دعوى الحسبة من إختصاص النيابة العامة
أ.د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
النيابة العامة هي صاحبة الصفة والاختصاص في
الدفاع عن الحق العام والصالح
العام، وتبعاً لذلك لا تقبل دعاوى الحسبة المرفوعة من الافراد في ظل وجود
النيابة العامة، فقد قضى بذلك الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 19/7/2016م في الطعن رقم (57773)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان اهالي قرية تقدموا بدعوى
أمام المحكمة الابتدائية ذكروا فيها ان أحد الساكنين في تلك القرية قام بالبناء في
الساحة الواقعة في وسط القرية التي تعد مفسحا ومتنفسا لاهل القرية، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم
بصحة الدعوى والزام المدعى عليه بإزالة البناء الذي اقامه في تلك الساحة، إلا أن الشعبة
الاستئنافية قضت بإلغاء الحكم الاستئنافي( لان الساحة ملك عام لأهل القرية مملوكة للدولة ولذلك فان الدعوى من دعاوى
الحسبة التي جعل القانون الحق في رفعها أمام القضاء منوط بالنيابة العامة عملاً
بنص المادة (126) مرافعات مما يجعل من تقديم الدعوى من المدعين دعوى مقدمة من غير
ذي صفة) وقد أقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وورد ضمن
أسباب حكم المحكمة العليا (بعد الاطلاع على أوراق القضية فقد تبين للدائرة ان نعي
الطاعنين لا يستند إلى أساس صحيح من وقائع النزاع ونصوص القانون، لان الحكم المطعون فيه قد قضى بعدم قبول الدعوى والغاء الحكم الابتدائي
معللاً ذلك بان دعوى الحسبة من إختصاص النيابة
العامة وان رافعي الدعوى ليس لهم صفة في ذلك وهو تعليل سائغ يتفق مع نص المادة
(126) مرافعات) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية دعوى الحسبة:
دعوى الحسبة هي الدعوى التي يرفعها الشخص حسبة لوجه الله تعالى من غير ان
تكون له مصلحة مباشرة، حيث يرفعها المحتسب عند وقوع أي اعتداء
على حق من حقوق الله أو حقوق الوقف أو الحقوق العامة للمواطنين، ،فتهدف دعوى الحسبة إلى الدفاع عن الحق العام للمجتمع وهو ما يعبر عنه بحق الله في الأرض لإحقاق الحق ودفع المنكر،
ولا يشترط الفقه الإسلامي في المحتسب أو المدعي بدعوى الحسبة ان تكون له مصلحة
شخصية او مباشرة حيث ان المحتسب
يقوم بواجب شرعي يقع على عاتقه وهو النهي عن المنكر ورفعه ومنعه طالما وهو يستطيع
ذلك بقلمه ولسانه للدفاع عن الحق العام أو حق الله (دعوى الحسبة في الفقه
الإسلامي، محمد علي الثلان، صـ47) وعند تطبيق هذا المفهوم على القضية التي تناولها
الحكم محل تعليقنا نجد ان المدعين لم تكن لكل واحد منهم مصلحة شخصية مباشرة في رفع
الدعوى لان الأرض التي اعتدى عليها المدعى عليه بالبناء عليها هي ساحة عامة ليست
مملوكة لاحدهم وان كان ينتفع بها أهل
القرية جميعاً كمفسح او متنفس لأهل القرية، وتبعاً لذلك فالساحة من أراضي الدولة التي يجوز للأفراد الانتفاع المشترك بها فقط ولا يجوز لأي من المواطنين البناء عليها أو التصرف بها إلا
بموافقة وإذن الجهة المختصة قانوناً وهي الهيئة العامة للأراضي حسبما ورد في قانون
أراضي الدولة.
