حكم الإجراءات السابقة للبيع العقاري

حكم الإجراءات السابقة للبيع العقاري

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تسبق عقد بيع العقارات  إجراءات تمهيدية أو تحضيرية الغرض منها  التاكد من توفر الوثائق والشروط القانونية اللازمة لابرام العقد بطريقة سليمة موافقة لأحكام الشرع والقانون بهدف التأكد من توفر شروط واركان البيع وصحة الوثائق وخلو الأرض او العقار  من النزاع وثبوت البائع أو حيازته الأرض المطلوب بيعها وغير ذلك، إلا أن البعض يقوم  بإجراءات سابقة للعقد ما انزل الله بها من سلطان يكون الهدف منها حمل البائع والمشتري على البيع بصرف النظر عن توفر الوثائق وشروط البيع مثل أخذ بصائر البائع وآخذ مايسمى بالقطع أو العربون وتحرير وثيقة بيع مبدئي وغيرها من المخالفات التي تسهم في كثرة النزاعات والفتن ، وقد تناول هذه المسألة المهمة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/1/2017م في الطعن رقم (57639)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المدعي تقدم أمام المحكمة الابتدائية بدعوى مفادها:أنه قام بشراء الأرض من المدعى عليه وقاما المدعي والبائع بالتوقيع على مسوّدة البيع في دفتر الامين الشرعي  كما قام المدعي بدفع الجزء الغالب من ثمن الأرض إلا أن الأمين الشرعي  افاد لاحقاً بانه عند مسح الأرض بالشيول ظهر منازعون في ملكية الأرض وبعد ذلك افاد الأمين بانه قد تعذر إتمام البيع نظراً لعدم وجود أصول وثائق الملكية لدى البائع، وطلب المدعي من المحكمة إلزام الامين والبائع بإستكمال إجراءات البيع وتسليمه الارض وإحالة الأمين الشرعي إلى النيابة، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بالغاء عقد البيع وإلزام البائع بإعادة المبالغ التي استلمها ودفع مصاريف التقاضي، وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي أنه قد ثبت للمحكمة عدم وجود أصول الوثائق اللازمة لدى البائع،وقد أيدت الشعبة الاستئنافية الحكم الابتدائي ثم أقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (حيث ان الثابت من حكم محكمة أول درجة ان المدعي طلب إلزام المدعى عليه بإتمام البيع أو إعادة كامل الثمن وتبين للمحكمة من خلال إفادة كاتب مسوّدة البيع ان البائع لم يوصل أصول ملكيته للمبيع، وحيث ثبت للشعبة من خلال ما طرح عليها بأنه لم يرد من قبل المستأنف ما يؤثر في الحكم الابتدائي وان ما ذكره المستأنف من أنه تم تسليم المبيع للمشتري فعلياً لم يثبت ذلك بأي دليل، لذلك فان ما قضى به الحكم الابتدائي وأيدته محكمة الاستئناف كان سديداً الأمر الذي يتعين معه رفض الطعن وإقرار الحكم الاستئنافي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: ماهية الإجراءات التمهيدية للبيع العقاري:

لا ريب ان للبيع العقاري خصوصيته من حيث الثمن والاثار والتسليم والتوثيق والتسجيل العقاري، ولذلك ينبغي على الامين الشرعي واطراف العقد العقاري  إستيفاء الإجراءات التحضيرية لإبرام العقد على ان تتم هذه الإجراءات قبل تحرير مسودة العقد والتوقيع عليها من قبل البائع والمشتري   ، ويمكن تلخيص هذه الإجراءات كما يأتي:

1-التأكد من وجود أصول وثائق ملكية البائع للأرض المراد بيعها،وهذه الوثائق هي أصل وثيقة ملكية البائع  (البصيرة/الفصل) وكذا أصول وثيقة الملكية وهي أصول الوثائق المذكورة في وثيقة ملكية البائع، فمثلاً اذا كانت البصيرة تحكي أن البائع قد أشتري الأرض من فلان فعنئذ ينبغي ان يكون أصل بصيرة  البائع الأول موجود الاً اذا كان البائع الاول قد باع فقط جزء من الأرض   فلم يبع المساحة كلها ففي هذه الحالة  يكفي وجود صورة من بصيرة البائع السابق طبق الأصل مدون عليها التعطيل بخط الأمين الذي كتب البصيرة بما يفيد انتقال المساحة المذكورة في البصيرة إلى البائع ، واذا كان البيع السابق قد تم بموجب وكالة فيجب ان يكون أصل الوكالة موجوداً، كما ينبغي التأكد من تسجيل أصل وثيقة البيع السابق لدى السجل العقاري لان وزارة العدل قد أصدرت توجيهاتها إلى الامناء الشرعيين بعدم تحرير أي تصرف ناقل للملكية مالم تكون بصيرة البائع مسجلة لدى السجل العقاري.

2-التحقق من صفة وشخصية البائع عن طريق الوثائق الثبوتية المقررة قانوناً وهي البطاقة الشخصية الجديدة ذات الرقم الوطني والتأكد مما إذا كانت مدة البطاقة الشخصية لازالت سارية، كما ينبغي التأكد من تطابق الاسماء فيما بين البصيرة والبطاقة الشخصية، واذا كان من سيتولى البيع والشراء وكلاء عن البائع والمشتري فانه ينبغي التحقق من ان الوكالات الصادرة لهم حديثة التاريخ وان الوكالة خاصة بالبيع وليست عامة كما ينبغي التحقق من شخصيات وهويات الوكلاء عن طريق البطاقة الشخصية ذات الرقم الوطني.

3-التحقق من تطابق مساحة المبيع في وثيقة الملكية مع مساحة المبيع في الواقع،بالاضافة إلى التحقق من حيازة البائع للأرض المراد بيعها.

