*ضوابط استعانة المحكم بأعمال الخبرة*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يجب على المحكم عند الاستعانة بأعمال الخبرة ان يراعي الأحكام القانونية المقررة في قانون الإثبات، ومن ذلك بيان اسماء الخبراء العدول وتسليم الخصوم صور من تقارير الخبراء لإبداء ملاحظاتهم عليها وتضمين الحكم ملخص النتائج التي توصل إليها الخبراء التي أستند إليها الحكم، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-1-2012م في الطعن رقم (45032) الذي ورد ضمن أسبابه: ((وهذه المناعي ليست في محلها، فالأسباب التي أوردها الحكم المطعون فيه كافية لقبول دعوى بطلان حكم التحكيم، فإستناد حكم التحكيم على تقرير المهندسين دون ذكر اسمائهم ودون تضمين تقريرهم ودون تسليم الأطراف نسخة من ذلك التقرير لمناقشته والرد عليه فإن ذلك يجعل حكم التحكيم باطلاً للقصور في الإجراءات بالمخالفة للمادتين (37 و42) تحكيم))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الضوابط القانونية للاستعانة بأعمال الخبرة:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بقبول دعوى بطلان حكم التحكيم، لأن حكم التحكيم لم يتضمن ملخصاً عن تقرر الخبراء المهندسين الذين استعان المحكم بخبرتهم، كما ان حكم التحكيم لم يذكر اسماء الخبراء الذين استعان بهم المحكم، إضافة إلى أن المحكم لم يسلم اطراف الخصومة نسخا من تقارير الخبراء لإبداء ملاحظاتهم عليها، ومن خلال ذلك فقد توصل الحكم محل تعليقنا إلى أن هذه المخالفات تجعل دعوى بطلان الحكم مقبولة لأنها مخالفة للضوابط القانونية المقررة في قانون التحكيم وقانون الإثبات ، فقد نصت المادة (37) تحكيم على أن (يتم إرسال صور من كل ما يقدمه أحد الطرفين إلى لجنة التحكيم من مستندات أو أدلة إلى الطرف الآخر ، وكذا يتم إرسال إلى كل من الطرفين صورة من كل ما يقدم إلى اللجنة من تقارير الخبراء أو وثائق الإثبات وغيرها ذات الصلة في الفصل في موضوع المنازعة)، فهذه المادة صريحة في إشتراط تسليم أطراف الخصومة التحكيمية نسخ من تقارير الخبراء العدول، وكذا نصت المادة (42) تحكيم على أنه( يجوز للجنة التحكيم أن تعين خبيراً أو أكثر لتقديم تقرير مكتوب أو شفوي بشأن ما تراه من قضايا متعلقة بموضوع النزاع ، وعلى أطراف النزاع تقديم المساعدة اللازمة لتمكين الخبير أو الخبراء من إكمال المهمة على خير وجه وترسل لجنة التحكيم نسخاً من التقرير إلى كل من الأطراف وللجنة أن تقرر عقد جلسة لسماع أقوال الخبير وإتاحة الفرصة للأطراف لسماعه ومناقشته والرد عليه ويجوز لأي من الطرفين الاستعانة بخبير أو خبراء بصفة شهود في مثل هذه الحالة ما لم يوجد اتفاق بخلاف ذلك )، في حين نصت المادة (173) إثبات على أن (للمحكمة أن تأخذ بتقرير الخبراء أو الخبير الذي تطمئن إليه مع بيان الأسباب إذا خالف التقرير الذي أخذت به تقريراً آخر ولها أن تستمع إلى مناقشات الخصوم في شان التقارير المقدمة وملاحظاتهم عليها وان تكلف الخبير أو الخبراء مرة أخرى لاستكمالها أو تصحيحها إذا لزم الأمر أو ترفض طلبات الخصوم).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: مدى تعلق ضوابط الاستعانة بالخبراء بالنظام العام:*
➖➖➖➖➖
