بالجلطة اثناء العمل وأنه قد تم اسعافه على اثرها إلى
المستشفى، ولذلك فإن العامل المصاب يستحق ثمانية رواتب للأشهر التالية عن اصابته
بالجلطة تحسب من تاريخ الإصابة وفقاً للمادة (80) عمل، كما يستحق العامل المصاب
نفقات العلاجات والعمليات والأدوية بموجب فواتير قانونية، كما يستحق العامل راتب
شهر واحد عن كل سنة خدمة مقابل مكافأة نهاية الخدمة والبالغة ثمانية وثلاثين
عاماً، وكذا يستحق العامل راتب شهر واحد عن رصيد الإجازة غير المستهلك وراتب شهر مقابل اتعاب ومخاسير القضية )، وقد قضت الشعبة الاستئنافية بتأييد
قرار اللجنة العمالية، وجاء ضمن أسباب الحكم الاستئنافي: ((وحيث تبين ان المستأنف
ضده كان يعمل لدى المستأنف كطباخ في مطعم المستأنف منذ عام 1972م، كما تبين ان
العامل المستأنف ضده اصيب بجلطة قلبية اثناء العمل على اثر ذلك تم اسعافه إلى
المستشفى، وهذا لا تناكر فيه)، وعند الطعن بالنقض اقرت الدائرة المدنية كل فقرات
الحكم عدا الفقرة الخاصة بتكاليف العلاج، حيث ورد في حكم المحكمة العليا: ((هذا
وعند عودة الدائرة إلى ما تضمنته عريضة الطعن والرد وباقي أوراق القضية وجدت الدائرة ان الحكم
المطعون فيه محل نظر كون اللجنة التحكيمية حكمت في الفقرة الثانية من منطوق حكمها
بأن المدعي يستحق نفقات العلاجات والعمليات والأدوية المنفقة بفواتير قانونية،
والمطلع في هذا يجده قضاءً معلقاً غير حاسم للخلاف، فكان اللازم على محكمة
الاستئناف مناقشة ذلك وإلزام المستأنف ضده المطعون ضده حالياً بإيصال أصول
الفواتير الرسمية القانونية ومواجهة المستأنف الطاعن حالياً بها وإستكمال مناقشة هذه
الجزئية بما يوافق القانون وإصدار حكم حاسم في هذه الجزئية حتى يتم تنفيذه، مما
يتعين معه النقض الجزئي للحكم فيما يتعلق بهذه الجزئية))، وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية إصابة العمل:
إصابة
العمل: هي تلك التي تقع اثناء قيام العامل بعمله أو بسبب قيام العامل بعمله أو
بمناسبة قيامه بعمله، فأية إصابة تقع للعامل خلال الفترات المشار إليها تعد إصابة
عمل، فلا يشترط في إصابة العمل ان تكون مترتبة على العمل ونوعه، كما يندرج ضمن
مفهوم إصابة العمل الامراض المهنية المحددة
في الجدول الملحق بقانون التأمينات،
ولذلك فقد كان صاحب العمل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان يجادل
في ان الجلطة القلبية التي اصابت العامل لم تكن حادثا كما أن الجلطة ليست مرضا
مهنيا وفقا لجدول الامراض المهنية الملحق بقانون التأمينات ، وإنما يرجع حدوث
الجلطة إلى أسباب أخرى لاعلاقة لها بظروف العمل، ولكن اللجنة التحكيمية ومن بعدها
الشعبة الاستئنافية والمحكمة العليا لم تعوّل على جدال صاحب العمل، لأن مفهوم
إصابة العامل عام وشامل لأية إصابة تقع على العامل اثناء عمله أو بسببه أو
بمناسبته بصرف النظر عن مصدر تلك الإصابة ، فالجلطة وان لم تكن مرضا مهنيا الا انها تندرج ضمن مفهوم الحادث الذي يصيب العامل
نتيجة قصف او تفجير أو حادث مروري أو إطلاق نار أو غيره، وعلى هذا الأساس فقد قضى
الحكم محل تعليقنا بأن إصابة العامل بجلطة قلبية في مقر عمله تعد إصابة عمل، وقد
عرف قانون التأمينات الاجتماعية إصابة العمل في المادة (3) بأنها: (الإصابة نتيجة
حادث بسبب العمل أو اثناء تأديته ويكون بحكم ذلك كل حادث وقع للمؤمن عليه خلال
فترة ذهابه لمباشرة العمل أو إلى أي مكان حدده له صاحب العمل أو عودته منه أياً
كانت وسيلة المواصلات غير الممنوعة بشرط ان يسلك الطريق الطبيعي ودون توقف او تخلف
او إنحراف مالم يكن ذلك بغير ارادته)، وقد صرحت هذه المادة بأن الأمراض المهنية
تندرج ضمن إصابة العمل ، وقد كان صاحب العمل الطاعن يجادل في ان الجلطة ليست
حادثاً، لأن الحادث هو الذي يحدث للعامل بسبب أمر خارجي كدهس سيارة أو إطلاق نار
اما الجلطة فهي ليست حادثاً وليست مرضاً مهنياً من وجهة نظر صاحب العمل ، وتبعاً
لذلك لا ينطبق على الجلطة تعريف إصابة العمل السابق ذكره، في حين قضى الحكم محل
تعليقنا بأن الجلطة تندرج ضمن مفهوم الحادث الوارد في قانون التأمينات الاجتماعية
السابق ذكره.
