التطبيق القضائي المعاصر لقاعدة الخراج بالضمان

التطبيق القضائي المعاصر لقاعدة الخراج بالضمان

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تعني قاعدة (الخراج بالضمان) أن الحائز للمال يستحق خراج أو عائدات أو منتجات المال الذي يحوزه مقابل أنه ضامن للمال الذي بحوزته إذا تلف،ولكن كل قاعدة الخراج بالضمان ترد عليها بعض ألإستثناءات التي تكفل حسن تطبيقها ومراعاة القواعد الشرعية الاخرى،فمثلا تطبيق هذه القاعدة في العصر الحاضر على الحائز لمزرعة تنتج في السنة ماقيمته مائة مليون ريالا لايستطيع التمسك بهذه القاعدة على إطلاقها ويستاثر بالمنتجات كلها مقابل ضمان الحائز  تلف المال الذي ينتج المنتجات الوفيرة، فلاشك أن تطبيق هذه القاعدة على حيازة شاة يختلف عند تطبيقها على حيازة المزرعة، لأهمية هذا الموضوع راينا الاشارة إلى بعض جوانبه في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11/2/2013م في الطعن رقم (46723)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان الشعبة المدنية الاستئنافية قضت بثبوت ملكية المدعي للمزرعة التي كانت الدولة في الماضي قد منحتها للحائز لها الذي قام بزراعتها بأشجار الفواكه وحفر فيها بئرا لسقي المزروعات  حيث ظل  الحائز يستغل عائدات المزرعة لمدة ثلاثين سنة،كما قضت الشعبة الاستئنافية أيضاً بإلزام المحكوم له بالمزرعة بتعويض الحائز بمبلغ ثلاثة مليون ريالا مقابل تعمير المزرعة وغرس الاشجار وحفر البئر وشراء مضخة لرفع المياه،وقضى الحكم ايضا انه بعد  دفع التعويض من مالك المزرعة يقوم المالك بتأجير المزرعة للحائز ويتقاسما  عائدات المزرعة بحسب العرف السائد في المنطقة، وعند الطعن بالنقض قضت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بنقض الحكم الاستئنافي لعدم تطبيق الشعبة لقاعدة الخراج بالضمان واحتساب مصاريف تعمير الحائز للمزرعة، ولان الشعبة قد قامت من تلقاء نفسها بتقدير التعويض المستحق لحائز المزرعة من غير ان تستعين بأعمال الخبرة، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وبرجوع الدائرة إلى أوراق القضية فقد تبين لها ان الطعن قد ورد بشأن تعويض الحائز للمزرعة مقابل تعمير  الأرض وغرسها بالأشجار المثمرة وحفر بئر فيها ووضع مضخة عليها لسقي المزروعات حيث تم تقدير التعويض بمبلغ ثلاثة مليون ريالاً من غير ان تندب الشعبة خبراء عدول لتقدير التعويض، لذلك فان الدائرة تجد أنه لا مناص من الإعادة إلى محكمة الاستئناف لاختيار عدلين خبيرين لتقدير التعويض عن غرس الشجر وحفر البئر وقيمة المضخة مع مراعاة القاعدة الشرعية المعتبرة الخراج بالضمان  وتطبيق القانون بشأن نفقات ومصاريف التقاضي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: معنى قاعدة الخراج بالضمان ونطاقها:

أصل قاعدة (الخراج بالضمان) هو حديث للنبي صلى الله عليه واله وسلم(الخراج بالضمان), كما أن القانون المدني نص على هذه القاعدة في المادة (16)التي نصت على ان(الخراج بالضمان فكل من كان ضامنا لشي وعليه تبعة هلاكه يستحق غلته في فترة ضمانه له الا في الرهن فخراجه لمالكه), وتتكون قاعدة الخراج بالضمان من كلمتين الخراج والضمان، ولذلك فانه ينبغي بيان معنى كل كلمة حدة، فالخراج: هو الذي يخرج من ملك الإنسان أي ما ينتج منه من الغلات او المنتجات كقيمة الفواكه او لبن الحيوان او غلة الأرض أو ارباح النقود وغيرها، فهذه الاشياء تخرج من العين الأصل ولذلك فهي خراج، اما كلمة الضمان فأنها تعني المصاريف التي دفعها الحائز للمال لتعميره وحمايته وتعميره مثل الإنفاق على الحيوان ومصاريف صيانة العقار وعمارته وان الحائز للمال يضمن تلف المال الذي بيده، وتعني هذه القاعدة: ان ما خرج من المال من غلة أو عائد فهو من حق الحائز للمال عوضا عما كان عليه من ضمان للمال فيما لو تلف المال بيد الحائز لانه  يضمن تلف المال ، فتكون الغلة للحائز مقابل انه ضامن للمال من التلف حتى يكون الضمان في مقابلة الغرم (الاشباه والنظائر، للسيوطي، صـ135)، والمقصود بالحائز هنا هو الحائز الشرعي المأذون له من مالك المال او الحافظ للمال كالحافظ للمال المسروق او الضال من الحيوان، وتبعا لذلك لاتنطبق هذه القاعدة على السارق أو الغاصب أو المتهبش،ويختلف تطبيق قاعدة الخراج بالضمان في العصر الحاضر بإختلاف خراج أو منتجات الاموال المضمونة  حيث يراعى عند تطبيقها نوع المال وما اذا كان عرضة للتلف بيد الحائز كما ينبغي مراعاة  التناسب فيما بين مصاريف المحافظة على المال وعائداته،  فاذا كانت عائدات المال تفوق مصاريف الضمان والحماية كإيجار العمارة فان الحائز لايستاثر بكل المنتجات فلايستحق منها إلابقدر المصاريف التي دفعها لحفظ المال وتعميره بالإضافة إلى اجر الجهد الذي بذله في هذا السبيل، وعلى أساس ما ورد في هذا الوجه نجد ان الحكم محل تعليقنا قد نقض الحكم الاستئنافي لانه قضى بالتعويض للحائز مقابل قيامه بإقامة الأرض وتعميرها طوال ثلاثين سنة وغرس الفواكه وحفر البئر فيها وهذا يتنافى مع مفهوم قاعدة الخراج بالضمان، لان الحائز للمزرعة قد استغل عائدات المزرعة أو منتجاتها طوال ثلاثين سنة اضعاف قيمة المزرعة ومع ذلك قضت له محكمة الموضوع بالتعويض مقابل حفر البئر ووضع مضخة عليها وغرس الأشجار في المزرعة، مع أنه كان قد استفاد من خراج المزرعة او منتجاتها طوال فترة حيازته،ولذلك فقد ارشد حكم المحكمة العليا محكمة الموضوع إلى تطبيق قاعدة الخراج بالضمان واحتساب منتجات المزرعة والمبالغ التي دفعها الحائز للمزرعة في سبيل تعمير المزرعة وحفر البئر وغرس الاشجار  وتحديد مستحقات الطرفين في ضوء ذلك ،على أن يتم ذلك عن طريق الخبراء العدول من ذوي الخبرة في هذا المجال  .

الوجه الثاني: تقدير التعويض من غير الاستعانة بأعمال الخبرة:

كان من ضمن أسباب نقض الحكم محل تعليقنا للحكم الاستئنافي هو قيام الحكم الاستئنافي بتقدير التعويض مقابل الغروس والبئر والمضخة وذلك بمبلغ ثلاثة مليون ريالاً من غير ان تتم الاستعانة بخبراء عدول لتقدير تكاليف حفر البئر وشراء المضخة وغرس الأشجار وكذا تقدير منتجات الأرض طوال الفترة وإجراء المقاصة بين قيمة الخراج او المنتجات وبين قيمة المضخة وتكاليف حفر البئر والغرس واجرة الحائز وتحديد الفارق بينهما وتحديد مستحقات الطرفين، ولا شك ان قضاء الحكم سديد حيث لا يجوز للقاضي ان يقوم بنفسه بتقدير التعويض  ولو كان القاضي خبير الخبراء ،لان القاضي اذا قام بذلك فسيكون قد قضى بعلمه الشخصي أي بموجب معلوماته وتقديراته الشخصية إضافة إلى ان التقدير في هذه الحالة لن يخلو من المجازفة من غير معيار منضبط يعتمده القاضي،والله اعلم.