حكم بسط اجهزة الدولة على أراضي الدولة

حكم بسط اجهزة الدولة على أراضي الدولة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

حكم بسط اجهزة الدولة على أراضي الدولة
حكم بسط اجهزة الدولة على أراضي الدولة - في اليمن

الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني هي الجهة المسئولة والمختصة بموجب القانون عن إدارة وتنظيم أراضي وعقارات الدولة والإشراف والمحافظة عليها ولها وحدها دون غيرها التصرف في اراضي وعقارات الدولة، فاي تصرف بشان اراضي الدولة يصدر من غير الهيئة يكون منعدما لأنه في هذه الحالة قد صدر من جهة لاولاية لها ولا إختصاص حتى لو كان التصرف قد صدر من جهة حكومية حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16/12/2012م في الطعن رقم (46387)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان الهيئة العامة لأراضي الدولة قامت بتأجير قطعة أرض لأحد المستثمرين لإقامة مشروع استثماري عليها،وعند شروع المستثمر بالبناء في الأرض قامت إحدى الجهات الحكومية بمنعه من البناء مدعية بان الأرض تحت يدها منذ مدة طويلة وانها حائزة لها وقدمت تلك الجهة الأدلة واستندت إلى أحكام الحيازة المنصوص عليها في القانون المدني بالإضافة إلى انها ذكرت في دفاعها انها جهة حكومية فهي الأحق بتلك الأرض، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بقبول دعوى المستثمر وإعتباره المستأجر الشرعي والقانوني للأرض محل النزاع وإلزام الجهة الحكومية بإخلاء الأرض المؤجرة وتمكين المستثمر من إنشاء المشروع فيها وإلزام الجهة الحكومية بدفع مصاريف التقاضي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي ((وحيث ان الجهة الحكومية قد طلبت من المحكمة الحكم بإثبات حيازتها للأرضية المتنازع عليها وإلزام هيئة الأراضي بإلغاء عقد الإيجار الممنوح للمستثمر في حين أن هيئة أراضي الدولة ليست طرفاً في الخصومة فقد قررت المحكمة إدخال هيئة الأراضي لوجود رابطة عقدية فيما بينها وبين المستثمر المستأجر منها، وبإعتبار الهيئة هي الجهة التي منحت عقد الإيجار للمستثمر وبإعتبار الهيئة هي الجهة المخولة قانوناً بالتصرف وإدارة وإستغلال أراضي وعقارات الدولة وفقاً لما تقرره الدولة من خطط وبرامج ووفقاً لأحكام قانون أراضي وعقارات الدولة والقرارات واللوائح الناظمة لعمل الهيئة، وحيث ان الهيئة قد افادت أمام المحكمة أن تصرفها بشان الارض كان منسجماً مع نصوص القانون وروحه وحيث ان المستثمر قد ابرز أمام المحكمة المستندات والأدلة التي تبين صحة دعواه، ومن خلال ذلك فقد ثبت للمحكمة ان الأرض موضوع النزاع مملوكة للدولة بموجب أحكام المادتين (5 و 6) من قانون أراضي الدولة كونها ارضا جبلية وحيث أن القانون قد خوّل الهيئة إدارة أراضي الدولة والتصرف بها والتصرف بالأراضي المخصصة بالبيع والتأجير للأفراد وللمشاريع الإستثمارية بعد تجهيزها وتخطيطها وإعدادها وفقاً للقانون، وعلى ذلك فقد ثبت ان المستثمر مستأجر شرعي وقانوني للأرض موضوع النزاع من قبل الجهة المختصة قانونا وهي هيئة الاراضي وحيث ان المستثمر قد استوفى كافة الإجراءات والتراخيص اللازمة التي اشترطها القانون لإنشاء المشروع الإستثماري وحيث ان الجهة الحكومية التي وضعت يدها على الأرض لم تسلك الإجراءات القانونية للحصول على حاجتها من أراضي الدولة،لذلك لايحق لها التمسك بحيازة أرض الدولة)) وقد أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي، ولاحقاً أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ((والدائرة تجد أن ما ينعاه الطاعن (الجهة الحكومية) في غير محله، فتلك المناعي تتعلق بموضوع النزاع، ومن ثم فان المجادلة في ذلك لا تخرج عن كونها مجادلة في تقدير الدليل وذلك لا يخضع لرقابة المحكمة العليا ما دامت محكمة الموضوع قد بنت حكمها على ما قدم أمامها من أدلة، فلمحكمة الموضوع سلطانها في إستخلاص ما تقتنع به وما يطمئن اليه ضميرها في أسباب تتفق مع الثابت في الأوراق)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: الهيئة العامة للأراضي هي الممثل القانوني والجهة المختصة بشئون أراضي وعقارات الدولة:

