النزاع المفتعل للاستيلاء على الوقف

النزاع المفتعل للاستيلاء على الوقف

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين                       

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يتوسل الاشقياء بوسائل عدة للاستيلاء على أموال الوقف ومن ذلك تغيير مسميات أموال الوقف والتصالح والتحكيم في أموال  الوقف وخلط أموال الوقف  وإزالة المعالم التي تحدد اموال الوقف إضافة إلى الإحياء في رهق الوقف لان مساحة الرهق لا تكون غالبا محددة بلبن اوقصب او حبلة معلومة، ومن الوسائل التي يتوسل بها هؤلاء الاشقياء إفتعال النزاعات فيما بينهم للحصول على أحكام قضائية تقضي بملكية احد الطرفين اللذين افتعلا الخلاف حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/4/2016م في الطعن رقم (57667) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصين متجاورين في منزليهما افتعلا خلافاً بينهما امام المحكمة الابتدائية للاستيلاء على أرض الوقف الواقعة فيما بين المنزلين حيث ادعى احدهما ان تلك الأرض حمى (حوش )لمنزله وان جاره المدعى عليه قام بالاعتداء عليها بان وضع الحجارة فيها،فقضت المحكمة الابتدائية بأحقية المدعي في تلك الأرض، وامام محكمة الاستئناف تدخل مكتب الأوقاف فرفضت الشعبة تدخل المكتب لانه تدخل اختصامي لايكون مقبولا امام محكمة الاستئناف وفقاً لقانون المرافعات، ولذلك فقد قام مكتب الاوقاف برفع دعوى ابتدائية فرفضتها المحكمة الابتدائية فقام مكتب الأوقاف بٱستئناف الحكم الابتدائي فقضت الشعبةبثبوت ملكية الاوقاف للأرض محل النزاع (لانه من الثابت ان الأوقاف قد باعت البيت للمدعي وقد ورد في عقد بيع الأوقاف للبيت ان البيع قاصر على البيت فقط دون الأرض المجاورة التي تظل ملكا للوقف)، وقد أقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي،وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع ومن خلال الرجوع إلى أوراق القضية فقد تبين للدائرة ان ما اثاره الطاعن في أسباب طعنه هو عبارة عن وقائع موضوعية سبق طرحها أمام محكمتي الموضوع وتم الوقوف امامها وبحثها والفصل فيها واقتنعت محكمة ثاني درجة بثبوت دعوى مكتب الأوقاف وعدم صحة الدفع المقدم من ..... لما ساقة الحكم الاستئنافي من أسباب سائغة لها ما يسندها من الواقع والقانون بثبوتها من خلال الادلة التي استند اليها ولا معقب عليها في ذلك) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: وسائل الاشقياء للاستيلاء على أموال الوقف:

لا ريب ان المعتدي على أموال الوقف شقي لانه قد دخل  مع الله القوي العزيز في مواجهة سافرة ومباشرة لان الله تبارك وتعالى هو المالك للوقف حسبما هو مقرر في الشرع والقانون، ولا شك ان نتيجة هذه المواجهة هي خسران  الشقي المعتدي على الوقف في الدنيا والاخرة (الوقف، الشيخ محمد ابو زهرة، صـ93) ومن خلال دراستنا للاحكام الصادرة في منازعات الاوقاف   فان الاشقياء المعتدون على الوقف يتوسلون بوسائل عدة للاستيلاء على الوقف منها:

1-             إفتعال النزاع بين الاشقياء على أموال الوقف بغرض الحصول على أحكام قضائية تقضي بأحقيتهم لمال الوقف، حتى تحل هذه الأحكام محل وثائق الملكية، فيقوم هؤلاء بتسجيل هذه الأحكام وإعتبارها وثائق ملكية قطعية، مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، ولذلك ينبغي على القاضي الرصين عندما ينظر في منازعات عقارية ان لا يعتمد على شهادات الشهود وحدها  كما ينبغي عليه عندما لا يقدم الخصوم مستندات الملكية ان يقوم بمخاطبة مكتب الأوقاف ومكتب الأراضي لان الأراضي التي لا يوجد لدى حائزها مستندات ملكية من شبه المؤكد انها اما ان تكون أراضي دولة أو وقف أو يكون الحائز لها غاصبا لها وليس مالكا .

2-             تصالح الاشقياء على أموال الوقف: حيث تتطلع النفوس الخبيثة إلى مال الوقف للاستيلاء عليه فيحدث التنافس بين المتطلعين وبهدف الحصول على مستندات ملكية تصوغ لهم الاستيلاء على مال الوقف فانهم يتصالحوا على مال الوقف بموجب عقود صلح لها حجيتها تتحول الى مستندات ملكية يحتج بها اولئك المعتدون على الوقف، علماً بان القانون المدني وقانون التحكيم يمنعا الصلح في مال الوقف، ونوصي بان يتضمن قانون الوقف نصا صريحا يمنع الصلح في مال الوقف.

