فتح نوافذ إلى أرض الجار
ضرر مفترض
أ.د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من ضمن الإشكاليات التي تسبب الفتن وتزرع الإحقاد بين الجيران في الحاضر والمستقبل عدم إحترام الجيران للمسافات القانونية لفتح
النوافذ والمناور(القمريات)والمطلات(البلكونات) حيث تتوارث هذه
الإشكاليات الاجيال المتعاقبة على العقارات ولعقود او قرون طويلة،ومع أن القانون المدني قد
منع فتح النوافذ الى ملك الجار الا انه للأسف قد اجاز فتح المناور المرتفعة لدخول
الهواء والنور والمشاكل حتى يتم تسميم العلاقة بين الجيران، وبالنسبة للنوافذ فقد صرح الحكم محل تعليقنا بانه لا يلزم ثبوت وقوع ضرر بالجار من فتح النوافذ الى ملكه، لان الضرر مفترض بحكم القانون حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة
المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/1/2013م في الطعن رقم (46543)،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان جاراً قام بفتح
نوافذ على أرض جاره من غير ان يترك المسافة القانونية لذلك وهي متر بحجة ان هناك ممر مخطط بوسط أرض جاره يبعد عن جدار منزله بمترين لأن هذا الممر طريق عام تم تخطيطه من قبل الدولة، في حين ان النوافذ التي فتحها صاحب البيت إلى ملك جاره لم تكن على ذلك الممر وإنماةكانت مفتوحة إلى أرض جاره مباشرة فقد ترك صاحب النوافذ مسافة22 سم فقط في حين ان المسافة المحددة قانونا هي 100سم ،وقد قضى الحكم المشار اليه بانه ((فقد تبين
للدائرة ان مناعي الطاعن غير منتجة وغير مؤثرة على ما قضى به الحكم المطعون فيه، ذلك ان التقرير المرفوع إلى محكمة الاستئناف قد اوضح ان الطاعن لم يترك
من ملكه في الجهة المواجهة لملك المطعون ضده غير
مسافة 22 سم وان الممر الوارد في المخطط الجوي غير منفذ على الطبيعة كما انه يمر
وسط أرضية الجار التي فتح اليها الطاعن نوافذه فالممر المشار إليه يبعد عن أرض الطاعن بمسافة مترين ولذلك فان إلتفات المحكمة عن الرد على دفاع الطاعن بان أرض جاره الملاصقة لمنزله ليس
فيها فائدة بالنسبة لجاره لان عرضها مترين
فقط فجاره لا يستطيع البناء عليها أو الاستفادة منها ولذلك فليس على جاره ضرر من فتح النوافذ إلى ذلك الجزء اليسير من الأرض التي لا يستطيع جاره الانتفاع بها، فالدائرة تجد أنه لا يعيب الحكم الاستئنافي الالتفات عن
دفاع الطاعن السابق ذكره وان ذلك لا يقدح في الحكم الاستئنافي ما دام ان المسافة
المتروكة من ملك الطاعن في الجهة المواجهة لملك المطعون ضده هي بحسب التقرير اقل
من المسافة المحددة قانوناً في المادة (1173) مدني التي نصت على أنه (ليس للجار ان
يفتح على ملك جاره نافذة دون ان يترك من
ملكه مسافة متر تقاس من ظهر الحائط أو الخارجة منه...الخ) وما دام ان الممر الذي
يتذرع به الطاعن والظاهر في المخطط الجوي لم ينفذ على الواقع وان تم تنفيذه مستقبلاً فانه غير ملاصق لملك الطاعن وإنما يبعد عنه
مسافة مترين وكسور، فهذه المسافة التي فتح عليها الطاعن نوافذه يبلغ عرضها متران
ويبلغ طولها احد عشر متراً وكسور ملك المطعون ضده إذ أن ذلك كله يحتم القضاء بسد النوافذ المفتوحة من عمارة الطاعن على ملك المطعون ضده دونما حاجة إلى
أن تتحدث محكمة الموضوع عن حدوث ضرر من فتح النوافذ أو عدمه، لان المشرع قد حظر على الجار ان يفتح على ملك جاره نوافذ دون ان يترك
من ملكه مسافة متر حسبما نصت عليه المادة السابق ذكرها، فالحظر يقتضي إزالة الفعل المحظور بلا نظر إلى
كونه أحدث ضرراً بالفعل أو لم يحدث، لأنه مع الحظر يكون الضرر مفترضاً قانوناً)وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو
مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: معنى الضرر المفترض في فتح نوافذ إلى أرض الغير:
معنى ذلك ان القانون قد افترض وجود ضرر عند فتح النوافذ إلى أرض الجار أي
ان الضرر في هذه الحالة موجود بحكم القانون فلا سبيل أمام صاحب النوافذ المفتوحة إلى أرض الجار لإثبات خلاف
