لا يجوز التحكيم لتنفيذ حكم التحكيم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
حصر
قانون التحكيم الإختصاص بتنفيذ حكم التحكيم في محكمة الاستئناف او من تنيبه محكمة
الاستئناف لهذه الغاية، واستناداً لذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بعدم جواز التحكيم لتنفيذ حكم التحكيم حسبما
قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
25-1-2017م في الطعن رقم (58480)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وقد وجدت الدائرة ان
مناعي الطاعن في غير محلها ولا سند لها من القانون، إذ أن محكمة الاستئناف كانت قد
اقامت قضاءها على سببين: الأول: مخالفة حكم التحكيم للمادة (58) تحكيم التي جعلت
التنفيذ لأحكام المحكمين لمحكمة الاستئناف أو أي محكمة تنيبها في ذلك وهذا أمر
وجوبي لا يجوز الإتفاق على خلافه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين
في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: أسباب لجوء المحكوم لهم للتحكيم لتنفيذ حكم التحكيم :
في
حالات كثيرة لا يستطيع بعض الأشخاص اللجوء إلى القضاء لتنفيذ أحكام التحكيم بسبب
بطء إجراءات التنفيذ في المحاكم بالإضافة
إلى تكاليف التنفيذ الباهضة، ولأن منازعات التنفيذ تتحول في حالات كثيرة إلى
منازعات مرهقة لطالب التنفيذ لا تختلف عن
المنازعات الموضوعية السابقة لصدور حكم التحكيم
بل ان منازعات التنفيذ تكون أكثر اجهاداً وارهاقاً لطالب التنفيذ من المنازعة
التحكيمية ، لأن إجراءات التنفيذ تتم بصفة مستمرة ومتواصلة، ولاتتقيد بجلسات معينة
، كما أن إجراءات التنفيذ تتم عن طريق جهات خارج المحكمة كالشرطة والعدول...إلخ،
ولذلك يحجم بعض المحامين عن الترافع في قضايا التنفيذ أو يطالبوا بأتعاب مضاعفة، وعلى
هذا الأساس فإن كثيراً من الأشخاص يلجاوا إلى التحكيم لتنفيذ الأحكام مثلما وقع في
القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني: ماهية تنفيذ الحكم:
حدد
قانون المرافعات الإجراءات التمهيدية للتنفيذ وإجراءات التنفيذ ومنها وضع الصيغة
التنفيذية على نسخة الحكم المراد تنفيذه وإجراءات التنفيذ الجبري والحجز التنفيذي
والاستعانة بالسلطة العامة، وغيرها من الإجراءات التي يباشرها قاضي التنفيذ
مستعيناً بمعاون التنفيذ ورجال السلطة العامة، وقد تحتاج إجراءات التنفيذ إلى
إستعمال القوة من رجال السلطة العامة حسبما صرح قانون المرافعات، ومن خلال العرض
الموجز لإجراءات تنفيذ الأحكام خاصة إجراءات التنفيذ الجبري يظهر ان المحكم غير
مخوّل قانوناً بمباشرة إجراءات التنفيذ، لان ولاية المحكم ولاية استثنائية تنحصر في الفصل في الخصومة التحكيمية، فالمحكم
لا يملك أي عمل من الأعمال الولائية.
الوجه الثالث: حصر تنفيذ حكم المحكم على محكمة الاستئناف أو من تنيبه:
حصرت
المادة (58) تحكيم تنفيذ حكم التحكيم على محكمة الاستئناف أو من تنيبه محكمة
الاستئناف، ومعلوم أن إنابة محكمة الاستئناف تكون للمحكمة الابتدائية التي تتبعها ،
فلا تجوز الإحالة أو الانابة من السلطة القضائية إلى غيرها من الأشخاص او الجهات
غير القضائية حسبما سبق بيانه في تعليق سابق، ولذلك لا يحق ولا يجوز التحكيم
لتنفيذ الحكم بواسطة محكم أو هيئة تحكيم حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الرابع: التحكيم لتنفيذ حكم التحكيم والتحكيم في منازعات التنفيذ:
حصر
قانون التحكيم الإختصاص في تنفيذ حكم التحكيم على محكمة الاستئناف، وفي هذا الشأن
نصت المادة (58) تحكيم على أن: (تختص محكمة الاستئناف أو من تنيبه بتنفيذ أحكام
التحكيم)، وقد استند الحكم محل تعليقنا إلى هذا النص في عدم جواز التحكيم لتنفيذ
حكم التحكيم، لأن القانون حصر الإختصاص في
تنفيذ حكم التحكيم بالمحكمة الاستئنافية أو من تنيبه المحكمة الاستئنافية،
ولا تجوز الإنابة أو الإحالة من القضاء إلى جهة غير قضائية حسبما تقدم بيانه، اما
التحكيم في منازعات التنفيذ فقد نصت المادة (5) تحكيم على أنه: لا يجوز التحكيم في
منازعات التنفيذ الجبري، حيث نصت هذه المادة على أنه: (لا يجوز التحكيم فيما يأتي:
-ج- المنازعات المتعلقة بإجراءات التنفيذ جبراً)، حيث يفهم من هذا النص أنه يجوز
التحكيم في منازعات التنفيذ غير الجبري بدلالة مفهوم النص، وهذا من سوء الصياغة في
قانون التحكيم، لأن الجدل الذي ثار في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان
يدور بشأن فهم الفقرة (ج) من المادة (5)، حيث كان الطاعن يجادل ويرى انه يجوز
التحكيم في منازعات التنفيذ الإختياري لحكم التحكيم والمنازعات التي تحدث بمناسبة
التنفيذ الاختياري، في حين قضى الحكم محل تعليقنا بأن التحكيم لتنفيذ حكم التحكيم
لا يجوز مطلقا إستناداً إلى المادة (58) تحكيم التي حصرت الاختصاص في تنفيذ الحكم
في محكمة الاستئناف أو من تنيبه، والله اعلم .