الوجه الثاني: إستحقاقات العامل المصاب بالجلطة:
إذا
تم تكييف الجلطة بأنها إصابة عمل فأنه يسري عليها أحكام إصابات العمل، ومن ذلك أنه
إذا ترتب على الجلطة وفاة العامل فإن الأشخاص الذين كان يعيلهم العامل يستحقوا المعاش التقاعدي ودية الخطأ المقررة في
المواد (36 و40 و41) من قانون التأمينات الاجتماعية، وكذلك يستحق العامل نفسه دية
الخطأ بالإضافة إلى المعاش التقاعدي إذا ترتب على الجلطة العجز المستديم للعامل، وإذا
ادت الجلطة إلى إصابة العامل بالعجز الجزئي
فأنه يستحق المعاش التقاعدي ، بحسب ما قرره قانون التأمينات الاجتماعية في
المادتين (24 و43)، اما إذا لم يكن صاحب العمل قد قام بالإشتراك في مؤسسة
التأمينات الاجتماعية فلم يقم بالتأمين على العامل المصاب لدى مؤسسة التأمينات فأن
صاحب العمل يتحمل كافة المستحقات المترتبة عن إصابة العامل المحددة في قانون
التأمينات الاجتماعية، حيث يتحملها صاحب العمل بدلاً من مؤسسة التأمينات على أساس
ان الجلطة إصابة عمل.
الوجه الثالث: اجور العامل المصاب بالجلطة:
لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قضى بأن
يدفع صاحب العمل (8 رواتب) إلى العامل المصاب بالجلطة إستناداً إلى المادة (83) من
قانون العمل التي نصت على أنه: ( 1- يستحق العامل الذي يصاب بمرض مهني او إصابة
اثناء تأدية عمله او بسببه اجازة مرضية بأجر كامل بناء على توصية اللجنة الطبية
المختصة حتى يبت في حالته الصحية وفقا لقانون التأمينات الاجتماعية .
2- يصدر الوزير المختص قرارا بتشكيل
اللجان الطبية المتخصصة وتحديد مهامها وأماكن عملها بالتشاور مع الجهات ذات
العلاقة ومع ممثلي العمال وأصحاب الاعمال) أي ان الحكم محل تعليقنا اعتبر الجلطة
إصابة عمل ولم يعتبرها مرضاً غير مهني، علما بأن العامل المصاب بمرض غير مهني ينطبق عليه ما ورد في المادة (80) من قانون العمل التي نصت على أنه: (
1- يستحق العامل عند مرضه اجازة مرضية متصلة أو متقطعة بالنسب والمعدلات التالية:-
أ. اجازة مرضية بأجر كامل في الشهرين
الاول والثاني من المرض.
ب. اجازة مرضية بنسبة 85% من الاجر في
الشهرين الثالث والرابع من المرض.
ج. اجازة مرضية بنسبة 75% من الاجر في
الشهرين الخامس والسادس من المرض.
د. اجازة مرضية بنسبة 50% من الاجر في
الشهرين السابع والثامن من المرض.
٣-للعامل ان يستفيد من
رصيد الاجازات السنوية إلى جانب ما يستحقه من إجازات مرضية فإذا استنفذت جميعها
منح العامل اجازة بدون أجر حتى يتماثل للشفاء او تثبت عدم ليقاته الصحية من
قبل الجهات المختصة.
