سلطة المحكمة عند الاعتراض
على الأمر الجزائي
أ.د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
اخذ القانون اليمني بنظام الأمر الجزائي منذ صدور قانون الأحكام العامة للمخالفات1994،حيث اناط هذا القانون بالنيابة العامة إصدار الأوامر الجزائية في قضايا المخالفات حتى تتفرغ المحاكم
لنظر الجرائم الجسيمة وغير الجسيمة ،ومع أن الأمر الجزائي يتضمن عقوبات بسيطة غالباً ماتكون الغرامة إلا أن القانون ذاته قد اجاز الاعتراض على الأمر الجزائي أمام المحكمة الابتدائية المختصة كضمانة قضائية لترشيد الاوامر الجزائية وإعادة الفصل فيها من قبل المحكمة
المختصة، وهذه المسألة تثير التساؤل بشأن مدى سلطة المحكمة عند فصلها في
الاعتراض على الأمر الجزائي وحدود سلطتها في هذا الشان حسبما يظهر في الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 6/10/2012م في الطعن رقم (45527)،وتتلخص وقائع
القضية التي تناولها هذا الحكم ان وكيل النيابة اصدر امراً جزائيا بتغريم المخالف الفي ريالاً مع الزامه برد الشيء إلى اصله وذلك بإزالة البناء الذي اقامه بدون ترخيص من الاشغال العامة وذلك بإشراف الجهة المختصة وهي الاشغال، فقام المخالف بالاعتراض على الأمر الجزائي أمام المحكمة الابتدائية حيث قضت المحكمة بتعديل الأمر الجزائي إلى تغريم المخالف ثلاثة الاف ريال وان يقوم
المخالف بإستكمال بناء الدور الأرضي وعدم قيامه بإضافة أي دور آخر إلا بعد إستخراج
ترخيص من الجهة المختصة اذا رآت الجهة
المختصة ذلك،لان البناء قديم تم في أرض غير مخططة حسبما ورد في أسباب الحكم الابتدائي، وطبقاً للقانون
فان الطعن في الحكم الابتدائي الذي يفصل في الاعتراض لايتم الطعن فيه امام محكمة الاستىناف بل
يتم الطعن فيه بالنقض مباشرة أمام
المحكمة العليا ، وعند الطعن بالنقض في الحكم الابتدائي قضت الدائرة الجزائية بنقض الحكم الابتدائي جزئياً فيما يتعلق بالسماح للمخالف باستكمال بناء الدور الأول، حيث ورد
ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (حيث خرجت المحكمة الابتدائية عن إختصاصها المحدد في المادة(13) من
قانون المخالفات التي نصت على انه (للمخالف
الاعتراض على الأمر خلال سبعة أيام من تاريخ العلم به بتقرير يودع دائرة كتاب
المحكمة الابتدائية المختصة وتحدد جلسة لنظر الاعتراض يخطر بها المعترض في الحال فإذا لم يحضر الجلسة المحددة اعتبر متنازلاً عن إعتراضه واصبح الأمر واجب التنفيذ اما اذا حضر فينظر الاعتراض بالإجراءات
المعتادة ويجوز للمحكمة تشديد الجزاء كما يجوز لها توقيع غرامة على المعترض اذا لم
يكن اعتراضه صحيحاً لا تتجاوز ثلاثة الاف
ريالاً ويكون الحكم الذي يصدر في الاعتراض نهائياً) ولما كان القانون قد حدد
إختصاص المحكمة الابتدائية بنظر الاعتراض على الأمر وجعل إختصاصها محددا على تشديد الجزاء وتغريم المعترض إذا كان اعتراضه غير
صحيح ،وبناء على ذلك لا يحق للمحكمة تجاوز إختصاصها فلها ان تقر الأمر الجزائي او تلغيه أو تعدله، ولما كان الأمر كذلك فما
ذهبت اليه المحكمة الابتدائية فيما عدا الغرامة مخالف لأحكام القانون، ولما
كانت المحكمة العليا تتولى مراقبة المحاكم في تطبيقها للقانون التطبيق الصحيح
عملاً بنص المادة (431) إجراءات، ولما كان الأمر كذلك فان المحكمة العليا تقضي
بقبول الطعن موضوعاً وإلغاء الحكم الابتدائي بكل فقراته عدا الغرامة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في
الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية الأمر الجزائي وطبيعته ووظيفته:
الأمر الجزائي هو أمر قضائي يصدر من النيابة من غير حاجة إلى إجراءات
محاكمة أو جلسات علنية أو مرافعة، حيث تصدر النيابة
هذا الأمر باعتبارها جزءاً من السلطة القضائية، فهذا الأمر يكون مثل الحكم القضائي وان كانت له طبيعة خاصة تميزه عن الحكم القضائي، ومهما كان الخلاف بشأن تكييف الأمر الجزائي إلا أنه تترتب عليه
الآثار المترتبة على الحكم ،ومع ذلك فأن الأمر الجزائي يختلف عن الحكم لان الأمر الجزائي قاصر على المخالفات فلايشمل الجرائم الجسيمة أو غير الجسيمة, كما انه يصدر من غير
مرافعة كما لا يشترط ان يصدر علانية (الأمر الجزائي، المرحوم القاضي محمد أبي بكر العنسي، صـ44) ويستهدف نظام الأمر الجزائي الذي يصدر من النيابة العامة
تحقيق عدالة سريعة وبدائل غير إحتجازية وذلك في المخالفات التي تكون عقوباتها بسيطة ,حيث يتم إختصار اجراءات التقاضي في هذه القضايا البسيطة لعدم اهميتها للحيلولة دون
تراكم القضايا الجزائية لدى القضاة الجزائيين (الأمر الجنائي، خالد شعير، صـ57).
