معنى فساد الاستدلال في الحكم

معنى فساد الاستدلال في الحكم

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يشوب الحكم الفساد في الاستدلال عندما تستخلص المحكمة نتيجة معينة من واقعة ليس من شأنها ان تؤدي إليها إلا إحتمالاً، إذ قد تسفر تلك الواقعة عن هذه النتيجة وقد لا تسفر عنها، وتقيم المحكمة قضاءها على هذا الإستخلاص، وهو إستخلاص فاسد، إذ كان يجب على المحكمة ان تبني هذا لقضاء على القطع واليقين وأسباب لا تقبل التأويل (محكمة النقض المصرية، 1762 لسنة 55 ق) وقد ذهبت المحكمة العليا اليمنية إلى هذا المذهب في قضائها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-8-2015م في الطعن رقم (57010)، الذي ورد ضمن أسبابه: 
((فإن الشعبة فيما استندت إليه واستدلت به لتبرير النتيجة التي توصلت إليها في المنطوق يدل على ان ذلك ليس مجرد فساد في الإستدلال فحسب بل مخالفة جسيمة للقانون، لأن الفساد في الإستدلال يتحقق عندما تستخلص المحكمة نتيجة معينة من واقعة ليس من شأنها ان تؤدي إليها)).
وسيكون تعليقنا على الحكم بحسب ماهو مبين في الوجهين الأتيين:

الوجه الأول: مفهوم الفساد في الاستدلال

لما كان الحكم يتألف من مقدمتين؛ مقدمة كبرى: تتمثل في النص القانوني الواجب التطبيق، ومقدمة صغرى: ممثلة في الواقعة المراد تطبيق النص عليها، فتكون محصلة تطابق المقدمتين أي تطبيق القانون على الواقع هو ترتيب الآثار القانونية الممثلة في صحة الحكم، فإذا حدث هذا التطابق فإن الحكم يكون صحيحا، ولابد من أن تكون المطابقة بين المقدمتين المؤدية للنتيجة بشكل سائغ ومقبول، وهذه العملية التي يقوم بها قاضي الموضوع هي عملية عقلية ذهنية منطقية، فإذا خلصت إلى نتائج غير منطقية من المقدمات كان الحكم مشوبًا بعيب الفساد في الاستدلال، ويظهر الاستدلال الذي يقوم به قاضي الموضوع من خلال أسباب الحكم التي تكشف عن صحة الاستدلال الذي قام به القاضي من حيث الواقع والقانون، فأسباب الحكم هي التي تجعل هذا الاستدلال أمرًا واقعًا ملموسًا، ولقد بينت التطبيقات العملية القضائية أن قاضي الموضوع يعنى بالواقع أكثر من عنايته بالقانون، حيث أنه عند صياغته لأسباب الحكم يعتمد على الأسلوب المنطقي المستند على تقديم الحجج والبراهين لإقناع الخصوم بعدالة الحكم، وهو ما أشار إليه الأستاذ "بيرلمان Perleman" من خلال تحليله للحجج في الخطاب القضائي الإقناعي المعتمد في المرافعات والمداولات والنقاش المرتكز على التأويل والجدال، وتأكيدًا لذلك فإن الأحكام تكون مشوبة بعيب الفساد في الاستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط، و بناءً على ذلك فإن الفساد في الاستدلال يكشف عن عدم سلامة المنطق القضائي الموجود في أسباب الحكم، وقد أوضحت محكمة النقض المصرية الفساد في الاستدلال من أحكام كثيرة صادرة منها مثل: 
يجب أن يؤدي استدلال الحكم إلى النتيجة التي بني عليها قضاؤه (نظرية الأحكام، أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور احمد ابو الوفا، 267).

 الوجه الثاني: مظاهر الفساد في الاستدلال

كشفت الأحكام الصادرة عن محكمة النقض المصرية عن مظاهر الفساد في الاستدلال، ويمكن عرضها بإيجاز على النحو الآتي:
1- أسباب الحكم، اعتبارها مشوبة بالفساد فى الاستدلال مناطه انطواءها على عيب يمس سلامة الاستنباط.

2- إقامة الحكم قضاءه على واقعة استخلصها من مصدر لا وجود له أو موجود ولكن مناقض لما استخلصه أو غير مناقض ولكن يستحيل عقلاً استخلاص تلك الواقعة منه. فساد فى الاستدلال.

3- الفساد فى الاستدلال. ماهيته. انطواء أسباب الحكم على عيب يمس سلامة الاستنباط. تحققه باستناد المحكمة إلى أدلة غير صالحة موضوعيًا للاقتناع بها.

4- أسباب الحكم تعتبر مشوبة بالفساد فى الاستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط.

5- فساد الحكم فى الاستدلال. ماهيته. استناد المحكمة فى اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها أو عدم فهم الواقعة التى تثبت لديها أو وقوع تناقض بين هذه العناصر.

6- الأصل في استنباط القرائن أنها من إطلاقات محكمة الموضوع .. إلا أنه يشترط أن يكون استنباطها سائغا وأن يكون استدلال الحكم له سنده من الأوراق ومؤديا إلي النتيجة التي بني عليها قضاءه. (نقض 23/2/1989 الطعون أرقام 1697 ، 723 ، 1760 ، 1762 ، 1775 لسنة 55 ق).

 والله اعلم. 



معنى الفساد في الاستدلال في الحكم