الوجه الثاني: صفة ومصلحة المنتفع بالمراهق العامة:
لا شك ان هناك مصلحة للمواطن أو للمواطنين في رفع الدعوى إذا لحقهمضرر مباشر من الاعتداء على الاملاك العامة كتعطيل انتفاعهم بالمراهق العامة كمنع المواطنين أو المواطن من المرور في الطريق العام أو منعه من إرتياد الحديقة العامة أو الرعي او الاحتطاب من الجبال والغابات، فعندئذ يجوز له الادعاء
للدفاع عن حقه الدستوري والقانوني في الانتفاع المشترك بالحقوق والمصالح العامة
والمراهق العامة، ومثلما يجوز للفرد الواحد تقديم الدعوى في هذه الحالة فيجوز لأهل القرية أو الحي مجتمعين أو منفردين الادعاء للدفاع عن حقهم المشترك في الانتفاع بالمراهق العامة طالما وان
موضوع دعواهم هو حقهم في الانتفاع وليس الملكية ،لان المادة (44) من
قانون اراضي الدولة تصرح باحقية المواطنين كافة في الانتفاع المشترك بالمراهق العامة كالرعي
والاحتطاب،وتدخل في هذا المعنى الساحات العامة كمتنفسات للقرى والمدن، وتبعا لذلك فان الاعتداء
على المراهق العامة والساحات ومافي حكمها
يعطل الحق المشترك للمواطنين في الانتفاع بالساحات ومافي حكمها مما يجعل
لهم مصلحة مباشرة في رفع الدعوى ضد
المعتدين على المراهق والساحات باعتبار ذلك إعتداءا على حقهم في الانتفاع بتلك
المراهق والساحات العامة ، ولذلك فان قانون اراضي الدولة في المادة (17) يصرح بان أي تصرف في المراهق العامة أو اراضي الدولة
باطل حيث نصت هذه المادة على ان (كل تصرف غير قانوني ينشأ أو يقرر حقاً عينياً
أصلياً أو تبعياً أو تأجيراً أو تمكيناً بأية صورة من الصور على أراضي وعقارات
الدولة يعتبر باطلاً ولكل ذي شأن التمسك بالبطلان أو
طلب الحكم به ويتحمل المحكوم عليه تكاليف ازالة البناء أو المزروعات أو الغروس
القائمة على الأرض وغيرها من الاعمال المخالفة بسبب هذا التصرف مع الزامه بالتعويض
إن كان له مقتضى)فهذا النص يوحي بانه يحق لكل مواطن متضرر من الاعتداء على
الساحات والمراهق العامة أن يقاضي مدنيا المعتدي
على الساحات.
الوجه الثالث: وضع اليد على املاك الدولة جريمة يعاقب عليها القانون:
اشار الحكم محل تعليقنا إلى أن موضوع الخلاف كان
بشان البناء على الساحة العامة للقرية التي تندرج ضمن المراهق العامة التي تندرج بدورها ضمن أملاك الدولة حسبما ورد في المادة (6) من قانون اراضي
الدولة، وقد اعتبرت المادة (55) من قانون أراضي
الدولة وضع اليد على المراهق العامة عملاً محظوراً أي جريمة حيث نصت هذه المادة
على أنه (يحظر على أي شخص طبيعي أو إعتباري ان يحوز أو
يضع اليد بأية صفة كانت على الأراضي والعقارات المملوكة للدولة) ومعلوم ان البناء
على المراهق العامة فيه منع للأشخاص من الانتفاع المشترك بالمراهق او الاملاك
العامة، ولذلك فان هذا الفعل جريمة، وقد وردت عقوبة هذه الجريمة في المادة (47) من قانون اراضي الدولة التي نصت على انه (مع عدم الاخلال
بالعقوبة الاشد يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على أربع سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرين
الف ريالا أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يعتدي
بأي وجه من الوجوه على أراضي وعقارات الدولة المخصصة والمراهق العامة الواقعة في
نطاق المدن) مما يعني ان الاعتداء على المراهق العامة خارج المدن لاينطبق عليه هذا النص العقابي الخاص المقرر في ً المادة (55) السابق ذكرها، وهذا يعني أن الاعتداء على المراهق العامة خارج المدن يعاقب فاعله بالعقوبة المقررة في القانون العام وهو قانون
الجرائم والعقوبات الذي يعاقب على الاعتداء على ملك الغير.