*▪️ينص قانون التحكيم على أنه: يجب على المحكم الإلتزام بالإجراءات المحددة في قانون التحكيم وقواعد النظام العام المقررة في قانون المرافعات ، فوفقاً لنصوص قانون التحكيم السابق عرضها في الوجه الأول نجد أنها قد حددت الإجراءات الواجب على المحكم اتباعها عند الاستعانة بالخبراء العدول، ومن ذلك تمكين المحكم لأطراف الخصومة من نسخ من تقارير الخبراء حتى يتسنى لهم دراستها والتأكد من النتائج التي توصل إليها الخبراء العدول ومدى سلامة المصادر التي اعتمد عليها الخبير في الوصول إلى النتائج ومدى مراعاة الخبير لأصول وقواعد الخبرة النوعية ومدى موائمة نتائج التقارير مع مؤيداتها، فليس هذا الأمر حق خاص بالخصوم وإنما هو حق متعلق بالنظام العام وقيم الحق والعدل، وهي المثل العليا التي يهدف إليها القضاء أو هيئة التحكيم، فالقاضي أو المحكم لا يستطيع الوقوف على حقيقة النتائج التي توصل إليها الخبير في تقريره إلا إذا ناقش الخصوم تلك التقارير واستدركوا أوجه القصور والنقص والأخطاء والتجاوزات والمخالفات التي قد تشوب تقارير الخبراء، حيث يقف القاضي أو المحكم على الحقيقة، فيكون الحكم عنوان الحقيقة، كما أن عدم تضمين حكم التحكيم خلاصة أو ملخص لتقارير الخبراء العدول التي استند إليها الحكم يخل بمبدأ وحدة الحكم حيث تتصل وترتبط مكونات الحكم ببعضها البعض حتى الوصول إلى منطوق الحكم، فتكون مكونات الحكم وحدة واحدة، وتبعاً لذلك يكون الحكم مستقلاً بذاته عن أوراق القضية فيكون كافياً للاستدلال به دون حاجة إلى اللجوء إلى أي من أوراق القضية، فضلاً عن أن تضمين مدونة الحكم تقارير الخبراء يدل على إحاطة القاضي أو المحكم بتقارير الخبراء التي استند إليه الحكم ، فذلك يدل على أن المحكم أو القاضي قد احاط بتقرير الخبير ، أما عدم ذكر اسماء الخبراء فتلك جهالة فاحشةً، لأنه يجب ان ينسب التقرير إلى خبير عدل من أهل الخبرة والإختصاص، فلا يتم التحقق من نسبة التقرير إلى الخبير إلا إذا تم ذكر اسم الخبير وبيان نوع خبرته: (مهندس مدني/ مهندس معماري/ مهندس ميكانيكي...إلخ/ طبيب/ محاسب)، فإذا لم يتم ذكر هذه البيانات فإن ذلك يسرب الشك إلى الشخص المجهول الذي اعد التقرير ومن ثم يسرب الشك إلى تقرير الخبير العدل، علاوة على أن ذلك دليل على تحكم القاضي أو المحكم في إستناده إلى تقرير مجهول المصدر.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: إشكالية تحكيم الخبير العدل:*
➖➖➖➖➖
*▪️من خلال المطالعة لكثير من الأحكام في هذا الشأن نجد أنه في حالات كثيرة يقوم الخصوم بإختيار الخبير في المجال محل الخلاف للحكم في خلافهم، ففي حالات كثيرة يقوم الخصوم المختلفون بشأن مستوى تنفيذ عقد مقاولة بإختيار خبير عدل من اهل الخبرة والإختصاص في مجال المقاولات كمقاول أو مهندس للفصل في الخلاف بينهم بشأن تقدير الأعمال المنفذة أو اختيار مهندس متخصص لتقييم الأعمال المنفذة أو تحكيم محاسب لمراجعة الحسابات محل الخلاف بين الخصوم، حيث يقوم الخبير المحكم في هذه الحالة بإستعمال خبرته الفنية، فيحكم بين الخصوم إعتماداً على خبرته الفنية والنتائج التي توصل إليها من خلال ذلك ، وفي هذه الحالة يكون في الحكم شبهة الحكم بالعلم أي ان الخبير قد حكم بموجب النتائج التي توصل إليها الخبير المحكم نفسه، وذلك محظور على القاضي بموجب المادة (10) مرافعات، التي نصت على أنه: (لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه إلا ما وصل إليه عن طريق مجلس قضائه فيجب عليه ان يقضي على أساسه)، وهذا النص من النظام العام في قانون المرافعات الذي أوجب قانون التحكيم على المحكم إحترامه بموجب المادة (32) تحكيم، ولذلك فأنه من الواجب على المحكم الخبير في هذه الحالة ان يعين خبراء عدول اخرين فيستند إلى تقاريرهم بدلا من الإستناد في حكمه إلى نتائج الخبرة التي توصل إليها الخبير المحكم من خلال دراسته وفحصه الفني لمحل النزاع، والله اعلم.*