بموجب الدستور وقانون أراضي وعقارات الدولة وقرار إنشاء الهيئة العامة للأراضي وقانون الاستملاك للمنفعة العامة فان هيئة الاراضي هي الجهة الوحيدة المختصة بالتصرف في اراضي وعقارات الدولة ، حيث تنص المادة (10) من قانون أراضي وعقارات الدولة على أن (تكون المصلحة-هيئة الاراضي- هي جهاز الدولة المسئول عن إدارة وإستغلال أراضي وعقارات الدولة والتصرف فيها وفقاً لما تقرره الدولة من خطط وبرامج وتحصيل إيراداتها وفقاً لأحكام هذا القانون واللوائح والقرارات المنفذة لأحكامه) فهذا النص صريح في حصر الولاية والإختصاص على اراض وعقارات الدولة في هيئة أراضي الدولة، وفي السياق ذاته تنص المادة (12) من قرار إنشاء الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني على ان (الهيئة هي الجهة الوحيدة المسئولة عن إجراء التصرفات في أراضي وعقارات الدولة ولا يجوز لأي جهة أخرى إجراء التصرف بأراضي أو عقارات خصصت لها لغرض ممارسة انشطتها دون الرجوع إلى الهيئة إلا بموجب قرار من مجلس الوزراء يفوضها بذلك وعند انتفاء الغرض أو توقف النشاط فعلى أي جهاز أو مرفق حكومي تسليم ما بحوزته من أراضي وعقارات إلى الهيئة وفقاً لأحكام القوانين النافذة) وكذا نصت المادة (26) من قانون الإستملاك للمنفعة العامة على أنه (على كل جهة يجوز لها إستملاك العقارات قانوناً إذا ما قررت إستملاك عقار ان تشعر الجهة المختصة بإدارة عقارات الدولة بقرارها قبل الشروع في إجراءات الإستملاك) ومن خلال استقراء هذه النصوص نجد انها قد اناطت بالهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني كافة المسائل والإختصاصات والتصرفات والإجراءات المتعلقة بأراضي وعقارات الدولة ومنعت الجهات الحكومية الأخرى من مباشرة أي تصرف بشأن أراضي وعقارات الدولة بل انها منعت كافة الجهات الحكومية من إستملاك أية أراضي وعقارات إلا بعد موافقة الهيئة العامة للأراضي،علاوة على أن هذه النصوص قد حظرت على كافة الجهات الحكومية وغيرها التصرف في الأراضي المخصصة لها في اغراض تخالف الغرض الذي خصصت لاجله حتى لو انتهى الغرض من التخصيص لتلك الأراضي والعقارات، وبتطبيق ما ورد في هذا الوجه على الحكم محل تعليقنا نجد أنه قد اعمل هذه النصوص إعمالاً صحيحاً حيث قضى بعدم جواز قيام الجهة الحكومية بوضع يدها على الاكمة(التبة) بدون الموافقة المسبقة من الجهة المختصة قانوناً وهي الهيئة العامة للأراضي، وفي الوقت ذاته فقد التفت الحكم محل تعليقنا عن الإستجابة لطلبات الجهة الحكومية التي حاولت التمسك بالحيازة لأرض الدولة، لان التمسك بالحيازة والثبوت والتقادم ممنوع بالنسبة لأراضي وعقارات الدولة بموجب المادة (7) من قانون أراضي الدولة التي نصت على أنه (لا تسري على أراضي وعقارات الدولة أحكام التقادم حتى لو لم تكن مقيدة في سجلات المصلحة او السجل العقاري) كما أن الحكم رفض طلب الجهة الحكومية بالغاء عقد تاجير الأرض للمستثمر بعد ان تاكدت المحكمة من سلامة العقد وصحته وإستيفاء المستثمر لكافة التراخيص والاجراءات اللازمة،ومن هذا المنطلق فقد قضى الحكم محل تعليقنا بإلزام الجهة الحكومية التي كانت باسطة على أرض الدولة بإخلاء الأرض وتسليمها إلى المستثمر الذي ثبت للمحكمة قيامه باستئجارها من هيئة الاراضي وكذا قضى الحكم بان تتحمل الجهة الحكومية مصاريف التقاضي،وبناء على ذلك فان هذا الحكم قد انتصر للاستثمار والمستثمرين.  

