مخالفة المحكم لمبدأ
المواجهةوالتداعي عن طريق الهاتف
أ.د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تقوم فكرة التحكيم على رضاء اطراف الخصومة غير ان ذلك لا يعني مخالفة
المحكم لمبادئ التقاضي أو قواعد النظام العام المنصوص عليها في قانون المرافعات، فقيام المحكم بالاستماع إلى دعاوي بعض الخصوم والشهود عن طريق الهاتف من
غير كتابتها في محاضر وتمكين بقية الخصوم من مطالعتها
ودراستها والرد عليها يعطل مبدا المواجهة، لأن مخالفة المحكم لهذا المبدا
تجعل حكم التحكيم باطلا حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19/12/2012م في الطعن رقم (46563)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم : ان ورثة اختلفوا بشأن
تركة مورثهم ،فقاموا بتحكيم أحد الأشخاص الذي استمع إلى
دعوى احدهم المقيم في السعودية عن طريق الاتصال الهاتفي
حيث كان المحكم يقوم بالاتصال الهاتفي مع المذكور الذي كان يبدوا انه كان ملما بموضوع الخلاف وتفاصيله إضافة الى أنه كان يحضى بإحترام بقية الورثة حيث كان المحكم
يضطر إلى التواصل مع ذلك المقيم في السعودية بإستمرار علاوة على أن المحكم قد أستمع إلى أقوال بعض الشهود عن طريق الهاتف لأنهم
خارج اليمن وكان ذلك يتم في جلسات يعقدها المحكم بحضور بقية الورثة المقيمين في
اليمن ، وعندما أصدر المحكم حكمه قام أحد الورثة بتقديم دعوى
بطلان حكم التحكيم على أساس ان حكم التحكيم قد اهدر مبدأ المواجهة، لان أغلب الدعاوى والايضاحات والشهادات كانت تتم عن طريق
الهاتف وليست مكتوبة في محاضر الجلسات،ولذلك لم تتم مواجهة بقية الورثة بها حتى يتمكنوا من دراستها والرد والتعقيب
عليها في متسع من الوقت، وقد توصلت الشعبة
المدنية إلى الحكم بقبول دعوى البطلأن وإبطال حكم
التحكيم، وفي وقت لاحق قضت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بإقرار الحكم
الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ((بعد الرجوع إلى أوراق القضية
فقد تبين للدائرة ان أسباب الطعن غير مؤثرة في سلامة الحكم المطعون فيه، لان الثابت ان محكمة الاستئناف قد ناقشت أسباب البطلان المذكورة في دعوى
البطلان وثبت لدى المحكمة ان حكم التحكيم قد شابته عيوب إجرائية جوهرية اهمها خلو
حكم التحكيم من المواجهة ومناقشة الأدلة وعرضها على المدعي بالبطلان وفقاً لأحكام
المادة (37) تحكيم كما أنه لم يتم تحديد موضوع التحكيم في وثيقة التحكيم
كما ان حكم التحكيم قد اغفل البيانات الجوهرية اللازم توفرها في حكم التحكيم حسبما هو ثابت في
حكم التحكيم مما يجعل الدائرة ترفض الطعن)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو
مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية مبدأ المواجهة
:
مبدأ المواجهة من أهم المبادئ الحاكمة للتقاضي، ويعني هذا المبدا انه يجب تمكين الخصوم من الإطلاع والدراسة والرد على
كافة المذكرات والأدلة المقدمة في الدعاوى التي يكونوا أطرافا فيها ليس هذا فحسب بل ينبغي منح الخصوم فرصة من الوقت لدراسة كل ما يتم تقديمه حتى يتمكنوا من
إعداد دفاعهم، وتظهر أهمية مبدأ بالنسبة للقاضي في ان الحقيقة لاتظهر للقاضي إلا من خلال تبادل الردود والتعقيبات والمذكرات بين الخصوم التي تكشف
الحقيقة،فعندئذ يكون حكم القاضي عنوان الحقيقة
(مبدأ المواجهة، د.عبدالله بن سعد، صـ125).
