تحكيم الجماعة من غير تسميةً المحكمين

تحكيم الجماعة من غير تسميةً المحكمين

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في حالات كثيرة يقوم الأشخاص المختلفون بتحكيم قبيلة كذا أو اسرة كذا او آل كذا حيث يتم التحكيم في هذه الحالة بصفة عامة للمشائخ أو بني فلان عامة دون ان يتم ذكر اسماء المحكمين لاسيما حينما يكون الخلاف بين قبيلة وقبيلة اخرى أو  اسرة واسرة اخرى أو حينما يقع الخلاف بين أشخاص يعيشون ضمن نطاق إختصاص مشائخ متنافسين، وان كان هذا التحكيم  مقبولا في العرف غير ان القانون والقضاء لهما موقف مغاير حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/8/2016م في الطعن رقم (57683)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم : انه تشاجر شخصان  على موضع زراعي فقام الطرفان بتحكيم آل .... للفصل في النزاع دون ان يتم ذكر اسماء ال... في وثيقة التحكيم، فأجتمع آل .... حيث اختاروا ثلاثة منهم للفصل في النزاع حيث اصدر الثلاثة حكم التحكيم،فقام احد  الخصوم بتقديم دعوى بطلان حكم التحكيم لعدم ذكر اسماء المحكمين في وثيقة التحكيم، إلا أن الشعبة المدنية رفضت دعوى البطلان وعللت حكمها بان اسماء هيئةالتحكيم قد تحددت بذكر آل .... والمحكمون الذين فصلوا في النزاع هم المختارون من آل .... ، غير ان الدائرة المدنية نقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان الحكم الاستئنافي المطعون فيه لم يكن موافقاً من حيث النتيجة للقانون فقد خالف المادتين (15 و 17) تحكيم حيث خلت وثيقة التحكيم من ذكر اسماء واشخاص المحكمين واكتفت بذكر آل .... إجمالاً، فالمادتان المذكورتان آمرتان تتعلقان بالنظام العام،فقد كان ينبغي على الشعبة في هذه الحالة إعمال المادة (55) تحكيم التي تنص على إبطال حكم التحكيم من تلقاء نفسها ولو لم يطلب منها ذلك احد الخصوم، فوثيقة التحكيم في هذه القضية باطلة لعدم تعيين اشخاص المحكمين،وهو ما كان ينبغي على الشعبة ان تحكم به) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: أسباب تحكيم الجماعة أو الاسرة من غير ذكر اسمائهم:

كما هو معلوم ان تحكيم الجماعة جائز طالما أن عددهم وترا (3 أو 5 أو 7 ...الخ) شريطة ان يتم ذكر اسماء الجماعة او الاسرة، ولكن هناك إعتبارات عملية سائدة في اليمن تجعل الخصوم او اطراف التحكيم يقومون بتحكيم الاسرة أو القبيلة من غير تسمية هيئة التحكيم، ومن اهم هذه الاعتبارات ان يكون هناك مشائخ او وجهاء متنافسين على المشيخ والرئاسة في المنطقة التي يقع فيها العقار محل الخلاف، مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا او حينما تقع واقعة في هذه المنطقة التي يكون فيها المشيخ او الرئاسة محل خلاف، فيترك المحتكمون تسمية المحكمين لهؤلاء المتنافسين الذين يتولون تسمية هيئة التحكيم من بينهم، كما قد يكون الباعث على تحكيم الاسرة أو القبيلة او الوجهاء في منطقة معينة هو الثقة بالجماعة التي يتم تحكيمها فيستوى عند المحتكمين ان يتولى التحكيم أي شخص أو اشخاص من تلك الجماعة المختارة، وأيضاً قد يكون الباعث على تحكيم الجماعة من غير تسمية خلاف المحتكمين انفسهم على تسمية هيئة تحكيم من بين الوجهاء او المختصين فيترك المحتكمون تسمية هيئة التحكيم للجماعة التي تم تحكيمها.

الوجه الثاني: بطلان تحكيم الجماعة من غير ذكر اسماء المحكمين وأسباب ذلك:

قضى الحكم محل تعليقنا ببطلان التحكيم اذا كانت وثيقة التحكيم قد تضمنت تحكيم الوجهاء او المشائخ في قبيلة كذا أو آل كذا أو اهل الخبرة والاختصاص في مجال كذا، لان ذلك يخالف المادة 17 تحكيم التي نصت على انه (يجب تعيين شخص المحكم او المحكمين في إتفاق التحكيم وفيما عدا التحكيم بين الزوجين او الحالات التي يتفق فيها الطرفان على خلاف ذلك اذا تعدد المحكمون وجب ان يكون عددهم وتراً وإلا كان التحكيم باطلاً) ومن خلال إستقراء صيغة هذا النص نجد انها تفيد الوجوب حيث بدأ النص بكلمة (يجب) التي تفيد الوجوب او الأمر والالزام ، ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بان هذه المادة آمرة متعلقة بالنظام العام، فلايجوز للمحتكمين الاتفاق على خلافها، ويرجع بطلان وثيقة التحكيم التي لا يتم تسمية المحكمين فيها وبطلان حكم التحكيم الذي يستند إلى تلك الوثيقة يرجع البطلأن في هذه الحالة الى  أسباب عدة من اهمها جهالة المحكم فليس من المقبول ان يكون المحكم مجهولاً لم يعينه المحتكمون ، فهذا غرر لاسيما ان التحكيم يقوم على ان شخصية المحكم محل إعتبار لدى الخصوم المحتكمين.

الوجه الثالث: الفرق بين تحكيم آل فلان وشرط التحكيم:

يرد شرط التحكيم في بعض العقود وفي الغالب لا يتم فيه تعيين اسماء المحكم او المحكمين مثل النص في العقد على تحكيم الغرفة التجارية الدولية في باريس او مركز القاهرة للتحكيم الدولي كما يرد شرط التحكيم في عقود أخرى بصيغة (عند حدوث خلاف بشأن تنفيذ هذا العقد او تفسيره يختار كل طرف محكماً عنه وللمحكمين معاً إختيار مرجح ثالث لهما خلال ثلاثين يوماً) فشرط التحكيم على هذه الصورة جائز،لان الاطراف في شرط التحكيم يتم الزامهم بتسمية المحكمين او إختيارهم من قوائم المحكمين المعتمدة لدى غرفة التجارة او مركز التحكيم، وتبعاً لذلك فليس في شرط التحكيم جهالة لان تعيين المحكمين وتسميتهم يتم لاحقاًعند وقوع الخلاف فان لم يتم تعيينهم من قبل اطراف شرط التحكيم خلال فترة معينة فان المحكمة تتولى تعيينهم ،فلايلزم تسمية المحكمين في شرط التحكيم لأن الخلاف لم يقع بعد حيث يتم تسمية المحكمين لاحقا عند وقوع النزاع بخلاف تحكيم بني فلان او آل كذا ...الخ الذي يتم لحسم نزاع قد وقع بالفعل حيث أن عدم تسمية المحكمين يبطل وثيقة التحكيم ويبطل حكم التحكيم الذي استند اليها، بيد انه إذا تم التحكيم لبني فلان أو آل كذا او اصحاب الخبرة والاختصاص في المجال محل الخلاف ثم قام المحتكمون لاحقا بتعيين وتسمية المحكمين قبل مباشرة المحكمين لإجراءات التحكيم فان التحكيم يكون صحيحاً في هذه الحالة،والله اعلم