مقدار الارض التي يجوز إحياؤها

مقدار الارض التي يجوز إحياؤها

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

ينص قانون أراضي وعقارات الدولة على ان الأرض الموات التي لا يملكها احد هي من جملة أراضي الدولة كالجبال والمنحدرات والغابات والاراضي الصحراوية والشواطى وغيرها، وينص القانون ذاته وقرار إنشاء الهيئة العامة للأراضي على ان الهيئة هي الجهة المختصة والمسئولة عن أراضي وعقارات الدولة بما فيها الأرض الموات، وينص القانون المدني على ان المرجع في الإحياء في الأرض الموات هو قانون أراضي وعقارات الدولة، وقد نص القانون المدني على جواز الاحياء في الأرض الموات بقدر عرصة البيت بما لايتجاوز خمسمائة متر مربع بالنسبة للسكن وبالنسبة للزراعة بمقدار مايسد حاجة الشخص من الموسم الزراعي إلى الموسم الذي يليه حسبما ورد في المادة ( 1243) من القانون المدني، إلا أنه يجب على من يريد الإحياء ان يتقدم إلى الهيئة العامة للأراضي للحصول على إذن وموافقة الهيئة بحسب العقد الذي يتم إبرامه فيما بين الهيئة والراغب في الإحياء، وهناك قصور في الوعي الشرعي والقانوني فيما يتعلق بقدر المساحة التي يجوز للأشخاص إحياؤها ،حيث حدد القانون المدني قدر هذه المساحة، وقد اشار إلى هذه المسالة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/1/2009م في الطعن رقم (32765) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان هيئة الأراضي قامت ببيع قطعة أرض من المراهق العامة (أرض جبلية) لأحد المواطنين الذي قام بوضع جدار يحيط بالقطعة من كافة جوانبها وبعدها سافر للعمل خارج البلاد وعند عودته وجد ان مواطناً آخر قد قام بإحياء واستصلاح المنطقة الجبلية كلها بما في ذلك القطعة التي اشتراها من هيئة الأراضي، وقد تمسك المواطن الذي قام بالإحياء تمسك بأحكام الشرع والقانون التي تجيز الإحياء في الأرض الموات، وقد قررت المحكمة الابتدائية إدخال فرع هيئة الأراضي في القضية حيث  افاد ممثل الهيئة: ان الأرض كاملة والأراضي المجاورة لها كاملة من مراهق الدولة بما فيها الأرض الذي قام المدعى عليه بالإحياء فيها، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بثبوت ملكية المدعي الأصلي لقطعة الأرض المباعة من هيئة الأراضي وثبوت ملكية الدولة لكافة الأراضي في المنطقة الجبلية بما فيها الأرض التي تم استصلاحها، وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي (واما تمسك المدعى عليه بانه  قد قام باستصلاحها لان المادة (1243) مدني قد نصت على انه لا يتجاوز الإحياء قدر عرصة البيت ومرافقه بما لا يزيد عن خمسمائة متر مربع وفي الزراعة بمقدار ما يحصل من الفوائد التي تكفي المحتاج واسرته ممن تلزمه نفقتهم من الدخل إلى الدخل، وعليه فدعوى الإحياء أو الاستصلاح لا يمكن قبولها إلا في حدود حكم هذه المادة، اما الحالة التي نحن بصددها فان المدعى عليه في دعواه الفرعية يدعي تملكه لمساحات واسعة قام بإحيائها وما القطعة محل النزاع إلا جزءاً يسير منها) وقد أيدت الشعبة المدنية الحكم الابتدائي ثم أقرته الدائرة المدنية بالمحكمة العليا التي ورد ضمن أسباب حكمها (ان لمحكمة الموضوع حق تقدير الدليل دون معقب عليها من المحكمة العليا باعتبارها محكمة قانون لا محكمة موضوع، ولذلك فان ما اثاره الطاعن هو عبارة عن جدل في الوقائع والأدلة التي ناقشها الحكم المطعون فيه بأسباب كافية سائغة تجعله موافقاً لأحكام الشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم بتحديد مساحة الأرض التي يجوز إحياؤها:

استند الحكم محل تعليقنا في تحديده للمساحة التي يجوز إحياؤها في الأرض الموات إلى المادة (1243) مدني التي نصت على أنه (يجوز بإذن رئيس الدولة بعد عرض الحكومة إحياء الأرض التي لم يتعين ذو الحق فيها في الأحوال الأتية : 1- اذا كان ذو الحق مجهولاً -2- اذا كان ذووا الحق غير منحصرين -3- اذا تحجر الأرض متحجر ولم يحيها ومضى على ذلك ثلاث سنوات، ولا يتجاوز الاحياء في البناء قد عرصة البيت ومرافقه بما لا يزيد على خمسمائة متر مربع وفي الزراعة بمقدار ما يحصل من الفوائد التي تكفي المحتاج واسرته ممن تلزمه نفقتهم من الدخل إلى الدخل بشرط إحيائه، وللمصالح بقدر ما تحتاجه) ونلاحظ ان هذا النص قد حدد القدر الجائز إحياءه كما حدد ضوابط الاحياء وشروطه، وسنبين ذلك تباعاً.

