*وجوب الوفاء بحقوق العامل في الأوقات المقررة قانوناً*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️
في بعض الحالات تكون حقوق العامل ثابتة لاخلاف بشأنها فيما بين العامل وصاحب العمل كان يكون العامل قد تقضاها لفترة من الوقت، فعندئذٍ يجب على صاحب العمل ان يسارع الى سداد هذه الحقوق في تاريخ إستحقاقها، فلا يحق لصاحب العمل ان يعلق سدادها على اشياء محل خلاف فيما بينه وبين العامل ، كذلك الحال إذا كانت بعض حقوق العامل محل نزاع فيما بين الطرفين وبعضها ثابت فأنه ينبغي على صاحب العمل المسارعة إلى سداد الحقوق الخالية من النزاع، فلا يحق له ان يعلق الحقوق الخالية من النزاع على الحقوق المتنازع بشأنها، فقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-12-2017م في الطعن رقم (59745)، حيث ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي أنه: ((بعد الإطلاع على أوراق القضية تجد الشعبة ان ما جاء في السبب الأول من أسباب الاستئناف غير مؤثر في النتيجة التي توصلت إليها اللجنة العمالية، إذ أن الدعوى مطالبة بحقوق عمالية كان من الواجب ان تقوم الشركة بدفعها من غير دعوى وجلسات ودفوع، وبالنسبة لقدر المرتب فما جاء في الرد على الاستئناف صحيح، فاللجنة العمالية لم تخطئ في إحتساب الثلاثين الألف المصروف اليومي فوق المرتب ليصبح تسعين ألفاً، وكذلك إحتساب اللجنة لشهر إجازة للسنة الأخيرة فقط وفقاً للقانون، وعلى ذلك فإن أسباب الاستئناف كيدية الهدف منها إطالة أمد النزاع وتأخير دفع المستحقات القانونية، ولذلك فالمستأنف ضده يستحق غرامة النزاع لدى هذه المحكمة ويلزم تأييد الحكم الابتدائي))، وقد أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وبرجوع الدائرة إلى حكم اللجنة التحكيمية وإلى الحكم الاستئنافي المطعون فيه وسائر أوراق القضية فقد تبين ان الطعن لا يوجد به سبب من أسباب الطعن بالنقض المنصوص عليها في المادة (292) مرافعات، وبالرجوع إلى الحكم المطعون فيه فقد تبين أن الشعبة ناقشت ما خلصت إليه اللجنة التحكيمية وما طرح عليها وفقاً للمادة (288) مرافعات بإجراءات سليمة، وحيث ورد في الحديث النبوي الشريف بما معناه إعطاء الاجير اجره قبل ان يجف عرقه، لذلك فقد كان ما قضت به محكمة الاستئناف بتأييدها قرار اللجنة التحكيمية صائباً وفي محله))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️
الوجه الأول: مواعيد الوفاء بحقوق العامل:*
➖➖➖➖➖
*▪️
حدد قانون العمل وقانون التأمينات الاجتماعية مواعيد الوفاء بحقوق العامل، وتختلف هذه المواعيد بإختلاف انواع هذه الحقوق، فهناك حقوق شهرية مثل الأجر الشهري والمكافآت والبدلات الشهرية، وهناك حقوق سنوية مثل المكافآت والبدلات السنوية واكرامية رمضان وإجازة سنوية، وهناك اجور إضافية ومكافآت تتخلل شهور السنة، وهناك مصاريف علاج وتعويضات عن إصابات العمل، ولأهمية هذه الحقوق فقد حدد القانون الآجال الواجب على صاحب العمل الإلتزام بها والوفاء بحقوق العامل حين حلول تلك الإجال ، فمثلاً القانون حدد ميعاد الوفاء براتب العامل في نهاية الشهر أو بداية الشهر التالي على الأكثر وكذلك الحال بالنسبة للبدلات والمكافآت الشهرية فيجب ان تصرف في نهاية الشهر، والمكافآت والبدلات السنوية يجب ان تدفع للعامل في نهاية السنة أو بداية السنة التالية على الأكثر وكذلك الحال بالنسبة للإجازة السنوية، وكذا يجب ان تصرف الأجور الإضافية بعد إنتهاء العامل من أداء العمل الإضافي الذي تم تكليفه للقيام به.*
➖➖➖➖➖
*▪️
الوجه الثاني: وجوب المسارعة في الوفاء بحقوق العامل من تطبيقات مبدأ تقابل الإلتزامات:*
➖➖➖➖➖
*▪️
