سقوط دعوى منع التعرض لا يحول دون رفع الدعوى الموضوعية

 

سقوط دعوى منع التعرض لا يحول دون رفع الدعوى الموضوعية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في حالات كثيرة يقوم بعض الأشخاص عند الإعتداء على عقاراتهم برفع دعاوى منع التعرض(حماية الوضع الظاهر) ثم يتركونها حتى تسقط ثم يقوموا برفع الدعوى الموضوعية، وهي دعوى غصب العقار، وقد قضى الحكم محل تعليقنا  بأن رفع دعوى مستعجلة (منع التعرض) وتركها حتى يتم سقوطها لا يحول  دون رفع الدعوى  الموضوعية  بعد ذلك وهي دعوى الغصب حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-10-2016م في الطعن رقم (٥٨٣٦٧) الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد تبين أن الطاعن نعى على الحكم بأنه أهمل دفعه بعدم قبول دعوى الغصب، لأن المطعون ضده كان قد تقدم قبل ذلك بدعوى منع تعرض ضده ثم اهملها حتى سقطت، وبعد ذلك قام بتقديم دعوى الغصب، واضاف الطاعن أنه قد حاز الأرض، فقام ببناء البيت عليها، والدائرة تجد أن ما اثاره الطاعن عبارة عن جدل في المسائل التي سبق له إثارتها أمام محكمة الموضوع، فمناعي الطاعن ليس فيها ما يؤثر على الحكم الاستئنافي، فدعوى منع التعرض التى سقطت لا تمنع من إقامة الدعوى الموضوعية))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: الوضعية القانونية لدعوى منع التعرض (حماية الوضع الظاهر):

دعوى منع التعرض (حماية الوضع الظاهر) دعوى مستعجلة يستهدف بها المدعي الحصول على تدبير وقتي أو حماية وقتية، ولا تكون للحكم في هذه الدعوى المستعجلة حجية دائمة حسبما هو مقرر في قانون المرافعات، لاسيما في المادة (240) مرافعات وما قبلها، ويلجأ الكثير من الأشخاص إلى رفع الدعوى المستعجلة (منع التعرض أو حماية الوضع الظاهر) لإثبات حيازتهم للعقار المتنازع عليه، إعتقادا منهم بأن ذلك وسيلة لتملك الأرض لاحقا.

الوجه الثاني: تأثير سقوط دعوى منع التعرض على الدعوى الموضوعية :

قضى الحكم محل تعليقنا بأن سقوط دعوى منع التعرض لا يحول دون حق المدعي في تقديم دعوى موضوعية يدعي فيها ملكية العقار ، لان سقوط الدعوى  المستعجلة ( منع التعرض ) يقتصر اثره على دعوى منع التعرض التي سقطت، فلا يمتد اثره إلى حق المدعي في تقديم دعوى جديدة طالما أن الحق المدعى به لم يتقادم، حيث يحق للشخص ان يرفع دعوى جديدة بإجراءات جديدة، ومن باب أولى يحق للشخص ان يرفع دعوى مختلفة عن الدعوى السابقة  كدعوى الغصب التي تختلف تماماً عن الدعوى المستعجلة ( منع التعرض ).

الوجه الثالث: عدم جواز الجمع بين دعوى منع التعرض ودعوى الغصب:

دعوى الغصب: دعوى موضوعية موضوعها إدعاء المدعي بأن الأرض المتنازع عليها هي ملك خاص به وان الغاصب قام بالإستيلاء عليها، في حين ان دعوى منع التعرض إدعاء من المدعي بحيازته للأرض محل النزاع، حيث يطلب المدعي في دعواه  بمنع المدعى عليه من التعرض له في حيازته للأرض محل النزاع، ولا ريب ان هناك فروق بين الدعويين: دعوى منع التعرض ودعوى الملكية من  حيث اهدافهما واغراضهما، ولذلك فإن الفقه والقضاء قد استقر على عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية، فقيام المحكمة بالفصل في دعوى الملكية سوف يحسم النزاع بحكم منه للخصومة، فلاحاجة لان تثار معها دعوى منع التعرض.

الوجه الرابع: حجية الحكم في دعوى منع التعرض عند نظر دعوى الغصب:

سبق القول: بأن الحكم الصادر في دعوى منع التعرض حكم مستعجل ووقتي، لذلك يجوز للمحكمة ان تصدر حكماً مخالفاً له، كما سبق القول: بأن حجية الحكم في الدعوى المستعجلة حجية وقتية فلا يترتب على الحكم في دعوى منع التعرض مركزاً قانوناً دائما، كما أن  الحكم في دعوى منع التعرض لا يدل على ان من صدر الحكم لصالحه مالكاً للأرض، وإن كان يثبت حيازة من صدر الحكم لصالحه للعقار في الوقت الذي صدر فيه الحكم ، فبالإمكان ان يقوم شخص آخر بحيازة العقار ذاته والحصول على حكم آخر يقرر حيازة الأخير، وبما أن الحكم الصادر في دعوى منع التعرض على هذه الوضعية القانونية، فإن المحكوم له بحكم في دعوى منع التعرض لا يستطيع الإحتجاج بهذا الحكم في مواجهة المالك في دعوى الغصب، فأقصى ما يمكن للمحكوم له بحكم في دعوى منع التعرض الاحتجاج به هو الإحتجاج بأنه كان الحائز للعقار حين صدور الحكم في دعوى منع التعرض، قلت هذا: لأن كثير من الأشخاص يفهم أو ينظر أو يتعامل مع الحكم بمنع التعرض كما لو أنه دليل على الملكية، وأن ذلك الحكم سيكون وسيلة لتملك الأرض لاحقا ، ولذلك نلاحظ كثرة دعاوى حماية الوضع الظاهر أو منع التعرض، والله اعلم.