عدم اعتراض الخصم على قول خصمه قرينة على صحة القول
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
خلال المواجهة بين الخصوم أمام القضاء يتبادل الخصوم دعاويهم وردودهم وتعقيباتهم في
مجلس القضاء، ومن خلال ذلك يستطيع القاضي الإحاطة بتفاصيل القضية ومعرفة الحقيقة، كما
ان الخصم حينما يقف أمام القضاء في خصومة يكون في موقف الحاجة إلى بيان، إذ ينبغي عليه الرد أو الاعتراض على الاقوال
التي يدلي بها خصمه، لان إجراءات التقاضي تتم في مواجهته حتى يباشر حقه في الدفاع عن
نفسه او حقوقه ومصالحه في مواجهة الاقوال التي يدلي بها خصمه أمام القضاء، فإذا
سكت الخصم ولم يرد أو يعترض على قول خصمه فإن ذلك قرينة على صحة قول الخصم، حسبما قضى الحكم
الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-12-2014م
في الطعن رقم (55627)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (وعليه ومما سبق تبين ان
المدعى عليه سدد الإيجارات إلى نهاية شهر سبتمبر 2011م لعدم اعتراض المدعي على رد
المدعى عليه في ذلك) وقد ايدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب
الحكم الاستئنافي (فالثابت ان وكيل المؤجرين لم يعترض على ما ورد في رد المدعى
عليه على الدعوى بشأن تسديد الإيجارات حتى سبتمبر 2011م، فعدم اعتراض الوكيل المدعي على قول المدعى عليه يعد قرينة قوية على صحة
قول المدعى عليه)، وعند الطعن بالنقض اقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم
الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وحيث ان الحكم الاستئنافي قد
جاء موافقاً من حيث النتيجة للشرع والقانون لما علل به واستند إليه قضاؤه بتأييد
الحكم الابتدائي))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: حجية القول في معرض البيان (امام القضاء):
تقوم
إجراءات التقاضي والتداعي على المرافعات الشفوية والمذكرات المتبادلة بين الخصوم
أمام المحكمة إعمالاً لمبدأ المواجهة بين الخصوم، فالمقصود من إجراءات التقاضي ان
يقوم الخصم اثناء ذلك بالرد أو الإعتراض أو الإقرار بما ورد في أقوال خصمه حتى
يستبين القاضي حقيقة القضية، فمجلس القضاء هو المكان المقرر قانوناً لعرض اقوال
الخصوم وحججهم وبراهينهم وردودهم وتعقيباتهم، فإذا لم يعترض الخصم أو يرد على قول خصمه
فإن ذلك قرينة على صحة قول خصمه، لان الخصم أمام القضاء يكون في معرض البيان ،
حسبما قضى الحكم محل تعليقنا. .
الوجه الثاني: وقت إعتراض الخصم على قول خصمه:
لا
يتشرط ان يعترض الخصم على قول خصمه فور الأدلاء بالقول ، إذ ان الإعتراض أو الرد
قد يحتاج إلى دراسة وبحث عن الأدلة، ولذلك يحق للخصم ان يعترض على قول خصمه في أي
وقت حتى يتم حجز القضية للحكم فيها، غير أنه يحبذ ان يعترض الخصم على خصمه في وقت
يتسع لتعقيب الخصم عليه.
الوجه الثالث: عدم الإعتراض على قول الخصم وقاعدتي (لا ينسب إلى ساكت قول) و(السكوت في معرض الحاجة بيان ):
تعني
قاعدة (لا ينسب إلى ساكت قول) ان سكوت الخصم عن الرد أو الإعتراض لا يحمل على أنه
مصادقة على صحة قول خصمه، ولكن مجال إعمال هذه القاعدة حينما يكون السكوت في غير
معرض الحاجة إلى بيان، اما حينما يكون الساكت في معرض البيان مثل مجلس القضاء فإن السكوت
يكون قرينة على صحة قول الخصم ، إذ أن مجلس القضاء يتطلب من الخصوم ان يبينوا جوانب
الخصومة من أقوالهم وردودهم المتبادلة حتى
يفصل القضاء في خصوماتهم، فأمام القضاء يتم تطبيق قاعدة (السكوت في معرض الحاجة
بيان) التي وضعها الفقهاء حيث تنتظم في نطاق قاعدة (السكوت في معرض الحاجة
بيان) تنتظم فيها الاستثناءات التي ترد
على قاعدة (لا ينسب إلى ساكت قول)، وقد وردت هذه القاعدة في المادة(7 ) من القانون
المدني التي نصت على أنه(لاينسب لساكت قول إلا ما استثني بنص خاص )، وهذا النص
يبين ان هناك استثناءات مقررة على هذه القاعدة ومن ذلك قاعدة( السكوت في معرض
الحاجة بيان ، وقبل صدور القانون المدني اليمني بفترة طويلة وردت قاعدة
(السكوت في معرض الحاجة بيان) في المادة (67) من مجلة الأحكام العدلي العثمانية
بعبارة (لا ينسب إلى ساكت قول لكن السكوت في معرض الحاجة بيان)، فذلك يعني أن السكوت
فيما يلزم التكلم به إقرار وبيان)، فقد ذهب الفقهاء إلى ان الشخص في حالات معينة
يجب عليه ان يعبر عن إرادته فلا يجوز له ان يلتزم الصمت ويتذرع بالسكوت، فإن لم
يفعل فيعد سكوته في هذه الحالات بمثابة البيان والتعبير عن الإرادة عن طريق
الإعتماد على القرائن. (مبدأ الرضاء في العقود، د.علي القره داغي 2/972)، والله
اعلم .