إثبات الشراكة بين العاملين اليمنيين في المحلات التجارية في السعودية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
تمنع
النظم النافذة في السعودية العاملين اليمنيين من تملك المحلات
التجارية بأسمائهم، ولذلك يلجأ اليمنيين العاملين في السعودية إلى فتح المحلات بتراخيص
تحمل أسماء المواطنين السعوديين مقابل مبالغ يدفعها العامل اليمني في الشهر أو السنة، فيكون ترخيص
المحل باسم المواطن السعودي، حيث يقوم المواطن السعودي بتأجير العامل اليمني ترخيص
فتح المحل وليس المحل ذاته اما إيجار المحل فإن العامل اليمني هو أيضا الذي يسدد
إيجار المحل لمالك العين وليس لصاحب الترخيص، وهذا يعني ان العامل اليمني يدفع
إيجارين الأول: إيجار المحل إلى المالك وإيجار الترخيص لصاحب الترخيص، وفي غالب
الاحيان يتشارك في تشغيل المحل أكثر من عامل يمني، وبما أن المحل التجاري يكون في
الظاهر باسم صاحب الرخصة أو الترخيص السعودي فتحدث إشكاليات كبيرة في إثبات شراكة
العاملين اليمنيين في تشغيل تلك المحلات،
وتظهر الأهمية العلمية للحكم محل تعليقنا أنه قد اجاز للعامل اليمني ان يرفع دعواه
على شريكه اليمني أمام المحاكم اليمنية إضافة إلى أنه قد اجاز إثبات هذه الشراكة
بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً بما في ذلك شهادات الشهود حتى تحفظ حقوق
العاملين خارج اليمن، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-7-2017م في الطعن رقم (58557) الذي ورد ضمن أسبابه:
((وبإطلاع الدائرة على الحكم الاستئنافي المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائي وعلى
أوراق القضية، فقد وجدت الدائرة : ان الحكم الاستئنافي قد استند في أسبابه إلى
القول: بأنه قد تبين للشعبة إتفاق الأخوين المستأنف والمستأنف ضده على أن المطعم هو للشخص السعودي صاحب الترخيص وان
العين المؤجرة للمطعم ملك لمواطن سعودي اخر ، وكان الثابت عدم تقديم المستأنف ما
يفيد قيامه بتأسيس المطعم أو تجهيزه أو ملكيته لشيء فيه أو تقديم مايثبت وجود
العلاقة الخاصة فيما بينه وبين المواطن السعودي بشأن المطعم وكيفية تصريف الحقوق
المالية بينهما بإعتبار أن المطعم باسم المواطن السعودي لعدم جواز قيام اليمنيين
بفتح محلات خاصة بهم في السعودية إلا لمن يحمل الجنسية السعودية، وصرح الحكم الاستئنافي بأن ذلك يوجب الحكم على الظاهر في الواقع وهو
عدم صحة الدعوى من المدعي على أخيه المدعى عليه بالشراكة بالمطعم، لأن المدعى عليه
قد نفى الشراكة وادعى أنه مجرد عامل عند السعودي صاحب المطعم، وهذا الأمر كافٍ
بنظر الشعبة لتأييد الحكم الابتدائي بعدم صحة دعوى الشراكة وعدم الإلتفات إلى
شهادات الشهود (عشرة شهود) شهدوا بأن المطعم باسم السعودي ولكنه في الواقع شراكة
بين الاخوين الطاعن والمطعون ضده، وقد أستند الحكم الاستئنافي في قضائه إلى
الأوراق الرسمية التي ابرزها المطعون ضده التي اثبتت ان رخصة المطعم باسم المواطن السعودي وان العين المؤجرة ملك
لمواطن سعودي آخر، والدائرة: تجد أن ما انتهى إليه حكم الشعبة بعدم صحة دعوى
الشراكة فيما بين الاخوين الطاعن والمطعون ضده قد انطوى على خطأ في تحصيل وقائع
النزاع، فالطاعن في دعواه لم يدعي ملكية العين او ملكية رخصة المطعم حيث أنه مقر
بأن ملكية العين والترخيص باسم المواطنين السعوديين
وإنما الطاعن كان ينازع اخيه في الحق في تشغيل المطعم وملكية مكوناته وارباحه ،
وفي هذا السبيل تقدم الطاعن بعشرة شهود
أمام الشعبة لإثبات دعواه إلا أنها التفتت عن ذلك مما يصم حكمها بالقصور في
التسبيب))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الوضعية الواقعية والقانونية للعاملين اليمنيين في المحلات التجارية في السعودية:
ورد في الحكم محل تعليقنا أن النظم النافذة في
السعودية تمنع على غير السعودي ان يفتح محل تجاري باسمه كالمطعم والبقالة وغيره،
