إستقلال شخصية الشركة عن الشركاء- في القانون اليمني

إستقلال شخصية الشركة عن الشركاء

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات الواقعية التي يتكرر حدوثها في اليمن التماهي بين الشخصية الإعتبارية للشركات التجارية وبين الشخصية الطبيعية للشركاء المكونين للشركة، فتنجم عن هذا التماهي والخلط بين الشخصيتين إشكاليات عدة اشار إلى بعضها الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11/7/2012م في الطعن رقم (50015)، الذي قضى بانه: ((بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف فقد وجدت الدائرة ان حاصل نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول للطعن هو قوله بأن نظر خصومة الاستئناف قد تم بمعزل عما قدمه الخصوم أمام محكمة اول درجة من دعاوى وأدلة وحجج، فقد حرر الطاعن الشيكات موضوع الدعوى بصفته مديراً لشركة... وليس بصفته الشخصية وكان ذلك نظير أعمال تجارية لحساب الشركة (بيع مواد غذائية) حيث نشأت العلاقة التجارية فيما بين المطعون ضده وبين الشركة المذكورة كشخصية إعتبارية فلم تكن العلاقة مع الطاعن شخصيا ،ولذلك فالمديونية المستحقة للمطعون ضده تقع على عاتق الشركة وفقاً للمادة (531) تجاري...إلخ، وبرجوع الدائرة إلى الأوراق وأحكام القانون فقد وجدت ان الشيكات موضوع الخصومة مسحوبة وصادرة من شركة.... وهذا البيان واضح في كل الشيكات، ولا تناكر ان الشيكات وقعها الطاعن عن الشركة، كما ان الشركات التجارية تتمتع بالشخصية الإعتبارية بإستثناء شركة المحاصة وفقاً للمادة (11) شركات، وان شركة.... ذات مسئولية محدودة وفقاً للمادة (3) من عقد تأسيسها، ولذلك فان الطعن جدير بالقبول)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: مفهوم الشخصية الإعتبارية للشركة:
نصت المادة (11) من قانون الشركات على ان (تتمتع جميع الشركات التجارية المؤلفة بموجب هذا القانون بإستثناء شركة المحاصة بالشخصية الإعتبارية) وهناك مصطلحات مرادفة للشخصية الاعتبارية من ذلك الشخصية المعنوية والشخصية الحكمية، ومع تعدد هذه المصطلحات إلا أن معناها واحد (فالشخص الاعتباري هو شخص يتكون من اشخاص أو أموال يقرر لها القانون كياناً مستقلاً عن الأشخاص المكونين لها) أو (الشخص الاعتباري مجموعة من الاشخاص والأموال يقرر القانون ان لها كيان ذاتي مستقل عن الشركاء الذين قاموا بتكوينها بهدف تحقيق اغراض معينة وتتمتع بالشخصية الإعتبارية القانونية في حدود هذه الاغراض) ومعنى شخصية إعتبارية ان القانون هو الذي يعتبرها كذلك ومعنى الشخصية الحكمية انها تنشاء بحكم القانون (الشخصية الاعتبارية بين الفقه والقانون، د.محمد السيد الدسوقي، صـ32).
الوجه الثاني: إستقلال الشخصية الاعتبارية للشركة عن الشخصية الطبيعية للشركاء فيها:
الشركة التي يتم تأسيسها وفقاً للمادة (11) شركات السابق ذكرها تتمتع بالشخصية الاعتبارية التي تعني ان للشركة كيان مستقل وذمة مالية مستقلة عن الشركاء فيها أو الشركاء المكونين لها وأن لها حقوق تكون من حقها وحدها وان عليها التزامات تتحملها وحدها دون الشركاء فيها، وانها تبعاً لذلك لا تستحق حقوق الشركاء فيها أو تتحمل التزاماتهم، وان الشركة طبقاً لذلك لا تكون مسئولة إلا عن تصرفاتها التي تصدر عن الممثل القانوني لها الذي يحدده القانون أو عقد تأسيسها،وان الشركاء فيها لايكونوا مسئولين عن تصرفات الشركة، وقد اشرنا في تعليق سابق إلى ان مفهوم إستقلال شخصية الشركة عن الشركاء غائب في اليمن عند التطبيق العملي في بعض الشركات حيث تتماهى الشخصية الاعتبارية للشركة مع الشخصية الطبيعية للشركاء فيها،وهذا ضمن أسباب إخفاق بعض الشركات.
الوجه الثالث: الحدود الفاصلة بين الشخصية الاعتبارية للشركة والشخصية الطبيعية للشركاء فيها:
اشار الحكم محل تعليقنا إلى بعض الحدود التي تفصل بين الشخصيتين شخصية الشركة وشخصية الشركاء فيها، ويظهر ذلك في ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بان التصرف الصادر من الممثل القانوني للشركة يكون ملزماً للشركة فتكون مسئولة عنه طالما وان هذا التصرف قد صدر باسمها ولحسابها وبأوراقها وختمها وباسم وتوقيع الممثل القانوني لها وبصفته هذه، كما ان الشركة لا تكون ملزمة او مسئولة عن التصرف الصادر من الممثل القانوني لها إلا إذا كان قد صدر موافقاً لعقد تأسيسها ونظامها الأساسي وان يكون التصرف قد صدر في سبيل تحقيق اغراض الشركة المحددة في عقد تأسيسها ونظامها الأساسي، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بعدم احقية المطعون ضده في مطالبة الطاعن مدير الشركة شخصياً، لان الشيكات المطلوب قيمتها صادرة باسم وختم الشركة وتم التوقيع عليها من قبل مديرها الطاعن بصفة المدير العام للشركة الممثل القانوني لها وليس بصفته الشخصية،والله اعلم.