تحقق المحكمة من مصدرثمن الأموال المكتسبة في الشركة العرفية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
اثناء
قيام الشركة العرفية أو شركة الواقع يقوم
الشركاء بإكتساب أو شراء الأموال بإسم الشركاء جميعاً، واحياناً يقوم كل شريك
بإكتساب أموال بإسمه الشخصي، وفي هذه الأحوال ينبغي على محكمة الموضوع عند الخلاف
بين الشركاء بشأن الأموال المكتسبة ان تتحقق من مصادر الأموال التي دفعها الشركاء
ثمناً لتلك الأموال المستفادة او المكتسبة، هل هي من الشريك الخاص به ام من أموال الشركة؟ حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28/9/2017م في الطعن رقم (59400)، الذي
ورد ضمن أسبابه: ((فقد تبين للدائرة ان الشعبة مصدرة الحكم قررت إلزام الطرفين
بإختيار عدول لتقدير السعي وكان هذا عين الصواب إلا أن الشعبة تغاضت عن تنفيذ
قرارها وقامت بحجز القضية وإصدار الحكم قبل ان تستوفي جوانب النزاع، حيث انها لم
تناقش ما طرحه الخصوم أمامها بصورة كاملة ولم تعط القضية حقها من التحقيق والبحث
خاصة حول موارد الكسب وحول ما اثاره الطاعن في أقواله من أن هناك فوائد خاصة به من
الكرمة، ولم تتأكد من وجود كرمه للأب من عدمها وقدر إستحقاق الأب من الكسب لأهمية
ذلك، وحيث ان محكمة الاستئناف قصرت في حكمها بعدم النظر في القضية بدقة، ولم تتفحص
وتحقق فيما طرح أمامها فإن ذلك يعد قصوراً في التسبيب))، وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: مفهوم الشركة العرفية ومسمياتها :
نظم
القانون المدني الشركة العرفية بهذا الاسم واضاف إليها ايضا اسم شركة الواقع، وعرفها
القانون المدني في المادة (661) بأنها (الخلطة في الأموال والتكافؤ في الأعمال
على ان يعمل شخصان أو اكثر كلٍ بحسب ما يحسنه فيكفي كل منهم الاخر ويكون المستفاد مشتركاً
بينهم جميعاً وما يلزم احدهم يكون عليهم جميعاً)، وفي بعض القوانين العربية يطلق عليها
مسمى (الشركة الفعلية)، حيث تنشأ هذه الشركة بحكم الواقع أو الفعل عندما تختلط
أموال بعض الأشخاص بسبب التركة أو الصداقة العميقة بين بعض الأشخاص، حيث تختلط أموالهم
أو يخلطوا أموالهم فيعملوا على تنميتها واستثمارها واستفادة الأموال من عائداتها،
والأموال المستفادة من عائدات تشغيل المال المختلط وسعي الشركاء، ويطلق القانون المدني
على الأموال التحصلة من تشغيل الشركاء لاموال الكرمة مصطلح (الكسب)، ويطلق في
المناطق اليمنية على المال المتحصل من عائدات الكرمة مصطلحات متقاربة منها
(المستفاد/ المستطلع /والمستفاد ).
الوجه الثاني: معنى الكرمة في الشركة العرفية:
تكرر
ذكر مصطلح (الكرمة) في الحكم محل تعليقنا، ومعنى مصطلح (الكرمة) هو رأس المال
الأصلي المدفوع من الشركاء في بداية نشاط الشركة العرفية، فقد تكون الكرمة عبارة
عن تركة المؤرث التي آلت إلى الورثة فصاروا جميعا شركاء فيها بحسب انصبتهم الشرعية،حيث
يعملوا جميعاً على إستثمارها وتنميتها وشراء الأموال الجديدة بعائداتها، كما قد
تتكون الكرمة أو رأس المال الأصلي في الشركة العرفية نتيجة قيام كل شريك في بداية نشاطها بدفع مال أو مبلغ معين حيث
تختلط هذه الأموال المدفوعة من الشركاء في البداية وتشكل
(الكرمة) في الشركة العرفية، وتحديد مصادر وموارد (الكرمة) ومقدار مساهمة أو نصيب
كل شريك فيها من أهم الوسائل لفهم طبيعة الشركة العرفية ومعالجة إشكالياتها،
فتحديد مساهمة أو نصيب كل شريك يحدد نصيب كل شريك من الأموال المكتسبة من عائدات
الكرمة، فنصيب كل شريك من الأموال المكتسبة يكون بقدر نصيبه في الكرمة أو رأس
المال الأصلي للشركة، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد أرشد إلى وجوب التحقق
مما إذا كان الأب الذي لا زال حياً قد ساهم في الكرمة وكذلك الحال بالنسبة
لمساهمات أولاده الشركاء في الشركة العرفية.
الوجه الثالث: معنى الاموال المكتسبة من الشركة العرفية:
هي تلك الأموال التي يقوم الشركاء بشرائها من
عائدات تنمية وتشغيل الكرمة من قبل الشركاء حيث تضاف هذه الأموال إلى أموال الشركة
العرفية وتأخذ حكمها، وقد يتم شراء هذه الأموال بإسم الشركاء جميعاً فتذكر اسماء الشركاء
في وثيقة الشراء، كما قد يتم شراؤها من قبل شخص أو شريك واحد حيث يشتريها الشخص
باسمه دون ذكر بقية الشركاء، وتحدث الإشكاليات في هذه الحالة أي حينما يشتري
الشريك الأموال باسمه الشخصي دون ان يذكر في مستند الشراء ان المال المشترى لحساب
الشركة العرفية أو الشركاء فيها جميعاً، ولتلافي هذه الإشكاليات فقد أرشد الحكم
محل تعليقنا إلى وجوب التحقق من مصدر ثمن الأموال المكتسبة أو المستفادة للتأكد
مما إذا كان ثمن الأموال المكتسبة قد تم دفعه من كرمة الشركة أم من الأموال الخاصة
بكل شريك في الشركة العرفية؟ ، وقد أرشد الحكم محل تعليقنا إلى هذا الإجراء لما له
من أهمية للوقوف على حقيقة موارد الكسب او معرفة الشخص الذي دفع ثمنها، لأنه
يترتب على ذلك الفصل في النزاع بشأن ملكية العقار او المال المكتسب وما إذا كان من
حق الشركاء جميعا أو أحدهم ، فإذا ثبت ان المال المدفوع من الكرمة فإن المال
المستفاد من الكرمة يكون للشركاء جميعا كلٍ واحد منهم على قدر مساهمته أو نصيبه في الشركة العرفية ، وان ثبت ان المال المدفوع
من الأموال الخاصة بالشيك الذي دفع ثمن المكتسب فإن المال المستفاد يكون لهذا الشريك
وحده، والله اعلم.