سريان قانون التحكيم على التحكيم القبلي أو العرفي

 

سريان قانون التحكيم على التحكيم القبلي أو العرفي

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قانون التحكيم قانون إجرائي ينظم إجراءات التحكيم من بدايته إلى نهايته، بداية من إتفاق الخصوم على التحكيم حتى تنفيذ حكم التحكيم، ولذلك فإن قانون التحكيم يماثل قانون المرافعات المدنية والتجارية، لأن التحكيم في المسائل الجنائية محدود للغاية، حيث يقتصر على المسائل التي يجوز الصلح فيها كالجروح والديات حسبما هو مقرر في المادة (5) تحكيم التي حددت مالا يجوز التحكيم فيه، ومن هذا المنطلق فإن قانون التحكيم النافذ يسري على التحكيم القبلي أو العرفي، إذ يجب على المحكم العرفي أو القبلي ان يلتزم بالإجراءات المحددة في قانون التحكيم النافذ ، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-11-2016م في الطعن رقم (58478)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث ان الطاعن قد ذكر في طعنه بأن الحكم هو حكم تحكيم قبلي لا يخضع لقانون التحكيم ومن ذلك كتابة إتفاق التحكيم...إلخ، والدائرة تجد أن هذه المناعي غير مؤثرة في صحة الحكم الاستئنافي المطعون فيه، لأن المادة (15) تحكيم تنص على أنه: لا يجوز الإتفاق على التحكيم إلا بالكتابة، ويكون الإتفاق باطلاً إذا لم يكن مكتوباً ومحدداً فيه موضوع التحكيم، ويفهم من ذلك ان الكتابة شرط لإنعقاد التحكيم، ولذلك فإن ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بقبول دعوى بطلان حكم التحكيم كان سديداً لما عللت به من أسباب سائغة، مما يتعين معه رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: نطاق سريان قانون التحكيم النافذ:

 نصت المادة (3) تحكيم على أن: (تسري أحكام هذا القانون على أي تحكيم يجري في الجمهورية اليمنية، كما تسري على أي تحكيم يجري خارجها إذا اختار طرفاه ذلك)، وهذا النص  يقرر صراحة  عمومية وشمولية سريان قانون التحكيم النافذ على كافة انواع التحكيم التي تتم في الجمهورية بما فيها التحكيم العرفي أو القبلي، ومن جهة أخرى فقد حددت المادة (5) تحكيم المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها، ولم يرد ضمنها المسائل المتعلقة بالعرف، ومعنى ذلك أنه يجوز التحكيم في كافة المسائل غير الحالات المقرر عدم جواز التحكيم فيها، فقد نصت المادة (5) تحكيم على أنه: (لا يجوز التحكيم في الحدود واللعان وفسخ عقود النكاح –ب- رد القضاة ومخاصمتهم –ج- المنازعات المتعلقة بإجراءات التنفيذ جبراً –د- سائر المسائل التي لا يجوز فيها الصلح –هـ- كل ما يتعلق بالنظام العام).

الوجه الثاني: عدم تعارض الاعراف اليمنية مع قانون التحكيم:

قانون التحكيم كما سبق القول: قانون إجرائي وليس موضوعي أي أن قانون التحكيم يتضمن إجراءات التحكيم الواجب  اتباعها بدءاً من التوقيع على إتفاق التحكيم وحتى تنفيذ حكم التحكيم، فلم يتعرض قانون التحكيم للمسائل الموضوعية سواء من القانون أو العرف.

الوجه الثالث: التحكيم العرفي والنظام العام:

الاعراف اليمنية الأصلية في غالبها موافق للشريعة الإسلامية، كما أن غالبها موافق للنظام العام، وقد منع قانون التحكيم التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام، وبناءً على ذلك فإن التحكيم العرفي إذا لم يكن مخالفاً للنظام العام فهو جائز.

الوجه الرابع: التحكيم العرفي والمسائل الجنائية:

منعت المادة (5) تحكيم التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، ومفهوم المخالفة يعني جواز التحكيم في القضايا التي يجوز الصلح في الحق المدني أو الشخصي فيها كقضايا الأروش والديات والتعويضات الناجمة عن الجنايات المستحقة للمجني عليه، حيث يقتصر التحكيم على الحق الخاص دون الحق العام، وبناءً على ذلك فإن هذا الحكم القانوني يسري على التحكيم العرفي.

الوجه الخامس: مجلس النواب والتحكيم العرفي:

في عام 2012م حضرت مع مجموعة من القضاة وخبراء وزارة العدل إلى مجلس النواب بصفتي رئيس للمكتب الفني بوزارة العدل حينما كان مجلس النواب يناقش مشروع تعديل قانون التحكيم النافذ، حيث كان هناك اتجاه قوي في المجلس يريد ان ينص في قانون التحكيم النافذ على التحكيم العرفي، وقد اعترضت حينها على ذلك، لأن قانون التحكيم قانون عام يسري على كل انواع التحكيم، وعلى اثر ذلك ظهر اتجاه آخر داخل مجلس النواب اراد ان يتضمن قانون التحكيم النافذ باباً خاصاً ينظم التحكيم العرفي، فتم الاعتراض على ذلك، وبعدئذٍ ظهر اتجاه يريد ان يكون هناك قانون خاص للتحكيم العرفي، فتم الإعتراض على هذا المقترح أيضاً، والله اعلم.