الوجه الرابع: نظام النيابة العامة والحسبة في العصر الحاضر:
الادعاء العام او النيابة العامة هي التي تتولى بموجب الدستور والقانون
تمثيل المجتمع في مباشرة الدعوى العامة في الحقوق والمصالح العامة في مواجهة
الجناة عليها، فعند تعريف الحسبة في الوجه الأول لاحظنا ان المحتسب او المدعي في الحسبة
ليست له مصلحة مباشرة من رفع دعوى الحسبة فهو يقوم برفع الدعوى حسبةٍ لله تعالى الذي أمر كافة المسلمين بالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، فالاعتداء على
الحقوق والمصالح العامة من انكر المنكرات، وبناء على ذلك فقد صارت النيابة العامة
هي الجهة المعينة والمعنية بإقامة الدعوى العامة نيابة عن المجتمع وحقوقه ومصالحه ،وقد صرح الحكم محل تعليقنا بعدم جواز قبول دعوى الحسبة من الأشخاص بعد إنشاء النيابة العامة، ومع ذلك فان هناك إتجاه يذهب إلى ان إنشاء النيابة العامة لا يعطل فريضة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر عن طريق دعوى الحسبة، علماً بان قوانين غالبية الدول العربية
تجيز الحسبة كالقانون العراقي والسوري والمصري والليبي (دعوى الحسبة في قانون
المرافعات المصري، د.محمد السيد التحيوي، صـ85). اما قانون المرافعات اليمني فقد
نص في المادة (126) مرافعات على ان (للنيابة العامة رفع الدعوى أو التدخل فيها في
الحالات التي ينص عليها القانون ويكون لها ما للخصوم من حقوق وعليها ما عليهم من
واجبات إلا ما استثنى بنص خاص ولها رفع الدعوى الخاصة بالقصار أو عديمي الأهلية أو
ناقصيها أو التدخل فيها إن لم يكن لهم وصي
أو ولي وكذا الغائبين والمفقودين ودعاوى الحسبة الأخرى) وقد استند الحكم محل
تعليقنا إلى هذه المادة في قضائه بان دعوى الحسبة من إختصاص النيابة العامة وحدها، غير انه من الملاحظ ان هذا النص متعلق
بالتدخل الجوازي، فهذه المادة تفيد الجواز، ولذلك فانه من النادر ان تباشر النيابة رفع الدعوى في المسائل المذكورة
في المادة، لان النص جوازي بالنسبة للنيابة العامة، وهذا يعني انه لكل ذي مصلحه في المسائل المذكورة في المادة المشار اليها ان يباشر دعواه إذا تحقق فيه شرط
الصفة والمصلحة.
الوجه الخامس: البلاغالوجوبي والجوازي
ودعوى الحسبة:
يذهب انصار قصر دعاوى الحسبة على النيابة العامة إلى ان قصر الحسبة على النيابة العامة لا يعطل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث
يستطيع المواطن المسلم اداء هذه الفريضة عن طريق البلاغ الوجوبي إذا كان موظفا او عن طريق البلاغ الجوازي إذا لم يكن موظفا حيث يقوم بإبلاغ الجهات المختصة كالنيابة أو مأمور الضبط
القضائي بجرائم الاعتداء على املاك الدولة
التي ينتفع بها حسبما هو مقرر في المادتين (94 و 95) إجراءات، فبهذا الإبلاغ تبرأ ذمة المواطن أو الموظف،وبناءً على البلاغ تقوم النيابة بالتحقيق والتصرف في القضية وفقا للقانون بما في ذلك رفع الدعوى الجزائية التي هي أصلاً بمثابة دعوى حسبة،
لان السماح للأفراد بإقامة دعاوى الحسبة سوف يحدث الفوضى والارتباك في النظام
القضائي في اليمن (التشريع الجنائي، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، صـ182)،والله اعلم.