إشتراط البائع عدم ضمان الدرك الشرعي
أ.د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من ضمن اسباب النزاعات والخلافات بشان الاراضي
والعقارات قيام بعض الاشخاص ببيع الاراضي بحالتها الراهنة أي بما فيها من مشاكل
وحقوق للغير وخلافات،حيث يشترط البائع أنه لايضمن
إنتكال الأرض المبيعة أو إستحقاق للغير لها،وفي بعض الحالات يتم البيع بهذا
الشرط مع ان البائع ان الأرض منتكلة فيقوم البائع بيعها مشترطا على المشتري عدم ضمانه إنتكال الأرض، واحياناً يشترط بعض البائعين عدم ضمانه لما انتكل أو بطل من الأرض المبيعة من غير ان يعلم أن الأرض قد انتكلت أو يوجد بها سبب من أسباب الإنتكال، وقد اشار إلى هذه
المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 1/4/2013م في الطعن رقم (46609)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا
الحكم: ان البائع قام ببيع خمس لبن لامرأتين في أرضه التي يعلم علم اليقين بان تلك الأرض المبيعة قد صارت شارعا في المخطط العمراني الجديد في المنطقة وسوف تشق الدولة ذلك الشارع في القريب ،وعند محاولة المشتريتين الحصول على رخصة البناء في
تلك الأرض ظهرت لهما الحقيقة ،فقامت المشتريتان باللجوء إلى المحكمة،وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإلزام البائع المدعى عليه بدفع
قيمة الخمس اللبن بحسب سعر الزمان والمكان عند تنفيذه للحكم وتحميله مصاريف التقاضي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم
الابتدائي (وحيث ان المدعيتين قد وقعتنا في فخ المدعى عليه الذي اشترط عدم الضمان
فيما يأخذه الشارع من الأرض متظاهراً بعدم علمه
بان وزارة الاشغال قد قامت قبل خمسة أشهر من البيع بتخطيط شارع يمر في الأرض
المبيعة، ومع ذلك فقد تظاهر البائع بعدم علمه بذلك) وقد أيدت الشعبة الاستئنافية الحكم الابتدائي، ثم اقرته الدائرة المدنية بالمحكمة العليا التي ورد ضمن أسباب حكمها
(اما من حيث الموضوع فان الدائرة تجد ان نعي الطاعن على الحكم الاستئنافي المطعون
فيه غير سديد لان الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد جاء موافقاً من حيث النتيجة
للشرع والقانون لما علل به واستند اليه عند تأييده للحكم الابتدائي حيث لم يقدم
الطاعن أمام محكمة الاستئناف أي جديد كما ان اغلب مناعي الطاعن متعلقة بتقدير
الحكم الاستئنافي للأدلة وتلك مسألة لا تمتد رقابة المحكمة العليا اليها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: حكم إشتراط البائع عدم
الضمان في الشريعة الإسلامية:
البائع في الشريعة الإسلامية ضامن لإنتكال المبيع أو غيره بإعتبار المبيع هو محل
العقد وغايته، وتبعاً لذلك فقد اتفق الفقه الإسلامي على عدم جواز إشتراط البائع عدم ضمانه لإنتكال المبيع، لان هذا الشرط يتنافى مع الغرض من البيع وهو حصول المشتري على المبيع أو
العين سليمة وصالحة، فلا يجوز هذا الشرط ،ولكن هذا الشرط لا يؤثر على عقد البيع حيث يلغو الشرط ويصح العقد (مجمع الضمانات للبغدادي، صـ432).
