تقدير المحكمة لإيجار العين

تقدير المحكمة لإيجار العين

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات الواقعية كيفية تقدير مبلغ إيجار العين عند خلاف المؤجر والمستأجر على ذلك نظرا لتعارض مصالحهما، فالمؤجر يقدر الإيجار  بمبلغ اعلى والمستأجر يقدره بمبلغ أدنى، وهنا يظهر دور القاضي في تقدير الإيجار عند الخلاف بشأنه مثلما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27/1/2013م في الطعن رقم (46736)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المؤجر تقدم بدعوى أمام المحكمة الابتدائية طلب فيها إخلاء العين المؤجرة للمستأجر كدكان، ومن خلال سير إجراءات المحاكمة تبين للمحكمة ان اصل الخلاف هو بشأن زيادة قيمة الإيجار الشهري حيث ان المؤجر قد قام بتأجير العين منذ مدة أربع سنوات وظل مبلغ الإيجار كما كان عند بداية التعاقد بين الطرفين في حين ان إيجارات المحال المجاورة للعين قد ارتفعت كثيراً،وبناءً على ذلك فقد قضت المحكمة الابتدائية بعدم قبول دعوى الإخلاء وإعتبار النزاع على مبلغ الإيجار وإستحقاق العين محل الدعوى أجرة شهرية مبلغ خمسة وسبعون ألف ريالا، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (وحيث ان المحكمة قد توصلت من خلال التداعي فيما بين المؤجر والمستأجر الى ان الخلاف بينهما محصور بشأن زيادة الإيجار وان المؤجر ما قام برفع دعوى الإخلاء إلا كرد فعل لإمتناع المستأجر عن زيادة الإيجار الذي ظل كما كان عليه منذ بداية التعاقد بينهما قبل اربع سنوات وحيث ان القانون قد اجاز للمحكمة تقدير أجرة العين المتنازع على اجرتها حسبما نصت عليه المادة (8) من قانون العلاقة فيما بين المؤجر والمستأجر، وحيث ان المحكمة سبق لها إنتداب أمين السر للسؤال عن أجرة المثل للعين محل الدعوى الذي رفع تقريراً مفاده ان أجرة المثل هي مبلغ ثمانين الف ريال في الشارع والصف الذي تقع فيه العين، والمحكمة وهي تقدير إيجار العين تأخذ في حسبانها المساحة الزائدة في العين الملاصقة للعين محل النزاع، ولذلك فان المحكمة تقدر إيجار العين محل الخلاف بمبلغ (75000)ريالاً في الشهر يتم إحتسابها من تاريخ رفض المؤجر إستلام الإيجار القديم) وقد أيدت الشعبة المدنية الحكم الابتدائي، ثم أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث قد ظهر لمحكمة أول درجة أن اصل النزاع هو زيادة الإيجار بحسب تكييف محكمة أول درجة للنزاع، ولذلك فان مناعي الطاعن غير مؤثرة في الحكم المطعون فيه حيث لم يتوفر سبب من أسباب الطعن المنصوص عليها في القانون لاسيما وان العين محل الخلاف معدة للإيجار بطبيعتها، فالإخلاء يترتب عليه الاضرار بالمستأجر لاسيما انه محل تجاري له سمعته وزبائنه وتم انفاق مبالغ كبيرة على تجهيزه، ولذلك فقد حرص القانون على بقاء المستاجر وفقاً لما ورد في المادة (28) من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: حالات تقدير المحكمة للإيجار:

في غالب الأحيان يتفق المؤجر والمستأجر على مبلغ الإيجار عند التعاقد وإبرام عقد الإيجار حيث يتم الاتفاق في العقد على مقدار الإيجار وكيفية سداده والفترة التي يظل فيها الإيجار ثابتاً والوقت الذي يتم فيه زيادة الإيجار ونسبة الزيادة ومقدارها،فعندئذ يجب العمل بموجب إتفاق الطرفين بإعتبار العقد شريعة المتعاقدين، إلا أنه في بعض الحالات لا يتم الاتفاق على الإيجار، كتأجير العين من غير الاتفاق على تحديد مقدار الإيجار ومدته أو في حالة غصب العين وإستغلالها من غير اذن وموافقة مالكها، كما ان المحكمة تقوم بتقدير الإيجار في حالة إختلاف المؤجر والمستأجر على مقدار الزيادة في الإيجار وذلك في حالة إتفاق المؤجر والمستأجر على تحديد الإيجار من بداية سريان العقد وعدم إتفاقهما على مقدار الزيادة بالنسبة للسنوات القادمة مثلما حصل في القضية التي تناولها هذا الحكم.

