إشكاليات الشركات والمؤسسات
العائلية في اليمن
أ.د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
ليس خافياً ان غالبية الشركات والمؤسسات التجارية الخاصة في اليمن هي شركات عائلية تنشاء بين اقارب كالأخ واخوانه والأب وابنائه...الخ،
وليس هناك حرج أو ضرر من وجود هذه الشركات والمؤسسات
العائلية بل على العكس فانها المساهم الأكبر في النشاط الاقتصادي والتنموي في اليمن في الماضي والحاضر والمستقبل، ولكن هناك
إشكاليات ومعوقات تحد من نشاط هذه الشركات والموسسات، فلو تجاوزت الشركات العائلية المعوقات والإشكاليات لتوسع نشاطها وازدادت
ارباحها ولأمنت المخاطر المستقبلية ولتعاظم دورها في النهوض
بالاقتصاد الوطني، وسوف نقتصر في هذه المقالة على الاشارة بايجاز إلى الإشكاليات الواقعية العملية
التي تعاني منها الموسسات والشركات العائلية بسبب طبيعتها كشركات عائلية فلن نتعرض للمعوقات والاشكاليات الاخرى، وسوف نعرض ذلك
كما يأتي:
أولاً: ماهية الشركات العائلية واهميتها ودورها، وتفاوت الإشكاليات فيما بين
الموسسات:
الشركات العائلية مصطلح معاصر مشتق من (العائلة) ويطلق هذا المصطلح على
الشركات والمؤسسات التجارية التي تنشاء بين الاقارب أو يرثها الاقارب كالشركة او
المؤسسة التي تنشاء بين الأب وأولاده أو بين الأخوة أو تنتقل إلى الورثة كتركة بعد موت مورثهم مالك الموسسة،حيث يكون
الباعث على وجود هذه الموسسات والشركات هو الثقة وقوة العلاقة المتبادلة فيما بين
الشركاء الاقارب وتبادل المنافع ورعاية المصالح المشتركة بينهم كما أن الواقع قد يفرض وجود هذه الشركات
كالشراكة التي تنشاء بين الورثة ، واغلب الشركات والمؤسسات التجارية العاملة في
اليمن إن لم تكن كلها هي شركات ومؤسسات عائلية ،وهذه الشركات هي المساهم الأكبر في النشاط الاقتصادي والتجاري والتنموي في اليمن، ومن هذا المنطلق تكمن اهمية هذه الشركات وأهمية وقوف الدولة إلى جانبها
ومساعدتها في معالجة إشكالياتها، ولا شك ان إشكاليات الشركات العائلية نسبية إلى
حد ما تختلف بإختلاف الشركات والمؤسسات العائلية وعمرها وحجم نشاطها
والخبرات والتجارب المتراكمة لديها ومدى وجود نظم وادلة تعمل بموجبها،ومن ناحية أخرى فان هذه الاشكاليات متداخلة ومرتبطة
ببعضها،علاوة على أن الاشكاليات المقصودة في هذه المقالة هي الاشكاليات المتعلقة
أو المرتبطة بطبيعة الموسسات والشركات العائلية وليس الاشكاليات الأخرى التي ترجع
لاسباب اخرى.
ثانياً: إشكاليات الشركات والمؤسسات العائلية:
من خلال الدراسات والمؤتمرات وورش العمل التي ناقشت هذه المسألة يمكن
تلخيص وعرض هذه الإشكاليات على النحو الاتي:
الإشكالية الأولى: تحميل الشركة او المؤسسة المصاريف الشخصية للشركاء الاقارب:
نتيجة لعدم وجود نظم في بعض المؤسسات التجارية العائلية فان صاحب المؤسسة
او اقاربه العاملون فيها يحملون المؤسسة العائلية مصاريفهم الشخصية ويترتب على ذلك
إشكاليات أخرى كثيرة كالخلاف بين ملاك
المؤسسة بشان تحميل الشركة أو الموسسة تلك
المصاريف وكذا يترتب على ذلك عدم معرفة ارباح الموسسة بدقة، كما ان ذلك
يخل باستقلال الشخصية الاعتبارية والذمة المالية للمؤسسة العائلية التي تحتم أن تكون الموسسة العائلية مستقلة عن افراد العائلة الشركاء فيها أو ملاك المؤسسة او العاملين فيها، فاستقلال الموسسة العائلية يقتضي ان لا تتحمل
المؤسسة إلا نفقاتها ومصاريفها اللازمة لأعمال وانشطة المؤسسة، وفي مواجهة هذه
الإشكالية فان بعض الشركاء والمؤسسات تخصص لملاك المؤسسة أو الاقارب العاملين فيها مبالغ شهرية ثابتة محدودة ومقطوعة لمواجهة الصرفيات الشخصية لملاكها حيث يتم الاتفاق بشأنها مقدما فيما بين ملاك المؤسسة او
الشركاء فيها.
