نطاق إختصاص القضاء العمالي - في اليمن

نطاق إختصاص القضاء العمالي

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يتحدد إختصاص القضاء العمالي بحدود الحقوق والإلتزامات التي تنشاء عن عقد العمل والالتزامات التي يقررها قانون العمل، وتبعاً لذلك فلا يختص القضاء العمالي بنظر المنازعات الأخرى التي تنشا بين العامل وصاحب العمل ولاتكون مترتبة على عقد العمل أو قانون العمل وانما تكون ناجمة عن عقود اخرى غير عقد العمل أو قوانين أخرى غير قانون العمل مثل منازعات العامل وصاحب العمل بشان قسمة تركة أو تصفية شراكة او ديون مستحقة لأي منهما لدى الآخر وكذا نزاعهما بشان حسابات أو علاقات أخرى بينهما غير عقد العمل كالمطالبة بالوديعة المصرفية أو المبالغ المودعة في حساب مصرفي وغير ذلك من الحقوق غير المترتبة على قانون العمل أو عقد العمل أو علاقة العمل حسبما ورد في قضاء الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/3/2013م في الطعن رقم (47036),وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان مجموعة من العمال رفعوا دعواهم ضد صاحب العمل طلبوا فيها بحقوقهم لدى صاحب العمل كما طالبوا بإستعادة ودائعهم المصرفية لدى صاحب العمل بالإضافة إلى المبالغ المودعة في حساباتهم المصرفية لدى صاحب العمل،وقد قررت اللجنة التحكيمية الزام صاحب العمل بدفع حقوق العمال وإكرامية رمضان وراتب المكافأة السنويةوغيرها من الحقوق المترتبة على علاقة العمل إلا ان اللجنة لم تحكم بإلزام صاحب العمل بإعادة الودائع للعمال، لعدم اختصاص القضاء العمالي بالمنازعات الناشئة من غير عقد العمل أو علاقة العمل ، وقد أيدت ذلك القرار محكمة الاستئناف ثم أقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (ولما كانت محكمة إستئناف... قد بينت في حكمها المطعون فيه بان دعاوى العمال المتعلقة بودائعهم وارصدتهم المحتجزة لدى صاحب العمل كودائع او مبالغ في حسابات توفير او إستثمار لا تختص محكمة الاستئناف بها لانها ليست من الدعاوى العمالية وذلك يعني ضمناً انها قد قضت بعدم الاختصاص بنظر تلك الدعاوى مما يعني ان إستدلال الطاعنين بالمادتين (140 و 141) من قانون العمل إستدلال في غير محله) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الاول: تعريف منازعات العمل التي يختص بنظرها القضاء العمالي:

عرفت المادة (128) من قانون العمل منازعات العمل،فقد نصت هذه المادة على انه (يقصد بمنازعات العمل الخلافات التي تنشأ بين اصحاب الاعمال والعمال حول ما ينجم من خلافات عن تطبيق هذا القانون ولوائحه وسائر تشريعات العمل الأخرى وعقود العمل الفردية والجماعية) ومن خلال إستقراء هذا النص نجد انه قد حدد منازعات العمل التي يختص بنظرها القضاء العمالي، حيث صرح هذا النص بان منازعات العمل هي المنازعات التي تحدث فيما بين العمال واصحاب الاعمال بشأن تفسير او تطبيق قانون العمل والتشريعات العمالية الملحقة به كقانون تنظيم النقابات العمالية اى المنازعات الناجمة عن علاقة العمل ، وبناء على التعريف السابق لمنازعات العمل فان المنازعات التي تحدث بين العمال واصحاب الاعمال بشأن الودائع او حسابات التوفير او المبالغ المستحقة للعمال كأموال مستثمرة في مشروع العمل لا تندرج ضمن المنازعات العمالية التي يختص بنظرها القضاء العمالي وإنما يختص بنظرها القضاء المدني او القضاء التجاري بحسب نوع العلاقة وموضوعها ووظيفة المال والمشروع، فان كانت ديناً فالإختصاص ينعقد للمحكمة المدنية وان كانت متعلقة بنشاط تجاري أو حساب مصرفي او مال مستثمر في تجارة او مشروع فان الاختصاص ينعقد للمحكمة التجارية.