الوجه الثاني: التظلم من الأمر الجزائي والاعتراض عليه:
يستطيع المتهم المخالف او المدعي المدني ان يسلك طريقين لمواجهة الأمر الجزائي، الطريق الأول: هو التظلم من الأمر الجزائي الذي
يتم تقديمه إلى رئيس النيابة أو النائب العام حيث
يحق لهما الغاء الأمر الجزائي وفقاً للمادة (12) من قانون المخالفات شريطة ان يتم
رفع التظلم اليهما خلال سبعة أيام من تاريخ إخطار المتهم أو المخالف أو المدعي
بالأمر الجزائي وشريطة ان لا يكون المخالف أو المدعي قد اعترض على الأمر، أي انه لايجوز الجمع بين طريقي التظلم والاعتراض.
اما الطريق الثانية لمواجهة الأمر المخالف فهو الاعتراض على الأمر المخالف، فالإعتراض عبارة عن عريضة او تقرير يتضمن إفصاح المتضرر عن إعتراضه، فيقوم المعترض بتقديمه إلى دائرة كتاب المحكمة الابتدائية المختصة يفصح فيه المعترض عن إعتراضه على الأمر الجزائي ويبين فيه اوجه
المخالفة او القصور في الأمر الجزائي، ويطلب من المحكمة
الغاء الأمر الجزائي، ويستهدف المعترض من تقديم اعتراضه إعادة طرح الموضوع
على المحكمة الابتدائية المختصة، وهناك خلاف بين
شراح القانون بشأن طبيعة الاعتراض، فهناك من يذهب إلى
انه طريقة من طرق الطعن ومنهم من يذهب إلى خلاف ذلك
وهناك فريق ثالث يذهب إلى ان الاعتراض يشابه رد النيابة المصدرة للأمر، والمختار أن له طبيعة خاصة تميزه عن غيره، ويجب تقديم عريضة
الاعتراض إلى دائرة كتاب المحكمة المختصة
خلال سبعة أيام من تاريخ العلم بالأمر حسبما نصت عليه المادة (13) من قانون
المخالفات، والمقصود بالمحكمة المختصة هي المحكمة التي يقع ضمن إختصاصها المكاني
النيابة التي اصدرت الأمر الجزائي، ويترتب على إيداع التقرير بالاعتراض على الأمر الجزائي وقف تنفيذ
الأمر، ولقبول الاعتراض فانه يشترط حضور المعترض جلسة المحاكمة الأولى.
الوجه الرابع: سلطة المحكمة عند نظرها الاعتراض على الأمر الجزائي:
من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قضى بانه لا يجوز للمحكمة المختصة عند نظرها في الاعتراض ان تحل محل الادارة المعنية بحيث تقرر السماح او الترخيص للمخالف باستكمال البناء في الدور الأول لان محكمة الاعتراض هي سلطة قضائية وليست سلطة ادارية، فالمادة (13) من قانون المخالفات حددت سلطة المحكمة عند نظرها في الاعتراض على الحكم بتشديد الجزاء او توقيع غرامة على المعترض اذا لم يكن إعتراضه صحيحاً كما يحق لها ان تلغي الامر الجزائي اوتحكم بالبراءة كما يحق لها ان تعدل العقوبة الواردة في الأمر الجزائي كما يحق لها ان تحكم بعقوبة اشد من تلك التي قضى بها الأمر الجزائي غير انه لا يجوز للمحكمة ان تحل محل السلطة الادارية فتسمح او ترخص له بالبناء حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا،والله اعلم.