الإشكالية الثانية: عدم تحديد صفة العاملين الأقارب في المؤسسة:
من الإشكاليات الواقعية الكثيرة التي يتكرر وقوعها في بعض الشركات والموسسات العائلية عدم تحديد صفة
الأقارب العاملين في المؤسسة هل هم عمال أو موظفين او شركاء؟ واذا كانوا شركاء فما مقدار حصصهم...الخ؟ وتسبب هذه
الاشكالية إثارة النزاعات فيما الاقارب في الموسسة العائلية ، ولذلك ينبغي معالجة هذه الإشكالية عن طريق إتفاق الاقارب المسبق وابرام عقود بين
الملاك والعمال الاقارب لتحديد وضعيتهم في المؤسسة
ومقدار رواتبهم والنص على انهم ليسوا شركاء ولا يجوز لهم الادعاء مستقبلا أو المطالبة باية حقوق على هذا الاساس، واذا كان هؤلاء العاملين شركاء فينبغي ان يتضمن
العقد نسبة شراكتهم وعدد حصصهم وشروط الشراكة وما
يحق لهم وما يجب عليهم، فعدم إبرام عقود بين الاقارب في هذا الشأن يؤدي إلى إثارة النزاعات
والخلافات بين الشركاء او ملاك المؤسسة في المستقبل حيث يدعي بعض العاملين الاقارب
الشراكة في المؤسسة باعتبارهم مشاركين فيها بعملهم وجهدهم وانهم يستحقون حصص وارباح مقابل جهدهم وعملهم،وكذا يثور الخلاف بين الاقارب بشأن حصص السعي والعمل الذي قام به الملاك او الشركاء حيث يدعي كل واحد
منهم بمقابل سعيه او الجهد الذي بذله في تنمية املاك
المؤسسة وتعظيم ارباحها واموالها(الشركات العائلية في
اليمن -مشاكل وحلول،ا.د عبد المؤمن شجاع الدين ،ورقة عمل مقدمة لمؤتمر الشركات
العائلية في اليمن،فندق موفمبيك صنعاء,ص5 ) .
الإشكالية الثالثة: الجمع بين ملكية المؤسسة العائلية وادارتها:
حيث يتوزع الاقارب في الشركة أو الموسسة العائلية المناصب
الرئيسية في الادارة، وقد لا تتوفر لبعضهم المهارات والخبرات
والمؤهلات اللازمة لذلك، ولمعالجة هذه
الإشكالية فان بعض الشركات والمؤسسات العائلية تنظم دورات نوعية قصيرة الاجل
للمدراء الاقارب كلا في المجال الذي يخصه حيث تعقد هذه الدورات في مقر المؤسسة كما تستعين بعض الشركات والمؤسسات العائلية
بالخبراء الذين يضعون الانظمة والادلة الاجرائية والنماذج اللازمة
حيث يتحول عمل المدراء الاقارب إلى نوع من
الاشراف والمتابعة للموظفين لحملهم على تنفيذ تلك الانظمة والادلة وعدم الخروج
عنها(المرجع السابق،ص3 ).
