النظام العام في عدم جواز الطعن ممن قبل الحكم

*النظام العام في عدم جواز الطعن ممن قبل الحكم*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖

*▪️
من المعلوم ان قبول الخصم للحكم صراحة أو ضمناً يسقط حقه في الطعن في الحكم الذي قبله وفقاً للمادة (273) مرافعات، غير أن هذه المادة لم تصرح بأن ذلك من النظام العام، ولذلك فقد صرح الحكم محل تعليقنا بأن هذا الأمر متعلق بالنظام العام وأنه يجوز لمحكمة الطعن من تلقاء ذاتها ان تتصدى لهذا الأمر إذا ما رفع الطعن أمامها حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-1-2018م في الطعن رقم (59744)، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم ((ولما كان البين من الأوراق ان الحكم محل الطعن قد اقتصر قضاؤه على الفصل في الدفع الذي واجه به المطعون ضده إستئناف الطاعن بعدم جواز الطعن في الحكم الابتدائي لقبول الطاعن للحكم وتشريفه له في محضر جلسة النطق بالحكم، وحيث ثبت لمحكمة الاستئناف صحة دفع المستأنف ضده (المطعون ضده حالياً) لثبوت قبول المستأنف (الطاعن حالياً) للحكم الابتدائي محل الاستئناف وتشريفه له في محضر جلسة النطق بالحكم المنعقدة بتاريخ .... حيث وضع ابهامه عليه مع المستأنف ضده، وهو ما تبين للدائرة من خلال الأوراق صحته، وحيث ان المقرر قانوناً سقوط حق الطاعن في الطعن في الحكم الذي قبله صراحة في محضر جلسة النطق بالحكم أو في جلسة لاحقة أو قام بتنفيذه وفقاً لأحكام المادة (273) مرافعات وهو نص آمر يتعلق بالنظام العام يجب على المحكمة التصدي له ولو من تلقاء نفسها، لذلك فإن ما قضى به الحكم الاستئنافي المطعون فيه لقبول الدفع شكلاً وموضوعاً وعدم جواز نظر الطعن بالاستئناف وصيرورة الحكم الابتدائي نهائياً كان صائباً وفي محله لما علل به من أسباب سائغة لها ما يسندها من الأوراق والقانون، مما يتعين عدم قبول الطعن بالنقض))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️
الوجه الأول: ماهية النظام العام بالمفهوم القانوني:*
➖➖➖➖➖

*▪️
النظام العام بالمفهوم القانوني: هو مجموعة القواعد التي يقوم عليها كيان وأساس المجتمع والتي يترتب على تخلفها إنهيار المجتمع، مثل القواعد المتعلقة بالحقوق والحريات والنظام القضائي ، وفكرة النظام العام لا تقتصر على النظام القانوني وإنما تمتد إلى شتى المجالات فهناك نظام عام اقتصادي وهناك نظام عام اجتماعي...إلخ، والنظام العام بهذا المفهوم يحمي المصالح العامة وإن كان متعلقاً بمصالح مباشرة لأفراد من المجتمع لكنه في محصلته النهائية يحمي الحقوق والمصالح للمجتمع ككل. (فكرة النظام العام في النظرية والتطبيق، د.عماد طارق، ص65).*
➖➖➖➖➖
*▪️
الوجه الثاني: دور القاضي في حماية النظام العام القانوني:*
➖➖➖➖➖

*▪️
القاضي هو الحامي والحارس الأمين للنظام العام القانوني، فالقاضي يبسط هذه الحماية عن طريق تصديه من تلقاء نفسه للمسائل المتعلقة بالنظام العام حتى من غير ان يطلب منه الخصوم ذلك طالما أنه قد اتصل بالقضية عند رفعها أمامه ، فإذا اتصل القاضي بالقضية عن طريق تقديم الدعوى إليه أو الطعن امامه فإنه يتصدى من تلقاء نفسه للمسائل المتعلقة بالنظام العام حتى من غير ان يتمسك الخصم بالنظام العام، حيث يقوم القاضي بالتصدي من تلقاء نفسه لتطبيق القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بأنه يحق للمحكمة التصدي من تلقاء ذاتها إذا قام الطاعن بالطعن بالنقض في الحكم بعد ان قبل الخصم الحكم او شرفه.*
➖➖➖➖➖
*▪️
الوجه الثالث: النظام العام من خلال صياغة المادة (273) مرافعات:*
➖➖➖➖➖

*▪️
أستند الحكم محل تعليقنا في قضائه بسقوط حق الخصم في الطعن بقبوله الحكم أستند في ذلك إلى المادة (273) مرافعات التي نصت على أنه: (لا يجوز ان يطعن في الأحكام إلا المحكوم عليهم، ولا يجوز ان يطعن فيها من قبل الحكم صراحة في محضر الجلسة أو في جلسة لاحقة أو ممن قام بتنفيذ الحكم من تلقاء نفسه خلال مدة الطعن ولا ممن حكم له بكل طلباته)، ومن خلال صيغة هذا النص يظهر أنه آمر حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، إذ أن هذا النص منع الخصم الذي قبل الحكم ان يطعن فيه فقد صرح النص بأنه: (لا يجوز) له ذلك، ومن المتفق عليه في تفسير النصوص أن النص إذا كان يفيد الحظر أو الوجوب فأنه يكون آمر أي لا يجوز للأفراد الإتفاق أو العمل خلاف ذلك، لأن المشرع حينما يصيغ النص بصيغة الوجوب أو الحظر فأنه يقدر ان الإجراء أو العمل المحظور أو الواجب يتعلق بالنظام العام للمجتمع بأسره ، فالقانون يفترض ان الخصم حينما يقبل الحكم صراحة أو ضمناً يكون قد ادرك ان الحكم عنوان الحقيقة وان الأصل ان الحكم صحيح ولذلك قبل به أو نفذه، وبذلك يكون الخصم قد اسقط حقه في الطعن بقبوله بالحكم لاسيما ان الطعن في الحكم هو مجرد حق قد يستعمله الخصم وقد لا يستعمله، فليس الطعن في الحكم واجباً على الخصم، مع مراعاة أن الاحكام الصادرة في القصاص والحدود يحل العرض الوجوبي فيها محل الطعن الوجوبي، حيث يوجب القانون عرض تلك الاحكام تلقائياً على محكمة الطعن حتى لو لم يطعن فيها الخصم المحكوم عليه بحد أو قصاص، والله اعلم.*