تنفيذ الإعلان بواسطة
عاقل الحارة وتنظيم مهنة العاقل
أ.د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تنص المادة(42)مرافعات على الحالة التي يتم فيها عرض الإعلان بواسطة عاقل
الحارة،حيث تكون إفادة عاقل الحارة حجة يستند
إليها الحكم ويقضي بموجبها،وهذا الأمر يستدعي بيان
الوضعية الواقعية والقانونية لعاقل الحارة وبيان الاعتبارات التي جعلت القوانين
وبعض الجهات الحكومية تسند إلى عاقل الحارة القيام ببعض المهام وبيان أهمية تنظيم
مهنة عاقل الحارة،وستتم الاشارة إلى هذه المسائل في سياق التعليق على الحكم الصادر عن
الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16/12/2012م في الطعن
رقم (46367)الذي قضى ((بانه قد تبين للدائرة ان المحكمة قد قامت بإعلان الطاعن
بالحكم الابتدائي إلا أن الطاعن امتنع عن إستلام الإعلان،وذلك ثابت بإفادة عاقل حارة..على ظهر الإعلان،ولما كان الطاعن لم يقم باستئناف الحكم الابتدائي في الميعاد المقرر
قانوناً،فانه يكون قد فوت على نفسه حق الطعن
بالاستئناف لعدم تقديمه في المدة المحدد
قانوناً،ومن ثم فان محكمة الاستئناف قد أصدرت
حكمها برفض الاستئناف المقدم من الطاعن لثبوت تقديمه بعد مضي المدة المحددة ،حيث استندت محكمة الاستئناف إلى المادة(42)مرافعات التي نصت على ان(يعرض
المحضر أو صاحب الشأن أوراق الإعلان على الخصم اينما وجد فان تعذر فتعرض على من
ينوب عنه أو في موطنه،وفي حالة الإمتناع تعرض الأوراق بواسطة عاقل
الحارة.الخ)ولما كان الحكم المطعون فيه قد وافق أحكام القانون وكانت أسبابه كافية
لحمل منطوقه،فانه يتعين والحال كذلك رفض الطعن لعدم صحته)وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الوضعية الواقعية لعقال الحارات:
للأسف الشديد لم تستكمل الدولة في اليمن وجودها المؤسسي في كافة الانحاء،ولذلك فقد جاء مسمى
عاقل الحارة كي يغطي هذا الفراغ، فمثلاً في أمانة
العاصمة من عقال الحارات مايزيد عن(1400) عاقلاً ،أي ان هذا العدد يفوق عدد المحضرين التابعين لمحاكم العاصمة بعشرات المرات كما انه يفوق عدد أقسام الشرطة بمئات المرات، طبعاً هذا في أمانة العاصمة أي عاصمة الدولة التي تتواجد الدولة في كل انحائها فما بالك بالمدن والمديريات النائية، فهذا الأمر يعني ان عقال
الحارات يتواجدون في كل انحاء وارجاء الدولة وتتوفر لديهم المعلومات والبيانات اللازمة عن
القاطنين في حاراتهم،وهذه الوضعية هي التي جعلت قوانين كثيرة تنص على الاستعانة
بعقال الحارات مثل قانون المرافعات الذي اناط بعقال الحارات إعلان الخصوم في حالة إمتناع الشخص المراد إعلانه عن إستلام الاوراق، وهذه الوضعية هي التي جعلت قانون
الإجراءات ينص صراحة على ان عقال الحارات من مأموري الضبط القضائي وغير ذلك من القوانين المختلفة، ولا يتسع المجال لحصر القوانين
والجهات الحكومية التي تستعين بعقال الحارات على تنفيذ بعض المهام، وتأتي
الاستعانة بعاقل الحارة في تنفيذ إعلان الأوراق القضائية من ضمن ذلك.