الإشكالية الرابعة: عدم تنظيم بعض المؤسسات العائلية(الموسسة الفردية):
بعض المؤسسات التجارية العائلية تتخذ شكل المؤسسة الفردية التي تكون عبارة عن اسم تجاري مسجل لدى وزارة الصناعة والتجارة كمؤسسة فردية
باسم احد الاقارب، حيث لا تتخذ أيا من اشكال الشركات التجارية المحددةفي قانون الشركات
الذي ينص على ان الشركات التي لا تتخذ احد الاشكال القانونية للشركات المحددة في قانون الشركات يكون المؤسسون لها مسئولين عنها مسئولية تضامنية أي ان اموالهم الشخصية الأخرى تكون ضامنة لأنشطة
واعمال المؤسسة الفردية،فيكون الاقارب
مسئولين عن انشطة واعمال المؤسسة الفردية
حتى في اموالهم الشخصية حسبما نص قانون الشركات، ولمعالجة هذه الإشكاليات
فقد قامت بعض المؤسسات الفردية بالتحول إلى شركات ذات مسئولية محدودة واحتفظت بالاسم التجاري السابق تسجيله لدى وزارة الصناعة والتجارة فيتم تعديل الكلمة
الأولى من مؤسسة إلى شركة وفي نهاية الاسم تضاف كلمة محدودة حتى تصير شركة محدودة لا تكون مسئولة إلا في حدود رأسمالها فقط لكي تكون اموال الشركاء الاقارب بمأمن من أية مخاطر أو تعثر قد تتعرض له الشركة، إضافة إلى ان بعض المؤسسات الفردية تعاني من إشكالية عدم وجود الانظمة والادلة المختلفة اللازمة لسير اعمال المؤسسة التي تمنع الاجتهادات
المختلفة والتناقضات والتباينات بين الشركاء الاقارب وتوحد الرؤئ وتمنع
حدوث التباينات في طرق الادارة التي تكون سبباً في اثارة الخلافات بين الشركاء
الأقارب.
الإشكالية الخامسة: عدم وجود آلية واضحة ومحددة وسليمة لإدارة الخلافات التي قد تنشاء بين الاقارب في الشركة:
الخلافات سنة من سنن الحياة التي لا تستطيع أية شركة او مؤسسة منع حدوثهاً وان كان التنظيم
يحد منها، وفي كل الأحوال فانه يجب على المؤسسات والشركات التجارية العائلية ان تمتلك ادارة حكيمة وآلية
سريعة وفاعلة لإدارة الخلافات
التي تحدث بين الاقارب الشركاء كما ينبغي تحديد الشخصية
العائلية العادلة القادرة على التدخل في الوقت المناسب لاحتواء الخلاف وتحديد الاجراءات الواجب إتباعها عند حدوث الخلاف كما ينبغي على الشركات العائلية ان تمتلك
دستوراً عائلياً يتفق عليه الشركاء الاقارب مسبقا حيث يتم الاتفاق على إلتزام الشركاء به واحترامهم له في كل الأحوال لاسيما في حالة
الخلاف حيث يتضمن هذا الدستور او المدونة ما يجوز للشركاء
وما لا يجوز لهم في كل الأحوال خاصة في حالة الخلاف، فهذا الدستور يكون بمثابة مدونة سلوك اخلاقية يلتزم بها الشركاء
ويحترمونها، لان إبتكار الآليات المناسبة لإدارة الخلافات
بين المديرين او الشركاء الاقارب هي البديل والوسيلة المناسبة لمواجهة فوضى الخلاف وعدم
السيطرة عليه الذي يؤدي في حالات كثيرة إلى تعطيل الشركات العائلية وشل قدراتها، فعدم وجود إدارة لحسم الخلافات يؤدي
إلى لجو بعض الاقارب إلى وسائل الحجز على اموال الشركة العائلية وتصفيتها في حالات كثيرة بسبب عدم
القدرة على السيطرة على الخلافات لعدم وجود الية مناسبة
ووسائل
إستباقية للتعامل مع الخلافات بين الاقارب، ولا شك ان تعثر الشركات والمؤسسات التجارية العائلية بسبب عدم القدرة
على تسوية الخلافات الطارئة يلحق الضرر الفادح بالشركات العائلية والوطن باسره،
ولذلك فان من الواجب الوطني ان تقف الدولة مساندة وداعمة للشركات العائلية لمعالجة
ومواجهة الإشكاليات التي تعاني منها،والله اعلم .