٤- يكون في حكم الاجازة
المرضية كل مدة يقضيها العامل نزيل المستشفى لتلقي العلاج)، ومن خلال استقراء النصين
السابقين نجد أن الحكم محل تعليقنا قد اعمل على الجلطة حكم الحادث الذي يندرج ضمن إصابة
العمل لانه قضى للعامل بثمانية رواتب .
الوجه الرابع: سريان قانون العمل على العاملين في المطاعم والبوفيات والافران والمحلات التجارية :
تسري أحكام قانون العمل على العاملين في
المحلات والمطاعم والمخابز العادية، فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن قانون العمل
يسري على دعوى العامل لدى مطعم عادي أو بسيط( مطعم شعبي صغير )، فقانون العمل يسري
على كافة العمال بمن فيهم العمال في المطاعم والمخابز والبوفيات والمحلات، عملاً بنص
المادة (3) من قانون العمل التي نصت على أن: (تسري أحكام هذا القانون على جميع
أصحاب الأعمال والعمال إلا من يرد بشأنهم نص خاص في هذا القانون)، ولم يرد في
قانون العمل استثناء لعمال المطاعم والمخابز والمحلات من سريان قانون العمل عليهم.
الوجه الخامس: إستحقاق العامل لمكافأة نهاية الخدمة وغيرها من المستحقات التأمينية إذا لم يتم التأمين على العامل لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية
قضى الحكم محل تعليقنا بذلك، وسنده في
ذلك المادتان (120و121 ) من قانون العمل، فقد نصت المادة (120) عمل على أنه: ( 1-
يستحق العامل عند انتهاء خدمته معاشا شهريا او مكافأة مقطوعة وفقا لاحكام قانون
التأمينات الاجتماعية او وفقا لاي نظام خاص اخر اذا كانت شروطه افضل للعامل.
٢- إذا لم يكن العامل
مشمولا باحكام قانون التأمينات الاجتماعية او أي نظام خاص به وفقا لاحكام الفقرة
السابقة استحق من صاحب العمل مكافأة نهاية الخدمة بواقع مرتب شهر على الأقل عن كل
سنة من سنوات الخدمة وتحتسب هذه المكافأة على اساس آجر اخر شهر تقاضاه العامل.
٣- لا يجوز باي حال من
الاحوال حرمان العامل من مستحقاته المنصوص عليها في هذه المادة او اسقاط أي جزء
منها في كافة حالات انهاء عقد العمل)،
واستناداً إلى هذه المادة فقد قضى الحكم محل تعليقنا باستحقاق العامل
المصاب بالجلطة لمكافاة نهاية خدمة قدرها( 38) راتبا بواقع راتب شهر عن كل سنة
خدمة، اما المادة(121) من قانون العمل فقد نصت على أن( يتحمل صاحب العمل ما لم يكن
مؤمنا المسئولية المادية طبقا لهذا القانون وقانون التأمينات الاجتماعية لما يلحق
العامل من امراض مهنية او اصابات اثناء تأدية العمل أو بسببه)، واستناداً إلى هذا النص فقد قضى الحكم محل تعليقنا بتحميل صاحب
العمل كافة التكاليف المترتبة عن إصابة العامل بالجلطة، لان صاحب العمل لم يقم بالتامين على
العامل طرف المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، فلو كان صاحب العمل قد اشترك في
التأمينات الاجتماعية لتحملت مؤسسة التأمينات تبعات إصابة العامل بالجلطة.
الوجه السادس:
تكاليف علاج العامل يتم إثباتها عن طريق أصول الفواتير الرسمية:
قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يتم إثبات
تكاليف العلاج بموجب أصول فواتير رسمية
تتضمن المبالغ المدفوعة كنفقات علاج شريطة ان يتم عرضها على صاحب العمل ومواجهته
بها حتى يتمكن من مراجعتها والتأكد من صحتها وصحة البيانات الواردة فيها، كما قضى
الحكم محل تعليقنا بأنه ينبغي حسم مبالغ العلاج وتحديدها في الحكم ذاته، ولا ينبغي
تعليقها على عملية إحتساب في وقت لاحق بعد صدور الحكم، والله اعلم .