الوجه الثاني: وجوب تطبيق مبدأ المواجهة وإحترامه واهميته:
لان مبدأ المواجهة من أهم المبادئ الحاكمة للتقاضي فقد صرح قانون
المرافعات على وجوب العمل بهذا المبدا وتطبيقه من قبل القاضي ومن قبل الخصوم ووجوب إحترامه من قبل الجميع، ولأهمية هذا المبدأ فقد ذكره
قانون المرافعات ضمن الفصل الرابع بعنوان (المبادئ الحاكمة
في القضاء والتقاضي) للتدليل على مكانته واهميته حيث نصت المادة
(19) من القانون على أنه (يجب على القاضي المحافظة على مبدأ المواجهة اثناء
التقاضي ويضمن إحترامه بين الخصوم) ومن خلال صيغة النص
يظهر جلياً بانها قد جاءت بصيغة الوجوب على القاضي وهذا يعني ان هذا النص آمر ويعني أيضاً أنه
متعلق بالنظام العام لانه من أهم المبادئ الحاكمة للقضاء حيث يترتب على الإخلال به الإخلال بإجراءات التقاضي ذاتها ومن ثم الإخلال بالعدالة، كما أن النص قد صرح بأن القاضي هو الضامن
والمسئول عن تطبيق مبدأ المواجهة،لان هذا المبدا من المبادئ الحاكمة للقضاءوالتقاضي كما انه أيضاً مبدأ من مبادئ المحاكمة العادلة فضلاً عن كونه ضمانة من أهم ضمانات
التقاضي، ومن هذا المنطلق فان جزاء مخالفة مبدأ المواجهة أو عدم إحترامه يكون بطلان
الحكم، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا بإبطال حكم التحكيم، لان المحكم الذي اصدر الحكم لم يحترم مبدأ المواجهة حيث اعتمد حكمه على الدعاوى
والإفادات والشهادات التي كانت تتم عن طريق الاتصالات الهاتفية التي كانت ترد اليه من كبير
الورثة المقيم في السعودية والأكثر معرفة وأمانة بخفايا النزاع حسبما ذكر المحكم
في حكمه فلم يقم المحكم بتدوين تلك الشهادات والدعاوي في محاضر جلسات التحكيم حتى يتمكن الخصوم
من دراسة الدعاوى والردود والأدلة في متسع من الوقت وحتى يتمكنوا من الرد عليها عن علم وبصيرة فلا يكفي ان يقوم
المحكم بفتح مكبر الصوت في هاتفه حتى يسمع بقية الورثة في الجلسة، كما لا يسعف حكم التحكيم من البطلان أن غالبية الورثة كانوا موافقين
على قيام الخصم المقيم في السعودية بتقديم دعاويه وأدلته وردوده عن طريق الهاتف
الخلوي طالما أنه لم يتم اثباتها في محاضر الجلسات، لان مبدأ المواجهة
من النظام العام الذي لا يجوز للخصوم الاتفاق على خلافه.
الوجه الثالث: مدى جواز مباشرة بعض الإجراءات أمام المحكم عن طريق
الهاتف:
من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد أنه قد قضى بإبطال حكم التحكيم الذي لم يحترم مبدأ المواجهة،فلم يكن إبطال حكم التحكيم لأن المحكم قبل ان تتم إجراءات التحكيم عن طريق الهاتف، حيث يجوز مباشرة اجراءات التحكيم عن طريق الهاتف غير انه ينبغي في هذه الحالة مراعاة بعض الإعتبارات عند مباشرة إجراءات التقاضي عن طريق الهاتف منها ان يتم الاستماع للاقوال في أثناء جلسة التحكيم بحضور الخصوم جميعا وان يقوم المحكم بتكبير صوت الهاتف حتي يبلغ صوت الخصم المتحدث إلى مسامع جميع الخصوم الحاضرين، لأن المقصود من حضور الخصوم جلسات التحكيم هو تمكينهم من الادلاء باقوالهم والاستماع إلى أقوال خصومهم عملا بمبدا المواجهة وشفوية المرافعات، لان الغرض من المواجهة هو المواجهة في الأقوال والمذكرات غير ان المواجهة عن طريق الهاتف شفوية والقانون اشترط ان تكون الدعوى مكتوبة كما ان الصوت عن طريق الهاتف يتعذر إثباته في محضر الجلسة، ومن وجهة نظرنا ان الترافع أمام المحكم عن طريق الهاتف ممكن شريطة ان يسبق ذلك قيام المترافع عن طريق الهاتف بتقديم عريضة دعوى مكتوبة وإعلان الخصم بنسخة منها عن طريق الواتس أو غيره من وسائل التواصل الإجتماعي على ان تتم كتابة المرافعات الشفوية التي تتم بواسطة الهاتف في محضر الجلسة وان يقبل بقية الخصوم بهذه الطريقة وان يصرح الخصوم الحاضرين في الجلسة بان الصوت عبر الهاتف هو بالفعل صوت الخصم المترافع عن طريق الهاتف وشريطة ان يتم تكبير الصوت اثناء المرافعة أمام المحكم بحيث يسمعه الخصوم جميعهم في الجلسة، فالحكم محل تعليقنا رفض الترافع عن طريق الهاتف لانه لم يتم مواجهة الخصوم بدعوى وأدلة المترافع عن طريق الهاتف كما أنه لم يثبت اقوال المترافع في الهاتف في محاضر جلسات التحكيم ولذلك فقد تعذر تحقيق مبدأ المواجهة فلم تتم مواجهة بقية الاطراف بدعاوى وإفادات وأدلة المترافع عن طريق الهاتف،والله اعلم.