الوجه الثاني: عدم جواز إشتراط البائع عدم الضمان في القانون المدني:
يصرح القانون المدني بعدم جواز إشتراط البائع عدم ضمانه اوعدم مسئوليته عن وجود المبيع وعدم إنتكاله،بل إن القانون قد تشدد في هذه المسالة حيث نص
على بطلان العقد والشرط معا في هذه الحالة،فقد نصت المادة (460)
مدني على أنه (لا يصح البيع بالشرط الباطل وهو ما
ليس من مقتضيات العقد ويعارضه ولا جرى به العرف فيلغو العقد والشرط معاً في هذه
الأحوال) وفي السياق ذاته نصت المادة (544) مدني على أنه (لا يجوز للمتعاقدين ان
يتفقا على عدم ضمان البائع لثمن المبيع عند إستحقاق الغير له ويكون البيع غير صحيح ولو كان المشتري يعلم وقت البيع
بسبب الاستحقاق) ونص القانون المدني على بطلان العقد في هذه الحالة يعني أن االعقد قد نشا باطلا لتضمنه الشرط المبطل له وقت
انعقاده، ولذلك فان العقد باطل منذ البداية، وهذه الوضعية تفرض عودة البائع والمشتري
إلى الحالة السابقة لدخولهما في العقد الباطل(التراد) حيث يجب على البائع أن يرد الثمن إلى المشتري الذي استلمه البائع فقط حتى لو كانت قيمة الأرض قد ارتفعت كثيراً وانخفضت كثيرا القيمة الشرائية للثمن الذي
دفعه المشتري،فوفقاً للنص القانوني السابق ذكره فان البائع يعيد الثمن الذي قبضه فقط، على العكس من حالة عدم
إشتراط إعفاء البائع من الضمان حيث ينص القانون على انه يلزم البائع أن يعيد إلى
البائع الثمن الذي سلمه بالاضافة الى فارق سعر صرف العملة والغلة والمبالغ التي غرمها المشتري،حيث نصت المادة
(545) مدني على أنه (إذا ضمن البائع ضمان الدرك واستحق المبيع
للغير فعلى البائع ضمان الرقبة بقيمتها المدفوعة وضمان الغلة وضمان ما غرمه
المشتري ويدخل في ذلك فرق العملة في غير الربويات المنصوص عليها فيما يتعلق
بالعملة) حيث يفهم من هذا النص انه لا يتم تطبيقه في حالة ضمان البائع للدرك
الشرعي مع أنه كان من الأولى إلزام البائع في حالة
إشتراطه عدم الضمان بأن يعيد الثمن بالإضافة إلى فارق القيمة السوقية للثمن الذي
دفعه بالإضافة إلى الغرامات التي تكبدها جراء إنتكال الارض، وعند تطبيق هذا
المفهوم على الحكم محل تعليقنا نجد ان عقد البيع فيما بين المدعيتين المشتريتين
والبائع كان باطلاً حسبما صرح القانون المدني، لان البائع كان قد اشترط عدم ضمانه،
ومع ذلك فقد قضى الحكم الابتدائي بتعويض المدعيتين بثمن قيمة الأرض بسعر الزمان
والمكان عند التنفيذ، ولا تثريب على الحكم الابتدائي في ذلك لانه قد ثبت له سوء نية البائع
وضعف حال المدعيتين فحكم لهما بثمن الأرض بحسب سعر الزمان والمكان عند تنفيذ البائع للحكم فلم يقض لهما
بالثمن المدفوع منهما فقط،حيث ثبت للمحكمة أن البائع كان سيى النية وأن المشتريتين
كانتا ضحيتين لجشع المشتري وانهما قد تكبدتا مبالغ طائلة بسبب فعل المشتري غير
المشروع،فقد كان الحكم لهما في هذه الحالة على سبيل التعويض وليس على سبيل التراد.
الوجه الثالث: تأثير علم المشتري بسبب الإنتكال عند الشراء:
كان البائع في الحكم محل تعليقنا قد ذكر ان المشتريتين كانتا عالمتين بسبب الإنتكال وهو وجود مخطط
شارع في الأرض المبيعة حسبما ذكر البائع المدعى عليه، مع انه حتى لو كان هذا الأمر صحيحاً فانه لا يترتب على علم المشتري بسبب الإنتكال أي تأثير على ضمان ومسئولية البائع، لتعلق هذه
المسألة بالنظام العام فرضا المتعاقدتين لايؤثر على ذلك حسبما هو مقرر في المادة(544)مدني
السابق ذكرها.
الوجه الرابع: حكم بيع الأرض بحالتها الراهنة:
في بعض الحالات يقوم بعض الأشخاص ببيع الأرض بحالتها الراهنة أي ان البائع يصرح بأنه غير مسئول أو غير ضامن لأي نزاع بشان الأرض المبيعة او إستحقاق الغير لها أو وجود خلافات بشان ملكية البائع لها حيث يبيعها البائع من غير ضمان، فحكم هذا البيع هو حكم البيع الذي يشترط فيه البائع عدم الضمان أو إعفائه من الضمان،فالبيع في هذه الحالة باطل وفقاً للقانون المدني على النحو السابق بيانه،والله اعلم.