3-             التحكيم في مال الوقف : حيث يقوم المعتدون على مال الوقف بتحكيم بعض الأشخاص في نزاعاتهم على مال الوقف حيث يصدر المحكم حكمه دون ان يعلم المحكم ان الأرض وقف حيث يستدل الخصوم المتنازعون على الوقف بشهادات الشهود على حيازتهم لان غرضهم من النزاع هو الحصول على حكم محكم يكون مستنداً بديلاً عن وثيقة الملكية، حيث يتم إيداع حكم التحكيم لدى محكمة الاستئناف، فيكون الحكم في هذه الحالة  دليلاً أفضلا من البصيرة.

4-             قيام المعتدين على الوقف الحائزين لاموال الوقف بصورة غير شرعية(الباسطون) ببيع الوقف أو تأجيره للغير وتتكرر عمليات البيع والتاجير حتى يضيع الوقف، فيستدل المتامرون على الوقف بالوثائق المتعاقبة التي يظهر منها ان الأرض ليست وقفا.

5-             خلط أموال الوقف: وهي وسيلة شائعة لاسيما في الأراضي الزراعية حيث يقوم الاشقياء بخلط قطع الوقف المجاورة لبعضها بذريعة إصلاح المال فتضيع مساحات القطع المتجاورة واسماؤها ومعالمها وحدودها ويكون ذلك   تمهيدا للاستيلاء عليها.

6-             الإحياء في رهق الوقف: من المؤكد ان رهق الوقف هو الاكثر عرضة للاعتداءات حسبما هو ثابت في أحكام القضاء، لان مساحة الرهق لا تكون محددة باللبن أو الحبلة أو القصبة، ولذلك فان الإحياء في الرهق عن طريق البناء أو الزراعة من أخطر الوسائل للاستيلاء على أموال الوقف لا سيما وان مساحة الرهق تكون اضعافاً مضاعفة قياسا بأصل مال الوقف.

7-             تغيير مسميات أراضي الوقف: فالأراضي عامة لها اسماء تميزها عن بعضها، ولذلك فان المعتدين على أراضي الوقف يعمدون إلى تغيير مسميات أراضي الوقف، عن طريق المكاتبات والمذكرات التي يحرورنها إلى القائمين على الوقف أو غيرهم، وهذه وسيلة شائعة جداً في محافظات تعز وإب والضالع وذمار.

الوجه الثاني: إنعدام تصرفات المعتدين على أموال الوقف وتوصيتنا للأوقاف:

الوسيلة الناجعة لمواجهة وسائل المعتدين على أموال الوقف هو النص الصريح في قانون الوقف الشرعي على إنعدام أي فعل أو تصرف في أموال الوقف والتقرير بانه هو والعدم سواء على غرار النص الوارد في أراضي الدولة، لان إبطال التصرف يعني الاعتراف بوجود التصرف الباطل الذي يتحصن بمضي المدة كما هو معلوم، ولذلك فاننا نوصي هيئة الأوقاف بتضمين قانون الوقف نص صريح يقرر إنعدام أي تصرف في أموال الوقف إذا لم تسبقه موافقة وإذن الهيئة،لان هيئة الأوقاف صاحبة الولاية على الوقف فان أي تصرف يصدر من غير ذي الولاية  يكون منعدماً بحسب القواعد العامة.

الوجه الثالث: وجوب إدخال الأوقاف في النزاعات على أموال الوقف وتوصيتنا:

يصرح قانون المرافعات في المادة (190) بوجوب إدخال الأوقاف عندما يكون الحكم حجة على الأوقاف أو عندما تجد المحكمة دلائل جدية على التواطؤ أو الغش أو التقصير من جانب الخصوم، وقد لاحظنا في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ان المحكمة الابتدائية لم تدخل الأوقاف لان مكتب الأوقاف لم يعلم بالدعوى المرفوعة إلا بعد صدور الحكم الابتدائي حيث تدخل المكتب أمام الاستئناف فلم تقبل ذلك لان المادة (191) مرافعات تمنع التدخل الاختصامي في مرحلة الاستئناف مما اضطر الأوقاف إلى رفع دعواها أمام المحكمة الابتدائية، وقد اثمرت جهود مكتب الأوقاف حيث تم الحكم لصالح الأوقاف، ولذلك فاننا نوصي الأوقاف بإعداد دراسة وافية موضوع (إدخال الأوقاف في منازعات الوقف) وعقد ورشة للقضاة في هذا الموضوع.

الوجه الرابع: وجوب تضمين عقود الوقف بنوداً تمنع المستأجر من تغيير مسميات ومعالم الوقف أو الإحياء في رهق الوقف أوخلط اراضي الوقف  الا بموافقة الهيئة:

نوصي بان تقوم هيئة الأوقاف بتضمين عقد تأجير الوقف بنوداً تمنع المستأجر من الاحداث في العين او تغيير معالمها او تغيير مسمياتها أو التصالح أو التحكيم أو طلب اليمين أو ردها بشأن الأرض المؤجرة وكذا عدم جواز الاحياء في رهق الوقف او خلط الوقف إلا بموافقة خطية من الهيئة وكذا الزام الاجير بإخطار مكتب الأوقاف عند حدوث أي نزاع بشأن ارض الوقف  المؤجرة،والله اعلم