4-التحقق والتأكد من أن  الأرض المراد بيعها ليست من أراضي الدولة أو من أراضي الأوقاف عن طريق التنسيق فيما بين الأمين الشرعي والمختصين في هيئتي أراضي الدولة والأوقاف.

5-التحقق من إتفاق البائع والمشتري على مقدار الثمن وملحقاته والتاكد من ان الثمن موجود بالفعل لدى المشتري وان الطرفين قد اتفقا على طريقة دفع الثمن التي قد تكون نقدا مشاهدة او معاينة في مجلس العقد وقد يكون الدفع  بموجب شيك مصرفي او شيك مقبول الدفع مكتوب فيه الغرض من قيمة الشيك (المقابل ) حيث تذكر في الشيك عبارة  مقابل قيمة الأرض المشتراة.

فعلى الأمين الشرعي بإعتباره صاحب الصفة والاختصاص والمسئولية  ان يرشد الاطراف إلى إستيفاء هذه الإجراءات قبل الشروع في تحرير مسوّدة البيع، فلو قام كل أمين بهذه الإجراءات التحضيرية على النحو السابق بيانه لما حدثت أية نزاعات ولتمت عملية البيع والشراء بسهولة ويسر، وقد لاحظنا عند مطالعة الحكم محل تعليقنا ان الأمين لم يتأكد من وجود أصول وثائق المبيع  لدى البائع كما انه لم يتأكد من حيازة البائع كما انه لم يتحقق من مساحة الأرض وخلوها من النزاع،وبسبب عدم تحقق الامين فقد تعثرت عملية البيع وحدث النزاع فيما بين البائع والمشتري وكذا فيما  البائع والمنازعين له في ملكيته للأرض المراد بيعها.

الوجه الثاني: حجية مسودّة البيع العقاري والبصيرة:

تتم مسوّدة البيع عن طريق قيام الامين الشرعي بتحرير وثيقة البيع في دفتر الأمين في صفحة مرقمة تتضمن كافة تفاصيل المبيع والثمن على غرار البصيرة ، فالمسوّدة تتضمن كافة البيانات التي تتضمنها البصيرة بل ان البصيرة ماهي إلا نقل لما هو مكتوب في المسوّدة حيث يقوم الامين بنقل وتحرير البصيرة من واقع ماورد في المسودة، ويطلق على المسودة عند بعض المهتمين (بالمسخرة) حيث يتم البيع والشراء والتلفظ بالبيع والشراء والإيجاب والقبول عند تحرير  المسوّدة ويقوم البائع والمشتري والشهود بالتوقيع عليها ، وبناءً على ذلك فان البيع والشراء يتم بموجب المسوّدة أو المسخرة وبعد ذلك يقوم الأمين بنقل البصيرة من المسوّدة  ويسلمها لاحقا إلى المشتري، وبناءً على هذا الأساس فان البيع والشراء والإيجاب والقبول يتم عند التوقيع على المسوّدة وليس عند تحرير البصيرة التي تعتبر مجرد إفادة  من الامين بما تم لديه من بيع وشراء تم اثباته في  المسوّدة، وقد احسنت وزارة العدل صنعا في الآونة الأخيرة حينما الزمت الأمناء بضرورة الزام البائع والمشتري بالتوقيع في ذيل البصيرة لتلافي تكييف للبصيرة بانها عبارة عن إفادة من الامين بتمام البيع، فالبصيرة التي لا يقوم البائع والمشتري والشهود بالتوقيع عليها هي عبارة عن افادة او شهادة من الامين بتمام العقد  حسبما هو مثبت في المسوّدة، فاذا قام البائع والمشتري والشهود بالتوقيع في ذيل البصيرة فان ذلك يقوي جانب البصيرة ويكسبها حجية ثبوتية اكثر حيث تكون بمثابة إقرار من البائع والمشتري بتمام البيع والشراء وشهود الشهود على ذلك، وقد كان بعض المستشارين منذ مدة طويلة يرشدون إلى ضرورة توقيع البائع والمشتري والشهود على البصيرة وإنه لا يكفي توقيع الأمين الشرعي وحده على البصيرة، واستناداً إلى ما تقدم في هذا الوجه فانه يجب إستكمال كافة الإجراءات السابقة للبيع العقاري وذلك قبل تحرير مسودة البيع  لتحاشي  أية منازعات وخلافات قد تحدث مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا لان المسوّدة كما ذكرنا هي عبارة عن بيع وشراء حقيقي حسبما تقدم بيانه.

الوجه الثالث: القطع(العربون) وحجز الأمين الشرعي للأصول والبيع المبدئي وتوصيتنا لوزارة العدل:

بعض الامناء يقوم بمطالبة البائع  بإيداع أصول وثائق  المبيع لدى الأمين وفي الوقت ذاته يطالب المشتري بتسليم ما يسمى بالقطع وهو شبيه بالعربون وذلك لضمان جدية البائع والمشتري في إتمام البيع، وتترتب على هذه العملية إشكاليات وخلافات كثيرة حيث تسهم هذه العملية بتأجيج الخلافات وتوسيع نطاقها حيث يستخدم بعض الأمناء هذه الطريقة لابتزاز البائع والمشتري حتى ولو لم يتم البيع والشراء وحتى لو لم تكن شروط ووثائق البيع غير مكتملة ،ولذلك فاننا نوصي وزارة العدل بمخاطبة الأمناء والتعميم عليهم بمنع اخذ الأصول أو ما يسمى بالقطع حيث يقتصر دور الأمين على تحرير المسوّدة بعد إستكمال البائع والمشتري لكافة الإجراءات السابق ذكرها،والله اعلم.