ولذلك يقوم العمال اليمنيين الراغبين بفتح المحال التجارية بالإيعاز إلى المواطن
السعودي بالحصول على الترخيص المطلوب باسم المواطن السعودي، في حين ان العامل
اليمني هو الذي يقوم بتمويل المحل بداية من تكاليف الترخيص ومتطلباته إلى تشغيل
المحل وإدارته وجني ارباحه، ومقابل الترخيص يقوم العامل اليمني في غالب الأحيان
بدفع مبالغ مقطوعة شهرية أو سنوية للمواطن السعودي الذي يحمل ترخيص المحل اسمه، وبالطبع
يقوم العامل اليمني بسداد الايجار لمالك العين المؤجرة للمحل، وفي بعض الحالات
يكون المواطن السعودي شريكا للعامل اليمني حيث يحتسب لصاحب الترخيص نسبة من ارباح
المحل، وفي كل الأحوال يكون المحل في الواقع ملكاً للعامل اليمني الذي يقوم
بتشغيله وتموليه وجني ارباحه وتحمل مخاسيره، وقد يقوم العامل اليمني وحده بتشغيل
المحل لحسابه وعلى مسئوليه، وقد يتشارك مع غيره من اليمنيين وغيرهم، وبناءً على
ذلك يكون المحل من الناحية الظاهرية والرسمية مسجل باسم المواطن السعودي، ولذلك
يقوم بعض العمال اليمنيين بالحصول على ورقة ضد عبارة عن إقرار من المواطن السعودي
بأن المحل تحت مسئولية العامل اليمني وان أموال المحل وارباحه وخسائره أمر خاص
بالعامل اليمني وبعضهم قد لا يحصل على هذا الإقرار، ومن ناحية ثانية فأنه يتعذر
على شريك العامل اليمني في المحل ان يحمي حقه أو يثبت شراكته في المحل بطريقة
نظامية للصورية التي تحيط بنشاط المحل من كل ناحية لان يمتنع على المواطن اليمني
إثبات خلاف الصورية لان الأنظمة السعودية تمنع الادعاء بخلاف الصورية ، فالأنظمة
في السعودية تمنع غير السعودي من فتح محل تجاري باسمه، ولذلك يلجأ الشركاء للعامل
في المحل الى إثبات شراكتهم للعامل في المحل بطرق الإثبات المختلفة منها: تحرير
عقد شراكة عرفي أو إثبات الشراكة بطرق الإثبات المختلفة، ومنها الشهادات مثلما قضى
الحكم محل تعليقنا، ونتيجة للصورية التي تحيط بالمحال التجارية المشار إليها تحدث
نزاعات وإشكاليات بين الشركاء في المحال الذين يكونوا في الغالب من الأقارب، ولا
تقتصر هذه الإشكاليات على إثبات الشراكة بل تمتد لتشمل إثبات الأرباح والخسائر
والمصروفات، ومن الطريف أنه حتى في مدينة نيويورك وغيرها من المدن الامريكية
يتعامل العمال والمغتربين اليمنيين بالطريقة ذاتها وتحدث الإشكاليات فيما بينهم
بشأن هذا الموضوع .
الوجه الثاني: إختصاص المحاكم اليمنية في الفصل في نزاعات اليمنيين بشأن المحال التجارية خارج اليمن:
بصرف النظر عن موقف قانون المرافعات في هذه
المسألة فان المغتربين اليمنيين يفضلوا رفع دعاويهم بشأن الشراكة في المحال التجارية
خارج اليمن أو تأجيرها لبعضهم البعض والمطالبة بارباحها يفضل الجميع رفع دعاويهم
أمام المحاكم التجارية باليمن مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل
تعليقنا، لأن القضاء في الدول الأخرى لا يكفل للمغترب المتعامل بالصورية حقه لانع
تلك القوانين لاتسمح بغير ماورد في المستندات الرسمية الصورية ، فالقضاء خارج
اليمن يركن إلى المستندات الظاهرية التي لا تعبر عن حقيقة الوضع للمحل التجاري
ونشاطه نتيجة الصورية المشار إليها إضافة إلى أن إثبات الصورية يقود المغتربين
اليمنيين إلى اتهامهم بالتصوير وانتحال الصفة ، وعلى كل حال فان حق اليمني مكفول
في اللجوء إلى القضاء في النزاعات التي تقع فيما بينه وبين شركائه اليمنيين في
المحل التجاري الواقع خارج الوطن، وفي هذا المعنى نصت المادة (78) مرافعات على أن:
(تختص المحاكم اليمنية بالدعاوى المرفوعة على اليمني ولو لم يكن له موطن أو محل
إقامة في اليمن فيما عدا الدعاوى المتعلقة بعقار في الخارج)، فنزاع اليمنيين بشأن
محالهم التجارية خارج اليمن تندرج ضمن هذا
النص، لأن النزاع يكون بشأن نشاط المحل وليس ملكية العقار المؤجر للمحل، والله
اعلم .