الوجه الثاني: سلطة المحكمة في تقدير الإيجار وسندها القانوني:

تظهر سلطة المحكمة في تقدير الإيجار عند عدم الاتفاق بين المؤجر والمستاجر على مقدار الإيجار او عند إختلافهما بشأن زيادة الإيجار مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، كما تظهر سلطة المحكمة في تقدير الإيجار عند دعوى الغبن الفاحش في مبلغ الإيجار سواء بالزيادة أو النقصان، واساس سلطة المحكمة في تقدير مبلغ الإيجار في هذه الأحوال هي المادة (8) من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر حيث نصت هذه المادة على أن (تقوم المحكمة بتكليف طرفي عقد الإيجار بإختيار عدلين خبيرين لتقدير إيجارات العقارات التي يطلب المؤجرون والمستأجرون معاً تقدير إيجاراتها او التي يحدث بشأنها نزاع بينهم في عقد إيجار غير معلوم الأجرة وكان المستأجر قد مكن من الإنتفاع بالعين المؤجرة)أما بالنسبة لتقدير الإيجار في دعوى الغبن الفاحش فاساس ذلك هي سلطة القاضي  في إزالة الغبن الفاحش المقررة في القانون المدني.

الوجه الثالث: لا يحق للقاضي نفسه القيام بالسؤال عن إيجار المثل:

من خلال إستقراء نص المادة (8) من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين السابق ذكره نلاحظ انه قد أوجب على المحكمة ان تندب أو تكلف خبيرين لتقدير الإيجار، عن طريق تقرير يرفعانه إلى القاضي، ومعنى هذا ان القاضي لا يجوز له ان يقوم شخصياً بتقدير الإيجار عن طريق معلوماته او تقديراته الشخصية او سؤاله للمختصين بشأن الإيجار السائد في مكان العين محل الخلاف، لان القاضي عندئذ سوف يقضي بعلمه وذلك محظور عليه صراحة حسبما ورد في قانون المرافعات، ولذلك لاحظنا في الحكم محل تعليقنا ان القاضي الابتدائي قام بتكليف أمين السر للسؤال عن مقدار إيجار العقارات المماثلة للعين محل الخلاف.

الوجه الرابع: معايير تقدير إيجار العين محل الخلاف:

من خلال إستقراء المادة (8) من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين نجد أنها لم تحدد المعايير المعتمدة في تقدير الإيجار،بيد أن المعايير المعتمدة في ذلك تنطلق من قاعدة(إيجار المثل) اما الحكم محل تعليقنا فقد تضمن بعض المعايير التي يتم إعتمادها في تقدير مبلغ الإيجار,وننوه في البداية إلى أن هذه المعايير ينبغي تطبيقها مجتمعة، لأنه إذا تم تطبيق  كل معيار  على حدة فان هذا الأمر يؤدي إلى مفارقات غير عادلة وغير منطقية تجعل التقدير غير سليم وغير منطقي ،ويمكن عرض وتلخيص معايير تقدير مبلغ الإيجار على النحو الاتي:

1-     العين الملاصقة: حيث ينبغي الاعتماد في تقدير إيجار العين محل الخلاف على أساس إيجار العين الملاصقة للعين محل الخلاف، لان الإيجار هو عبارة عن تمليك منفعة مقابل اجر، فمنفعة العين المتلاصقتين متساوية ولذلك  يكون اجرهما متساويا.

2-     العين القريبة من العين محل الخلاف: وهي العين التي لا تكون ملاصقة للعين ولكنها تقع على مقربة منها كأن تكون في العمارات المجاورة لها او المقابلة لها او تلك التي تقع خلفها.

3-     العين التي تقع على الشارع ذاته: وهي العين التي تقع في الشارع ذاته التي تقع عليها العين محل الخلاف على إيجارها.

4-     نوع المبنى: حيث ينبغي تقدير الإيجار بحسب نوع المبنى فقد يكون المبنى حديثاً تختلف اجرته عن اجرة البناء القديم، فلا شك ان لإختلاف البناء  تأثير على تقدير الإيجار.

5-     مساحة العين: حيث يختلف مقدار الإيجار بإختلاف مساحة العين مثلما قضى الحكم محل تعليقنا فكلما زادت مساحة العين زاد الإيجار.

6-     نوع النشاط: فالإيجارات تختلف بإختلاف نوع النشاط الذي يباشره المستأجر في العين،فإيجار دكان الزعقة والفحم غير إيجار محل الصرافة.

 ومن المؤكد ان الواجب إعمال هذه المعايير مجتمعة غير متفرقة عند تقدير الإيجار، فالإعتماد على معيار واحد منها بمعزل عن بقية المعايير سيؤدي حتما إلى مفارقات غير عادلة فمثلاً إيجار المحلات في العمارة الواحدة تختلف بإختلاف نوع النشاط او مدة عقد الإيجار وموقع المحل على الشارع أم خلف العمارة وهكذا،والله اعلم.