دعوى تعويض المضرور من الجريمة امام القاضي المدني

دعوى تعويض المضرور من الجريمة امام القاضي المدني

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اجاز قانون الإجراءات للمضرور من الجريمة ان يرفع دعوى مدنية مستقلة أمام القاضي المدني للمطالبة بتعويضه عن الأضرار التي لحقت به بسبب الجريمة، ومن تطبيقات ذلك الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/10/2008م في الطعن رقم (32357)، وتتلخص وقائع هذا الحكم في ان أحد الأشخاص قام بتقديم شكوى اتهم فيها شخصاً أخر بانه قام بالسرقة، فقام قسم الشرطة بالقبض على المشكو به وإيداعه الحبس ثم قام بإحالته إلى النيابة العامة التي قامت بالتحقيق معه،ومن خلال ذلك ظهر لها عدم وجود أي دليل على إرتكاب المدعي المشكو به للجريمة فقامت النيابة بإطلاق سراحه بعد ان مكث في الحبس 38 يوماً، وبعد ذلك قام المشكو به بتقديم دعوى مدنية أمام المحكمة المدنية مطالباً إلزام الشاكي المدعى عليه بتعويضه عما لحقه من ضرر مادي ونفسي بسبب قيام الشاكي باتهامه بالسرقة، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإلزام المدعى عليه بدفع مبلغ مائتين وخمسين الف ريالا تعويضا للمدعي،وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (فقد ثبت للمحكمة تعرض المدعي للضرر المادي والنفسي بسبب إتهامه بالسرقة من قبل المدعى عليه مما يستدعي الزام المدعى عليه بدفع مبلغ مأتين وخمسين الف ريالاً تعويضاً للمدعي لثبوت قيام المدعى عليه  بإتهام المدعي بالسرقة، وبسبب ذلك تم القبض على المدعي وحبسه في السجن وإحالته إلى النيابة التي أصدرت قراراً بان لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية ضد المدعي، وحيث ان الحبس قد كان نتيجة إتهام المدعى عليه للمدعي بالسرقة دون ان يكون لدى المدعى عليه أي دليل على ذلك، إلا أن مبلغ التعويض الذي طالب به المدعي مبالغاً فيه حيث طلب مبلغ مليون ريالاً لاسيما وان فترة الحبس التي بقي المدعي خلالها في الحبس هي ثمانية وثلاثين يوماً) وقد أيدت الشعبة المدنية الحكم الابتدائي غير انها عدلت مبلغ التعويض إلى مائة وخمسة وعشرين الف ريالاً، ثم أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (إذ أن الثابت من حيثيات الحكم الابتدائي المؤيد من الاستئناف وقوف المحكمتين على صحة الدعوى المرفوعة من المدعي بالحق المدني المتعلقة بمطالبته بالتعويض عن الضرر الناشئ عن تعرضه للحبس في واقعة لم تثبت قبله بدليل صدور قرار من النيابة العامة قضى بان لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية لعدم معرفة الفاعل مؤقتاً، وحيث أن تأييد الحكم الاستئنافي قد جاء معدلاً في مقدار التعويض بما ينسجم وواقع الحال فإن الحكم المطعون فيه يكون بذلك قد قضى بصحيح الشرع والقانون مما يستوجب رفض الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: جواز قيام المجني عليه برفع دعواه المدنية إستقلالا عن الدعوى الجزائية:

مع ان الغالب ان تقام الدعوى المدنية التبعية للدعوى الجزائية أمام القاضي الجزائي لتعلق الدعوى المدنية وإرتباطها بالدعوى الجزائية توفيرا للجهد والوقت إلا أنه من محاسن قانون الإجراءات اليمني انه اجاز للمجني عليه المضرور من الجريمة ان يتقدم بدعواه المدنية أمام القاضي المدني مباشرة وبصفة مستقلة عن الدعوى الجزائية حيث نصت المادة (44) إجراءات على أنه (يجوز مباشرة الدعوى المدنية بصفة مستقلة عن الدعوى الجزائية وفي هذه الحالة يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائياً في الدعوى الجزائية المقامة قبل رفعها أو في اثناء السير فيها وللمحكمة ان تقرر ما تراه من خلال الإجراءات الاحتياطية المستعجلة المناسبة لحماية المضرور ،على أنه اذا أوقف الفصل في الدعوى الجزائية لإصابة المتهم بعاهة عقلية يفصل في الدعوى المدنية) وقد امتاز القانون اليمني على نظيره المصري في هذه المسألة، ومن خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد أنه لم يوقف الدعوى المدنية المستقلة لانه لم تكن هناك  دعوى جزائية منظورة أمام القاضي الجزائي حيث يحق للمدعي بالحق المدني اللجوء إلى القاضي المدني بدعواه المدنية المستقلة من غير ان يطلب من النيابة تحريك الدعوى الجزائية في مواجهة المتهم الذي اتهمه باطلاً بالسرقة مثلما قضى الحكم محل تعلقينا.

الوجه الثاني: إثبات الدعوى المدنية المستقلة:

من المعلوم ان من ضمن الإعتبارات التي تبرر  رفع الدعوى المدنية التبعية امام القاضي الجزائي هو ان قرار الإتهام أو الدعوى الجزائية لايتم رفعها  امام المحكمة الا إذا توفرت الادلة الكافية على نسبة التهمة إلى المتهم وثبوت وقوع الفعل الجرمي امام القاضي الجزائي  وذلك يعني ثبوت الفعل الضار الصادر من المتهم الموجب لتعويض المجني عليه المضرور من الجريمة، اما في حالة قيام المجني عليه المضرور من الجريمة برفع دعواه المدنية إستقلالاً فان ذلك يوجب عليه إثبات دعوى التعويض بعناصرها (الفعل الضار+ الضرر+ علاقة السببية) ومن خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا فقد لاحظنا ان المتهم قدم إلى القاضي المدني قرار النيابة بان لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية في مواجهته لعدم معرفة الفاعل لجريمة السرقة كما قدم المدعي المدني إلى القاضي المستندات التي تدل على قيام المدعى عليه بتقديم شكواه متهماً للمدعى بانه قد سرق محله والمستندات التي تدل على انه قد  تم القبض على المدعي  وحبسه 38 يوماً بسبب تلك التهمة.

الوجه الثالث: أفضلية تقدير التعويض من قبل القاضي المدني:

يذهب بعض الباحثين إلى ان تقدير التعويض عن الضرر الناجم عن الجريمة من قبل القاضي المدني يكون أفضل من تقديره من قبل القاضي الجزائي، لان القاضي المدني صاحب خبرة واختصاص في هذا الشأن فتقدير التعويض بصفة عامة مسألة مدنية حيث يقوم القاضي المدني بتقدير  التعويض وفقاً للقواعد التي يتبعها في القضايا المدنية الأخرى بخلاف القاضي الجزائي،والله اعلم