الوجه الثاني: القدر الجائز إحياؤه من الأراضي الموات:

 الارض الموآت هي الاراضي التي لايملكها أحد،ومن خلال إستقراء نص المادة (1243) مدني السابق ذكرها في الوجه الأول نجد ان النص قد حدد المساحة التي يجوز إحياؤها من الأرض الموات وهي خمسمائة متر مربع بالنسبة للسكن اما بالنسبة للزراعة فتقدر المساحة بحسب حاجة الفلاح وعائلته حيث يجوز له إستصلاح او إحياء المساحة التي تسد غلاتها حاجته وحاجة من يعولهم من الموسم الزراعي إلى الموسم الآخر ، ووفقاً لهذا المعيار فان المساحة الزراعية تزيد وتنقص بحسب إحتياجات الشخص ومن يعولهم وطبقاً لهذا النص فلا يجوز الاحياء بغرض إستثمار الأرض وبيع منتجاتها بغرض تحقيق الربح، وتقدير المساحة التي يجوز إستصلاحها المذكورة في النص السابق مستفادة من أقوال الفقهاء الذين وضعوا في القرن الرابع الهجري ضوابط للإحياء والاقطاع خشية ان تنضب موارد الدولة من الأرض الموات في ذلك الحين، وبناءً على ذلك فان تحديد المساحة التي يجوز إحياؤها من الأرض الموات الوارد في النص القانوني السابق ينبغي ان تحكم تصرفات الهيئة العامة لأراضي الدولة حيث ينبغي عليها ان تلتزم بالمساحة المحددة في هذا النص عندما تتصرف في الأراضي الموات،والحكمة من تحديد المساحة التي يجوز إحياؤها هو المحافظة على اراضي الدولة باعتبارها موردا من أهم  الموارد الاقتصادية وحتى لايستاثر باراضي الدولة كل من تتوفر لديه القدرة والامكانية على الإحياء لاسيما في هذا العصر الذي ظهرت فيه الآلات والمعدات التي تستطيع إحياء واستصلاح مساحات شاسعة من الارض الموات.

الوجه الثالث: ضوابط الإحياء في الأرض الموات:

من خلال إستقراء المادة (1243) مدني السابق ذكرها نجد انها قد اشترطت ان يحصل الراغب في الإحياء على موافقة الجهة المختصة في الدولة قبل قيامه بالإحياء وهذه الجهة هي هيئة أراضي الدولة حتى تتحقق الهيئة من مقدار المساحة التي يرغب الشخص في احيائها ومدى حاجته وما اذا كانت مخصصة لإنشاء مرافق عامة وغير ذلك وحتى تقدر الهيئة نوع التصرف المناسب مع الشخص كالبيع والإيجار وحتى تتحقق الهيئة من توفر شروط الإحياء المذكورة في المادة السابقة مثل التحقق من ان الأرض غير مملوكة لشخص او اشخاص غير معينين، كما ان من ضوابط الإحياء ان لايكون في الاراضي الموآت التي تكون حمى للابار أو القرى كالمراعي والمحاطب ومفاسح القرى والمدن، وعند تطبيق هذا المفهوم على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان الشخص الذي قام باستصلاح الأرض او إحياؤها لم يحصل على موافقة الجهة المختصة قانوناً وهي الهيئة العامة للأراضي كما انه قد تجاوز القدر المحدد في القانون بالنسبة للمساحة التي يجوز احياؤها ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بعدم احقية الشخص الذي قام باستصلاح مساحة شاسعة من الأرض الموات.

الوجه الرابع: وضعية الأرض الموات وماهيتها:

الأرض الموات هي الأرض التي لايملكها احد ولا تحجرها احد ولا تعلق بها حق عام أو خاص طبقاً لما هو منصوص عليه في القانون المدني وقانون أراضي وعقارات الدولة حيث ورد هذا التعريف في المادة (1242) مدني، فمصطلح الأرض الموات مصطلح عام تنطوي ضمنه غالبية أراضي الدولة المحددة في المادة (6) من قانون الأراضي كالأراضي البور والاحراش والغابات والأراضي الصحراوية التي لم يتعلق حق لأحد وكذا المراهق العامة كالجبال والمنحدرات والآكام والسوائل العظمى والشواطئ ومحارمها والجزر واشباه الجزر البحرية غير الآهلة بالسكان وسائر المناطق البحرية التي يجف ماؤها وتصبح يابسة والأراضي والعقارات التي لا يعرف مالكها او لا وارث لها، فالجامع المشترك بين هذه الأراضي انه لم يتعلق بها حق لأحد,وتبعاً لذلك فان هذه الأراضي تندرج ضمن مصطلح الأرض الموات.

الوجه الخامس: ماهية احياء الأرض الموات:

بينت المادة (1247) مدني المقصود بالإحياء حيث نصت على أن يكون احياء الأرض بإعدادها للإنتفاع بها بأحد امور هي الحرث والبذر او ازالة الشجر النابت فيها وتنقيتها من الحشائش او إعدادها للبناء فيها، في حين عرف قانون أراضي وعقارات الدولة في المادة (2) الاستصلاح والاستزراع بانه كل عمل يستهدف بصفة اساسية إستصلاح الأراضي وجعلها قابلة للزراعة بما في ذلك المشروعات التي تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي والتصنيع الزراعي والاغراض الأخرى المرتبطة والمكملة والتي تقوم أساساً على انتاجية الأرض واستصلاحها واستزراعها، وهذا تعريف شامل لإحياء الأرض بكافة صوره والله اعلم