الوجه الثاني: الطريق القانوني لحصول الجهة الحكومية على أرض من أراضي الدولة:

كان دفاع الجهة الحكومية التي بسطت على مساحة من أرض الدولة(التبة) هو إحتياجها الملح لتلك الأرض حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، ومع ذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بإلزام تلك الجهة الحكومية بإخلاء الأرض وتسليمها للمستثمر، لان الجهة الحكومية المحكوم عليها كانت قد سلكت الطريق غير القانوني للحصول على أرض الدولة وهو طريق البسط مثلها في ذلك مثل المتهبشين، فسلوك الجهة الحكومية كان مخالفا للطريق القانوني المقرر لحصول الجهات الحكومية على حاجتها من أراضي الدولة ،وهذا الطريق هو الذي حددته المادة (9) من قانون أراضي وعقارات الدولة التي نصت على أنه (يجوز للجهات الحكومية الحصول مجاناً على ما تحتاجه من الأراضي أو العقارات الخاضعة لأحكام هذا القانون للإنتفاع بها لتنفيذ اغراضها المحددة في النظم الخاصة بها وذلك بقرار من مجلس الوزراء وتؤول هذه الأراضي أو العقارات بعد إنتفاء الغرض المخصص لها إلى المصلحة ولا يجوز التصرف فيها إلا وفقاً لأحكام هذا القانون) وبموجب هذا النص فانه كان يجب على الجهة الحكومية المحكوم عليها بالحكم محل تعليقنا إذا كانت بالفعل محتاجة لتلك الاكمة أو التبة ان تتقدم بطلب إلى الجهة المختصة قانوناً وهي هيئة الأراضي وان ترفق بطلبها الدراسات والبيانات والمستندات والمسوغات اللازمة المؤيدة لطلبها الحصول على تلك الأرض حيث يقوم المختصون بالهيئة بدراسة تلك الأوليات ورفع الرأي إلى مجلس الوزراء اذا كان للطلب وجه حق، اما ان تقوم الجهة الحكومية المحكوم عليها بالبسط على أرض الدولة بذريعة إحتياجها  لتلك الارض فان ذلك يعد جريمة يعاقب عليها القانون حسبما ورد في المادة (47) من قانون أراضي وعقارات الدولة.

الوجه الثالث: الفرق بين إحتياج الجهات الحكومية وإحتياج مسئوليها أو موظفيها:

للأسف الشديد بعض الجهات الحكومية تخلط بين حاجتها لأراض أو عقارات الدولة لتنفيذ اغراضها ومهامها وبين حاجة المسئولين في تلك الجهات ،حيث تقوم بعض الجهات بتقسيم الأراضي المخصصة لها على مسئوليها والعاملين فيها، وفي حالات أخرى تتقدم بعض الجهات الحكومية بطلبات للحصول على أراضي الدولة لتقسيمها على المسئولين فيها وموظفيها وقد كان هذا باباً من اخطر انواع الفساد والعبث بأراضي الدولة، فأراضي وعقارات الدولة تخصص فقط للجهة الحكومية كشخصية اعتبارية لتنفيذ مهامها واغراضها القانونية حسبما نصت عليه المادة (9)من قانون اراضي الدولة ، فلاينبغي أن تخصص لمسئولي الجهات الحكومية أو العاملين فيها، فتصرف الجهة الحكومية في الأراضي المخصصة لها سواء لمسئوليها أو لموظفيها أو لغيرهم جريمة يعاقب عليها القانون حسبما سبق بيانه، وكذا قيام الجهة بالتصرف في عقار الدولة على خلاف ما خصص العقار له يعد أيضا جريمة، لان القانون قد صرح بمنع أية جهة غير هيئة الأراضي من القيام بأي تصرف في أراضي وعقارات الدولة بإعتبار هذه التصرفات تفريط في أراضي الدولة التي صرح الدستور بوجوب حمايتها من قبل الجميع حيث نصت المادة (19) من الدستور على أن (للأموال والممتلكات العامة حرمة وعلى الدولة وجميع افراد المجتمع صيانتها وحمايتها وكل عبث بها او عدوان عليها يعتبر تخريباً وعدواناً على المجتمع ويعاقب كل من ينتهك حرمتها وفقاً للقانون) والله اعلم.

الكلمات المفتاحية

الهيئة العامة للأراضي أراضي الدولة التصرف في أراضي الدولة المستثمر عقد الإيجار الحيازة الجهة الحكومية قانون أراضي الدولة الإجراءات القانونية التقاضي

الوسوم

#الهيئة_العامة_للأراضي #أراضي_الدولة #التصرف_في_الأراضي #عقد_الإيجار #الحيازة #الجهة_الحكومية