الوجه الثاني: الوضعية القانونية لعقال الحارات:
مع ان قوانين وجهات كثيرة تستعين بعقال الحارات في المهام المناطة أصلاً
بالدولة حسبما سبق بيانه في الوجه الأول إلا أن القوانين لم تنص على إعتبار عقال الحارات موظفين عموميين، مع ان هناك ادارات حكومية تشرف وتنظم
اعمال عقال الحارات، ولذلك فان الوصف القانوني الذي ينطبق عليهم هو انهم مكلفون
بخدمة عامة، وهذه المسألة لها اهميتها في تحديد نوع الإفادة التي يحررها العاقل
سواءً فيما يتعلق بإعلان الأوراق القضائية أو غيرها، ومع ذلك فنرى ان الإفادات الصادرة من عقال الحارات
هي بمثابة محررات رسمية تكون لها حجيتها الرسمية مثلها في ذلك مثل المحررات
الرسمية الاخرى،لان القوانين
والنظم المختلفة قد اعتبرتها كذلك بصرف النظر عن الوضعية القانونية أو المركز
القانوني لشخص عاقل الحارة.
الوجه الثالث: تنفيذ الإعلان بواسطة عاقل الحارة بين القانون والواقع:
تنص المادة (42) مرافعات على ان (يعرض المحضر أو صاحب الشأن أوراق
الإعلان على الخصم اينما وجد فان تعذر فتعرض على من ينوب عنه في موطنه وفي حالة
الإمتناع تعرض الأوراق بواسطة عاقل الحارة أو القرية أو قسم
الشرطة إن وجد أو يؤخذ إيضاح العاقل أو الاشهاد
عليه) وما يعنينا في هذه المادة هو تنفيذ الإعلان بواسطة عاقل الحارة، وفي هذا
الشأن يظهر من مطالعة النص السابق ما يأتي:
1-
دور عاقل الحارة في
إعلان الأوراق القضائية أو الإيضاح عن إمتناع الخصم عن
إستلام الأوراق اختياري أو احتياطي، فالخصم الذي يمتنع خصمه عن إستلام الإعلان يستطيع في هذه الحالة
ان يعلن غريمه بواسطة قسم الشرطة من غير ان يلجاء إلى عاقل
الحارة، وفي حالة طلب الإيضاح عن
الإمتناع يستطيع الخصم اللجوء إلى الاشهاد على إمتناع الخصم عن إستلام
الأوراق بدلاً من إيضاح عاقل الحارة.
2-
يظهر ان دور عاقل
الحارة في الإعلان أو الإيضاح عن الإمتناع عن إستلام الأوراق لا يكون إلا في حالة
إمتناع الشخص المراد إعلانه عن إستلام الأوراق، وتبعا لذلك فانه لا ينبغي اللجوء إلى عاقل الحارة لإعلان الاوراق بداية كما يصنع البعض.
3-
الغرض من الإعلان
بواسطة عاقل الحارة هو الحصول على إفادة من شخص مختص تتوفر لديه المعلومات
والبيانات اللازمة عن القاطنين في الحارة للتأكد من سلامة وصحة الإفادة بالإمتناع
عن الإستلام علماً بان عاقل الحارة في الواقع لا يجرؤ على التلاعب في هذه الإفادة
لان الشخص المراد إعلانه يقيم معه في الحارة فلن تمر
حالة التلاعب بسلام.
الوجه الرابع: توصية مهمة
للدولة بتنظيم مهنة عاقل الحارة على غرار الدول الأخرى:
طالما ان القوانين والجهات الحكومية تستعين بعاقل الحارة على النحو السابق بيانه فانه يجب أن تقوم الدولة باصدار قانون أو لائحة لتنظيم مهنة العقال وبيان واجباتهم وحقوقهم وإجراءات عملهم وعلاقاتهم بالجهات المختلفة كما نوصي أيضا بوجوب تدريبهم لتحسين أعمالهم وتلافي اوجه القصور في اعمالهم وكيفية إستعمال الوسائل والطرق الحديثة لتطوير اعمالهم،والله اعلم.