يقتضي مبدأ تقابل الإلتزامات أنه يجب على الملتزم ان يقوم بالوفاء بالإلتزامات المقابلة الواجبة عليه طالما أن الطرف الآخر قد قام بالوفاء بالتزامه المقابل، وبتطبيق هذا المبدأ على حقوق العامل فأنه يجب على صاحب العمل ان يبادر ويسارع إلى الوفاء بحقوق العامل في مواعيدها المقررة قانوناً طالما أن العامل قد قام بإلتزامه كالعمل طوال الشهر أو العمل الإضافي أو غيرها، وقد أستند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى الحديث الشريف (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)-( صححه الالباني)، وفي هذا الحديث اشارة بالغة الدلالة إلى وجوب المسارعة في الوفاء بحقوق العامل بمجرد ان يفرغ من عمله، وكذا يوجب قانون العمل على صاحب العمل ان يدفع للعامل حقوقه بعد قيام العامل بالتزامه أو في المواعيد المقررة في القانون.*
➖➖➖➖➖
*▪️
الوجه الثالث: حقوق العامل الثابتة وحقوق العامل المختلف بشأنها:*
➖➖➖➖➖
*▪️
المقصود بحقوق العامل الثابتة هي الحقوق التي يستحقها العامل عن اعمال قد قام بها بالفعل أو قد انقضت المدة المحددة قانوناً لإستحقاقه لها، ولذلك فهي ثابتة ومستقرة بذمة صاحب العمل مثل حق العامل للمصروف اليومي الذي كان صاحب العمل يدفعه في السابق إلى العامل بالإضافة إلى الأجر الشهري في القضية التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا، فالمصروف كان ثابتاً ومستقراً بذمة صاحب العمل وكان يواظب على دفعه للعامل بانتظام ثم رفض دفع المصروف للعامل لاحقاً – إلا أنه في بعض الحالات يكون حق العامل غير مستقر بذمة صاحب العمل أو أن صاحب العمل لم يدفع هذا الحق في السابق للعامل أي في السنوات الماضية مثل مطالبات العامل بتسوية حقوقه الماضية إسوة بأمثاله من العمال في الشركة.*
➖➖➖➖➖
*▪️
الوجه الرابع: الاضرار التي تلحق العامل وصاحب العمل نتيجة عدم الوفاء بحقوق العامل في المواعيد المقررة لذلك:*
➖➖➖➖➖
*▪️
لا ريب ان هناك اضرار فادحة معنوية ومادية تصيب العامل نتيجة عدم وفاء صاحب العمل بحقوق العامل في مواعيدها المقررة، وهذه الأضرار ليست خافية على احد ، وبالمقابل هناك اضرار معنوية فادحة تصيب صاحب العمل جراء عدم وفائه بحقوق العامل في ميعادها، ومن ذلك التأثير على سمعة صاحب العمل بين العمال وأصحاب العمل وفي السوق بل ولدى القضاء وغيره، حيث يخسر صاحب العمل قضاياه المستقبلية المماثلة بسبب رسوخ القناعات المسبقة لدى الجهات المعنية بأن صاحب العمل لا يحترم الإلتزامات القانونية ومنها الوفاء بحقوق الغير في مواعيدها.*
➖➖➖➖➖
*▪️
الوجه الخامس: المصروف اليومي يندرج ضمن مفهوم أجر العامل:*
➖➖➖➖➖
*▪️
قضى الحكم محل تعليقنا بأن المصروف اليومي الذي كان يدفعه صاحب العمل للعامل يندرج ضمن مفهوم أجر العامل، فيحق للعامل المطالبة به بإعتباره حقاً مكتسباً وجزءاً لا يتجزأ من الأجر الكامل ولو لم يكن مذكورا في عقد العمل أو نظم الشركة أو جهة العمل ، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا شدد النكير على صاحب العمل الذي رفض دفع المصروف اليومي الذي كان يدفعه في السابق للعامل لفترة عامين ثم قام بقطعه، مع ان عمل العامل لم يتغير، اما إذا تغير عمل العامل وكان المصروف اليومي يدفع له لأجل هذا العمل فلا يندرج المصروف اليومي ضمن أجر العامل إذا انتقل العامل من ذلك العمل ، وكذلك الحال بالنسبة للبدلات الوظيفية التي تمنح للعامل اثناء قيامه بأعمال معينة، فإذا تغير عمل العامل منها فلا يحق له المطالبة بالبدلات التي لا تدفع إلا لمن يقوم بتلك الأعمال تطبيقاً لمبدأ (الأجر مقابل العمل) فالبدل يعطي للعامل نظير أعمال معينة فلا يستحق البدل إذا لم يعد يقوم بتلك الأعمال المعاينة، والله اعلم.*