المصاهرة المانعة للحيازة

المصاهرة المانعة للحيازة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

القرابة والمصاهرة تمنع القريب الحائز من التمسك بالحيازة في مواجهة قريبه المالك، لان حيازة القريب وثبوته وسكوت القريب المالك وعدم معارضته لقريبه الحائز  يحمل ذلك على أنه من قبيل البر والاحسان والمعروف بين الاقارب ، حسبما صرح الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/11/2008م في الطعن رقم (32526) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم:ان المدعي تقدم امام المحكمة الابتدائية بدعواه ضد صهره ( زوج اخته) مطالباً باإلزام  المدعى عليه برفع يده عن مواضع زراعية وضع المدعى عليه يده عليها ورفض تسليم غلولها ،فتمسك المدعى عليه بانه قد اشترى تلك المواضع وانه ثابت وحائز لتلك المواضع  منذ مدة طويلة من غير معارضة او ممانعة من المدعي، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بالزام المدعى عليه بإطلاق تلك المواضع لثبوت ملكية المدعي لها وانه لا يحق للمدعى عليه التمسك بالثبوت على تلك المواضع في مواجهة صهره المدعي لوجود القرابة والمصاهرة  المانعة للإدعاء بالحيازة ،وقد ايدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي (لان الادعاء بالملك بالثبوت ومضي المدة لم يكن في محله قانوناً لثبوت ملكية المورث عن طريق المستندات التي ابرزها، ومن جانب آخر  فان علاقة القرابة بالمصاهرة والنسب بين الطرفين تجعل الثبوت ومضي المدة غير ذات جدوى في التملك) وقد أقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما قول الطاعن بان الحكم المطعون فيه لم يلتفت إلى انه ثابت على المواضع محل النزاع فقد ناقش الحكم المطعون فيه ذلك بقوله: ان القرابة سبب مبطل للتمسك بالثبوت،وفي ذلك رد على الطاعن بما فيه الكفاية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:

استند الحكم في قضائه الى المادة (1118) مدني التي نصت على ان (لا تسمع دعوى الملك من حاضر على ذي اليد الثابتة الذي يتصرف تصرف المالك بلا مطالبة ولا قرابة ولا مصاهرة ولا ظروف غير عادية تسود فيها الفوضى او التغلب ويتعذر فيها الوصول إلى الحق وذلك بعد مضي ثلاثين سنة من يوم وضع اليد والعبرة في إعتبار الشخص غائباً عن البلد هي بوجوده خارجها طوال المدة المقررة ويعتبر حاضراً اذا كان متردداً اليها، ويستثنى من ذلك الميراث والوقف والشراكة فلا تحدد بمدة ويلحق بذلك اذا كان هناك قرائن قوية دالة على صحة الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق) فالنص قد صرح بان القرابة والمصاهرة تمنع القريب والصهر من التمسك بالحيازة او الثبوت في مواجهة قريبه او صهره  المالك للأرض، فصيغة القرابة والمصاهرة وردت في النص السابق وردت مطلقة وعامة، فأي قرابة او مصاهرة تمنع الصهر الحائز من التمسك بالحيازة والثبوت في مواجهة صهره المالك.

الوجه الثاني: القرابة والمصاهرة المانعة للتمسك بالحيازة:

سبق القول ان صيغة القرابة والمصاهرة في النص القانوني السابق ذكره قد جاءت عامة ومطلقة، وتبعاً لذلك فان أي قرابة او مصاهرة تمنع تمسك القريب او الصهر بالثبوت والحيازة في مواجهة قريبه او صهره المالك غير ان الأمر يقتضي التعريف بالقرابة والمصاهرة بصفة عامة، فقد عرف القانون المدني  القرابة عامة في المادة (42) التي نصت على ان (أقارب الشخص هم الذين يجمعهم معه أصل مشترك ويحدد القانون الخاص درجات القرابة) في حين بينت المادتان (43 و 44) مدني درجات القرابة وانواعها حيث نصت المادة (43) على ان (القرابة المباشرة هي الصلة بين الأصول والفروع والقرابة المباشرة هي الصلة بين شخصين يجمعهما اصل مشترك دون ان يكون احدهما فرعاً للأخر)،وفي هذا السياق نصت المادة (44) على ان (تحتسب صلة القرابة المباشرة على أساس ان كل فرع درجة عند الصعود للأصل بخروج الأصل الذي تحسب القرابة اليه، وتحسب درجة القرابة غير المباشرة باعتبار الفرع درجة صعود إلى الأصل المشترك ثم نزولاً منه إلى الفرع الأخر ولا يحسب الأصل المشترك) وبناءً على هذا النص فان القرابة والمصاهرة تكون مانعة للتمسك بالحيازة ما دام يجمع بين الحائز للأرض ومالكها اصل مشترك، والمقصود بالأصل المشترك  إنتساب الحائز والمالك إلى جد مشترك ثابت اسمه في الوثائق والمحررات، وتعامل القرابة من الرضاع كالقرابة من النسب من حيث منع التمسك بالحيازة.

الوجه الثالث: المصاهرة المانعة من التمسك بالحيازة وتوصيتنا للجهة المختصة:

لم يبين القانون المدني او قانون الأحوال الشخصية قرابة المصاهرة في حين بينت القوانين المدنية في الدول الاخرى قرابة المصاهرة حيث نصت االمادة (37) من القانون المدني المصري على ان (اقارب احد الزوجين يعتبرون في نفس القرابة والدرجة بالنسبة إلى الزوج الأخر) فقرابة الزوج  تشمل اصوله وفروعه وحواشيه وبالمقابل فانها تشمل ايضا اصول وفروع وحواشي زوجته،  وربما ان القانون اليمني لم يبين قرابة المصاهرة باعتبارها واضحة في قوله تعالى { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا..) [سورة الفرقان54] حيث قرنت الآية بين قرابة النسب والمصاهرة، ونوصي الجهة المختصة بتعريف قرابة المصاهرة على غرار تعريفها في  القوانين المدنية العربية حتى لاتكون هذه المسالة عرضة للاجتهادات والتفسيرات المتباينة لاسيما ان قضايا الحيازة والثبوت كثيرة جدا في اليمن  .

الوجه الرابع: الحكمة من جعل القرابة والمصاهرة مانعة من التمسك بالحيازة:

تكمن الحكمة من جعل القرابة والمصاهرة مانعة لتمسك الحائز الصهر بالحيازة في مواجهة قريبه او صهره المالك هو ان الباعث على سكوت القريب على حيازة قريبه او صهره  هو البر والإحسان والمعروف إلى الاقارب الذي امر الله له  به في آيات كثيرة حث فيها الخالق تبارك وتعالى على الإحسان إلى الاقارب منها قوله تعالى {.. قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ...} [سورة البقرة 215] وكذا قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الاقربون أولى بالمعروف) فليس من المقبول ان يحمل سكوت القريب او الصهر على حيازة قريبه وصهره على انه تمكين للقريب الحائز من تملك ارضه، فالقريب والصهر المالك في هذه الحالة محسن لقريبه الحائز، فإدعاء الصهر الحائز  تملك أرض صهره المحسن عن طريق الحيازة ينافي قوله تعالى {..مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ...} [سورة التوبة 91]،والله اعلم.