الوجه الثاني: تحديد إختصاص القضاء العمالي :

حددت المادة (132) عمل إختصاص القضاء العمالي حيث نصت هذه المادة على ان (تختص اللجان التحكيمية بالنظر فيما يلي: أ- المنازعات والخلافات الناشئة بين اصحاب الأعمال والعمال فيما يتعلق بتطبيق هذا القانون ونظمه ولوائحه وعقود العمل –ب- المخالفات المحالة عليها والمتعلقة بالتفتيش على منشأت العمل -ج- المسائل الأخرى التي تنص القوانين ذات الصلة على إختصاص اللجان التحكيمية بها) ومن خلال إستقراء هذا النص نجد انه اكثر تفصيلاً وتحديدا من نص المادة (128) عمل السابق ذكره في الوجه الاول التي عرفت منازعات العمل، فقد بينت المادة(132) ان اللجان او المحاكم العمالية تختص بنظر المخالفات التي يتم ضبطها من قبل وزارة العمل عند تفتيشها على منشأت العمل وكذا المسائل الأخرى التي تنص القوانين ذات الصلة على إختصاص اللجان التحكيمية بنظرها، ومن المعلوم انه قد صدر مؤخراً حكم من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا قضى بعدم دستورية اللجان التحكيمية العمالية ولاحقا صدر قرار مجلس القضاء الأعلى بإنشاء محكمة عمالية في صنعاء وإسناد الاختصاص بنظر منازعات العمل في المحافظات الأخرى إلى المحاكم العادية، وبناءً على ذلك فان الاختصاص الذي كان مقرراً للجان التحكيمية العمالية قد صار مسندا ً للمحكمة العمالية بصنعاء والمحاكم العادية في المحافظات الأخرى ، ومع ذلك فلم يترتب أي تأثير على نص المادة (132) عمل السابق ذكرها، فالاختصاص الذي كان مقرراً للجان التحكيمية العمالية قد آل إلى المحكمة العمالية بصنعاء والمحاكم العادية في المحافظات الأخرى.

الوجه الثالث: المقصود بالمسائل الأخرى التي يختص بنظرها القضاء العمالي:

نصت المادة (132) عمل السابق ذكرها في الفقرة (ج) على ان (تختص اللجان التحكيمية بالنظر فيما يلي: ج- المسائل الأخرى التي تنص القوانين ذات الصلة بإختصاص اللجان التحكيمية بها) فقد كانت هذه الفقرة محور النقاش في الحكم محل تعليقنا الذي قضى بان المقصود بالمسائل الاخرى هي المسائل العمالية المحضة التي لم يرد ذكرها في المادتين (128 و 132) عمل السابق ذكرهما كالحقوق التأمينية للعامل او تعويض الإصابة اذا لم يقم صاحب العمل بالتأمين على العامل وغيرها من المسائل العمالية الصرفة لان الفقرة (ج) قد نصت على أن هذه المسائل هي المتصلة بإختصاص اللجان العمالية فذلك يعني ان تكون المسائل او المنازعات الأخرى ذات طابع عمالي ،فلا تندرج ضمنها منازعات صاحب العمل مع العاملة التي يتزوجها كالمطالبة بالنفقة او المهر كما لا يندرج ضمنها المنازعات ذات الطابع التجاري كمنازعة العامل مع صاحب العمل بشأن المبلغ الخاص بالعامل الذي تم الاتفاق بين العامل وصاحب العمل على استثماره في مشروع العمل او المنازعة بين العامل وصاحب العمل المتعلقة بودائع العامل لدى صاحب العمل إذا كان بنكا ،لان هذه المنازعات من حيث نوعها وموضوعها وطبيعتها ليست عمالية .

الوجه الرابع : المقصود بعدم جواز إمتناع القضاء العمالي عن الفصل في النزاع لعدم وجود نص في قانون العمل :

نصت المادة (141) عمل على أنه (لا يجوز للجان التحكيمية او شعب قضايا العمل بمحاكم الاستئناف الإمتناع عن الفصل في النزاع بحجة عدم وجود نص في هذا القانون وتكون في هذه الحالة ملزمة بالفصل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وما استقر عليه العرف وقواعد العدالة)  ففي القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نلاحظ أن العمال قد استدلوا بهذا النص في مطالباتهم بالمبالغ المودعة في حساباتهم المصرفية لدى صاحب العمل،حيث فسروا هذا النص على انه يوجب على القضاء العمالي أن يفصل في مطالباتهم بتلك المبالغ الناتجة عن علاقات أخرى غير علاقة العمل لان هذا النص يوجب على القضاء العمالي  الفصل في المنازعات التي تحدث بين العمال وصاحب العمل مطلقا  ولو كان موضوع الخلاف منصوصا عليه في قوانين أخرى كالقانون التجاري الذي ينظم الودائع والحسابات المصرفية ودفاتر التوفير،في حين قضي  الحكم محل تعلقينا  بأن المقصود بعدم جواز الامتناع عن الفصل في المنازعات العمالية ذات الطابع العمالي أي تلك الناشئة عن علاقة العمل فيما بين العامل وصاحب العمل حيث يجب في هذه الحالة على القضاء العمالي في كل الاحوال الفصل فيها حتى ولو لم يرد ذكرها في قانون العمل طالما وهي منازعة عمالية ناشئة عن علاقة العمل فيما بين العامل وصاحب العمل أما المنازعات الأخرى غير العمالية الناشئة عن علاقات آخرى بين الجانبين فالاختصاص بنظرها معقود للمحاكم الأخرى النوعية بحسب موضوع العلاقة ونوعها،وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان إستدلال العمال بهذا النص إستدلال في غير محله،والله اعلم.