الافتراض القانوني بوجود ضرر في هذه الحالة، وقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد
قضى بان الضرر من فتح نوافذ لأرض الغير مفترض بحكم القانون، وسند الحكم في ذلك هو
النص القانوني الصريح بحظر أو منع فتح نوافذ إلى أرض
الغير حسبما ورد في المادة (1173) مدني التي نصت على أنه (ليس للجار ان يفتح على
ملك جاره نافذة دون ان يترك من ملكه مسافة متر تقاس من
ظهر الحائط او الخارجة منه ولا تشترط مسافة عند
إنشاء المناور التي تعلو قاعدتها عن قامة الإنسان العادي فلا تسمح لأحد بالرؤية
الجارحة وإنما تسمح بنفوذ النور ومرور الهواء فقط وللجار ان يبني في ملكه وإن سد النور)، فقد فهم الحكم محل تعليقنا ان هذا النص يفيد المنع والحظر، فطالما أن النص قد منع الجار من فتح نوافذ إلى ملك
جاره فان القانون ذاته قد افترض ان فتح النوافذ إلى أرض الجار له
اضرار ومفاسد وفتن قدر القانون حدوثها جراء فتح النوافذ إلى
ملك الغير، وبناءً على ذلك فأنه لا يلزم الجار ان
يثبت الضرر الذي يلحقه من فتح النوافذ إلى ملكه، ومن جانب آخر فانه لا يقبل من الشخص الذي فتح النوافذ ان ينفي وقوع
الضرر على جاره من فتح النوافذ مثلما صنع الشخص الذي فتح النوافذ في الحكم محل تعليقنا، كما ان إفتراض القانون للضرر من فتح النوافذ إلى ملك الغير يدل على ان المشرع رأى
ان هناك مفسدة عامة وإخلال بالآداب العامة عند فتح النوافذ إلى ملك الجار ويظهر ذلك من ورود
جملة ((منع الرؤية الجارية)) إضافة إلى أنه يترتب على فتح نوافذ إلى ملك الغير
حدوث فتن ومفاسد حيث يكون فتح النوافذ إلى ملك الغير سبباً لخلافات بين الجيران تمتد لعقود وأجيال إضافة إلى أن فتح النوافذ إلى ملك الغير يزيد من حدة مضار الجوار كانبعاث الاصوات
والروائح وغيرها مما يؤدي إلى عدم إنسجام علاقة الجوار، فضلا عن ان فتح النوافذ
إلى ملك الغير يؤدي إلى إنخفاض القيمة
الحقيقية للعقارين المتجاورين حيث يخشى الراغبون بشراء أي من العقارين من وجود سبب متوقع للمشاكل وهو النوافذ المفتوحة إلى ملك الغير لما تسببه من مشاكل بين الجيران.
الوجه الثاني: فتنة المناور والبلكونات المفتوحة إلى ملك الغير وخازوق القانون المدني وتوصيتنا:
مع ان المادة (1173) مدني السابق ذكرها في الوجه الأول قد ادركت المضار والمفاسد المترتبة على فتح النوافذ إلى ملك الجار إلا أنها قد اجازت فتح المناور إلى ملك الجار وهي الفتحات التي يبلغ إرتفاعها قامة الانسان العادي!!!!! وذلك للتهوية ودخول النور!!!، وهذا الأمر يسبب إشكاليات بين الجيران تصل في بعض الحالات إلى القتل، لان هذه المناور تتحول في حالات كثيرة إلى نوافذ تتسبب في معارك طاحنة بين الجيران لأجيال وعقود فالواقع يدل على ذلك، علماً بان هذه الفقرة منقولة من القانون المصري الذي نقلها بدوره من القانون الفرنسي، ومعلوم ان القيم الدينية والاخلاقية والاعراف والتقاليد تختلف فيما بين صنعاء وباريس، فكان الواجب على المقنن ان يراعي هذه المسألة،علاوة على ان هذا النص قد ترك خازوقا للعلاقة بين الجيران ووضع خميرة للنزاعات فيما بين الجيران عن طريق إباحته لفتح المناور إلى ملك الجار، اضافة الى أن تحديد إرتفاع المناور بقامة الانسان العادي فيه مشقة بالغة فمن هم الناس الذين سيتم إختيار الانسان العادي منهم، وهل هم الناس جميعا أم أهل اليمن فقط أم أهل المدينة أم ماذا ؟ !!! فقد كان بوسع النص القانون المشار اليه تحديد المسافة بالمتر أو السنتيمتر للخروج من هذه الاشكالية التي فتحت بابا آخر للمشاكل بين الجيران ، ولذلك فأننا نوصي مخلصين بحذف المناور من المادة (1173) مدني حتى تكون المادة عامة لا إستثناء فيها بحيث تمنع المادة فتح أي نوافذ أو مطلات (بلكونات) أو مناور مالم يترك الفاتح المسافة القانونية حتى تسود علاقات الجوار والاحترام بين الجيران بدلاً من علاقات الإحتراب والخصام،والله اعلم.